ما إن تُدْخل كلمة"علوم"في محرك البحث الشهير "غوغل" Google حتى تظهر أمامك، وخلال بضعة أعشار من الثانية، لائحة مؤلّفة من مليون ونصف مليون صفحة الكترونية منتشرة عبر الشبكة العنكبوتية للكومبيوتر. ويكمن وراء هذه الخدمة خزّان ضخم من المعلومات الإلكترونية النائمة في عمق قواعد بياناته الرقمية Data Base، التي تُغري خيال البحّاثة في الأرض، ويودون لو استطاعوا الحصول عليها لتسخيرها في حقول معارفهم التي تمتد من علم النفس الاجتماعي إلى الاقتصاد العالمي. وعلى رغم أن بعض عمالقة الكومبيوتر، مثل شركة"مايكروسوفت"، تبنّى عمليّة التعاون العلميّ باهتمام كبير، إلا أن"غوغل"لم يكشف حتى الآن عن كل ما يملكه في هذا المجال الحسّاس. ويشير ريتشارد سودبرغ عالم الاجتماع في جامعة"كورنيل"، إلى ان محرك"غوغل"معروف بسلبيته لجهة السماح للباحثين بالدخول إليه. وفي المقابل، أعلن مسؤولو"غوغل"أخيراً أنهم أعلموا"الجمعية الأميركية لتقدم العلوم"التي تنطق بلسانها مجلّة"ساينس"المعروفة أنهم بصدد تغيير طريقتهم في التعاطي مع المعلومات العلمية. ويرى البعض ان قواعد المعلومات التي يتكتم عليها مُحرّك"غوغل"قد تُشكّل منجماً لعلماء الاجتماع، لأنها تُقدّم معلومات نادرة من نوعها، تسمح بمراقبة التفاعلات بين الناس والتكنولوجيا، وكذلك بين الفئات الاجتماعية المختلفة والأفراد، في الوقت الفعلي. وتالياً، تفتح تلك المعلومات الباب أمام دراسات تتناول تقويم نتائجها على السلوكين الفرديّ والجماعيّ، كما يقول دانكن واتس، عالم الاجتماع في جامعة كولومبيا. ويُشكّل الملف الإلكتروني المفتاح. فأثناء استعراض صفحات الانترنت، يعرض عدد من مواقع الويب، ومنها"غوغل"نفسه،"عقوداً"تطلب فيها الملف المناسب للتعريف بهويّة حاسوبك. ويتم حسم هذه"العقود"بصورة غير محسوسة، وغالباً من غير استشارة المُستعمل لانها تمثّل جزءاً من بروتوكول تبادل المعلومات عبر الشبكة الالكترونية. وعند استعمال"غوغل"، تصنع قواعد البيانات في ذلك الموقع ملفاً عن الكومبيوتر، إضافة الى تسجيل ما بُحث عنه وما كان بصدد الانتقال إليه أيضاً. وربما يغيب عن ذهن المستعمل الفرد أنه، في كل مرة يزور فيها هذا الموقع، يساهم في تجميع رقم قياسي مقداره 200 مليون عمليّة بحث يومياً. ويُنظر إلى هذا الرقم الإلكتروني باعتباره المفتاح إلى مفهوم"غوغل"عن الأعمال. وبموجب ذلك المفهوم، فإن الجمهور يُعطى المعلومات بصورة مجانية، كما لا يفرض الموقع بدلاً مالياً عن عمليات البحث نفسها. وفي المقابل، فإن تجمّع هذا الرقم الهائل يغوي شركات الإعلان، فتدفع أموالاً طائلة، وصلت الى بليون دولار سنوياً، كي تنشر إعلاناتها في"غوغل"! وفي عام 2001، وسّع موقع"غوغل"إمكاناته في الانتشار، بعدما ضمّ أكبر فئة من الجماعات المنتمية إلى الانترنت، إضافة الى "جماعات الدردشة"، والتي تُعرف باسم"يوزنت"شبكات المستعملين، والتي شرع البعض في تسميتها"مجموعات غوغل". وتضاف إلى ذلك الأرقام القياسيّة التي تسجلها"يوزنت"من خلال المحادثات التي تدور بين 25 مليون شخص بحسب أرقام العام 1981. والأرجح أن هذه الارقام تضاعفت راهناً. ويحصد"غوغل"ثروات أخرى، تأتي من خدمات متطورة مثل"أرض غوغل" Google Earth التي تُقدم خريطة متجدّدة بانتظام لأمكنة لاحصر لها على الأرض، بالارتكاز الى صور الأقمار الاصطناعية. وتُمكّن"أرض غوغل"المستخدم من خلال هذه الخريطة من أن يجد مختلف البيانات الاجتماعية كنسب الجرائم المحلية مثلاً. ويتطوّع آلاف الأشخاص لتطوير صفحات جديدة من البيانات ولكنها تفتقد للمراجعة والتحقيق تُعرف بال"هيرساي"وترجمتها"الاقوال التي تُشبه الاشاعات" وهي متوافرة مجاناً عبر الانترنت. ويقول رايتشال وتستون، وهو ناطق باسم مكتب"غوغل"في لندن، إن ذلك الموقع أبدى حذراً دائماً في شأن التعاون العلميّ. ويُبرّر ذلك بالقول:"إننا لا نريد أن نعطي المستخدمين انطباعاً بأن لدينا ميولاً سياسية متحررة، ولا بأننا متهاونون بصدد بياناتهم الشخصية والاجتماعية، خصوصاً في ضوء ما حدث مع شركة"آي أو أل" AOL". ففي شهر آب أغسطس أصدرت شركة"أميركان أونلاين"AOL بيانات عن عمليات البحث التي أجراها الجمهور عبر موقعها الإلكتروني. وضمت البيانات تفاصيل الملفات الإلكترونية لقرابة 650000 شخص. ولحظة اكتشاف أنه يمكن معرفة هويات هؤلاء الأشخاص من خلال البيانات، ساد شعور من الغضب عند الجمهور. فبادرت الشركة إلى سحب هذه البيانات من الإنترنت بعد مرور ثلاثة أيام على نشرها. ولم يحل ذلك دون انتشار تلك البيانات عالمياً. ومن هذا المنظار، يمكن قراءة الرسالة الإلكترونية التي بعث بها فرع العلاقات العامة في محرك"غوغل"إلى مجلّة ساينس:"إن الموقع يودّ دعم المساعي العلميّة... ولكنه سيراعي تقديم البيانات الخاصّة من أجل البحث العلميّ الشرعيّ... طالما نضمن أنها لا تحتوي على معلومات شخصيّة مميِّزة". ويحضّ بعض الأكاديميين على الحذر إذ هناك إمكان لسوء الاستخدام توفره سهولة نقل البيانات الإلكترونية"، كما يقول فرانك ميلر وهو عالم في أخلاق البحث والمعالجة الطبية في معاهد الصحّة الوطنية الأميركية في"بيتيسدا"في ميريلاند. ولم يتردد ميلر في القول:"سنحتاج الى لجان المراجعة الأخلاقيّة للتدقيق، وبعناية شديدة، في البحث الذي يستعمل بيانات مماثلة وذلك لضمان تطبيق أساليب الحماية المناسبة." ويضيف:"إن طلب موافقة الناس سيكون صعباً وإن المحققين قد يقاومون هذا التحرّك إذ أنه قد يقلّص من وحدة المواضيع". القسم العلمي - بالتعاون مع "مركز الترجمة في دار "الحياة".