يقول أحد زعماء الميليشيات الشيعية ان "بغداد أشبه بالغابة، انها مكان متوحش تبحث فيه الحيوانات المفترسة عن حصتها وقسمتها من الأرض، وكل حيوان يريد أخذ الحصة الأكبر". ويحمل "أبو بكر" على محمل الجد وظيفته قائداً ميدانياً في "جيش المهدي". وفي مدينة الصدر، يشرف "أبو بكر" على توزيع المسلحين على الحواجز دفاعاً عن المعقل الشيعي من المتطرفين السنة في الأحياء المجاورة. ومقاتلوه هم من أنصار حجة الإسلام مقتدى الصدر. ويخلص"أبو بكر"إلى أن"التكفيريين السنة يريدون استعمال المناطق السنية قاعدةً يشنون منها حملاتهم على الشيعة والعراق كله، وتحويل العراق الى بلاد تحكمها القاعدة". وعلى ضفة الفرات، غرب بغداد، يجلس"أبو عبيدة"، مقاتل"القاعدة"في منزله بحي العامرية. وتبدو على الرجل 33 سنة سيماء الحصار. فهو يتحدث عن مواجهة"جيش المهدي"، ويشتم مقاتليه، ويتهمهم بإزهاق أرواح الأبرياء، ويغفل السيارات المفخخة التي تفجرها منظمته في الأحياء الشيعية منذ ثلاث سنوات. ويقول"أبو عبيدة"ان ما يحاوله هو الحؤول دون اتساع رقعة الميليشيات:"نبقي قواتنا على حدود مناطقنا لمنعهم من غزوها. فهمّنا الأول ألا تستولي مجموعاتهم المسلحة على مناطقنا". ويوماً بعد يوم تنقسم بغداد سنّةً وشيعة. ويمنع دخول الأحياء على من ليسوا أبناء الطائفة. وأبشع وجوه الفصل المذهبي هو استيلاء جماعات متناحرة على أكثر عدد من أحياء العاصمة، تمهيداً لتعزيز فرص استيلائها على الحكومة. وكان تفجير السنة، في شباط فبراير الماضي، مرقداً شيعياً بسامراء، وتشريد نحو 146 ألف شخص من بغداد بحسب منظمة الهجرة الدولية، الإيذان بهذه السياسة. والظاهرة تبلورت الى حد اضطر القوات الأميركية الى رسم الخريطة الجديدة لبغداد يُرى عليها انتماء السكان المذهبي. وتوضح الخريطة الأحياء المختلطة الموشكة على الاقتتال والتهجير. وأربعة من خمسة من الأحياء البارزة هذه تقع على ضفة الفرات الغربية، وتسمى الكرخ، فيما شهدت الأحياء ذات الغالبية الشيعية، شأن الكاظمية، والسنية، شأن القادسية والعامرية والغزالية، أقسى المعارك، بحسب القوات الأميركية. وتتعدى حرب الشوارع بين الأحياء العراك بين فتوات خارجين عن القانون. ويقول مسؤولون عراقيون إن الجماعات المسلحة السنية والشيعية، وهي امتداد للكتلتين الرئيستين في مجلس النواب، تغذي العنف المنتشر والخارج من عقاله. ويرى موفق الربيعي، مستشار الأمن القومي، أن"ثمة علاقة واضحة بين حملات التهجير والتشريد التي تتولاها بعض المجموعات المسلحة على أحياء معينة، وبين الأحزاب السياسية في البرلمان". ورفض الربيعي أن يسمي جهة بالاسم، فيما ألقى مسؤولون اللوم على الحزب الإسلامي، أكبر أحزاب السنّة في البلاد، وعلى"جيش المهدي"في قيادة مقتدى الصدر. ويعد تيار الصدر 32 نائباً هم الشطر الراجح في الائتلاف الشيعي. ويقول عضو البرلمان محمود عثمان، وهو كردي، أن القادة السنّة أو الشيعة لا يبدون عاقدي النية على وقف أعمال العنف."الحزب الإسلامي متورط، وجيش المهدي متورط، وهما يتحاربان". وقال مسؤول شيعي في الحكومة إن"الحزب الإسلامي"وپ"هيئة العلماء المسلمين: ينسقان مع"كتائب ثورة العشرين"على طرد الشيعة من غرب بغداد. وأقر مسؤول أميركي بأن الصراع على السلطة هو أحد أبرز الأسباب وراء تهجير عائلات سنية أو شيعية من منازلها. وقال:"السيطرة على الأحياء تعني مالاً وسلطة. وكلما زاد عدد الأحياء التي سيطر عليها فريق من الفريقين تعاظم نفوذه في مجلس النواب والحكومة". وذهب المتحدث الى ان"جيش المهدي"وپ"كتائب ثورة العشرين"منظمتان نافذتان في التطهير المذهبي. وصارت بغداد محلاً محظوراً على البغداديين العاديين. فلا يجرؤ طلبة الجامعات على المرور في الأحياء السنية، وسحب وثائقهم من وزارة التربية. والأطباء يتجنبون المستشفيات الكبيرة خوفاً من المسلحين. وامتنع عدد من الوزراء والموظفين الحكوميين من التردد الى مكاتبهم خارج المنطقة الخضراء. وفي الأسابيع المنصرمة، حمل الاقتتال السني - الشيعي عدداً كبيراً من العائلات الشيعية الى مغادرة منازلها في الغزالية والعدل. وخرجت عائلات كثيرة من أحياء الجهاد والحرية والعمل. وعمدت مناطق واسعة في الرصافة، شرق بغداد، الى إغلاق مداخلها في أعقاب معارك ضارية في الأحياء الشيعية حولها. واتهم تقرير نشره معهد بروكنغز بواشنطن، في تشرين الأول أكتوبر الماضي، وفريقاً شيعياً آخر في الحكومة، هو"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، بالمشاركة في القتال الأهلي والمذهبي. ويقول التقرير:"ليس العنف عفوياً ولا شعبياً. والمشردون المهجرون يحملون الجبهتين المتطرفتين المسؤولية عن تهجيرهم". ولا يشك التقرير في أن"التطهير المذهبي يخدم مصالح هذه المجموعات". وتدور المعركة الحاسمة غرب بغداد، حيث الغلبة للسنّة. ويقول أبو عبيدة:"علينا ألا نخسر هذا الجزء من المدينة". ويخاف الشيعة محاولات السنّة الاستيلاء على الكاظمية، على نحو ما طوقت الأعظمية. عن نيد باركر وعلي حمداني من بغداد، "تايمز" البريطانية ، 14 /12 / 2006