أعلن الرئيس محمود عباس أمس انه قرر اللجوء الى انتخابات رئاسية وتشريعية مبكرة مع ابقاء الباب مفتوحا امام تشكيل حكومة وحدة وطنية، مشيراً الى انه سيبحث هذا الأمر مع لجنة الانتخابات المركزية في اقرب وقت"لبدء الاستعداد لهذا العمل". وقال عباس في خطاب ألقاه أمام جمع من الشخصيات الدينية الاسلامية والمسيحية ورؤساء الجامعات وممثلي القوى والهيئات والمؤسسات الوطنية انه لجأ الى هذا القرار من اجل الخروج من ازمة الحصار الذي يرزح تحته الشعب الفلسطيني منذ تشكيل حكومة"حماس"قبل تسعة شهور. واضاف:"الباخرة تحترق ونحن نتحاور"، مشيرا الى عدم جدوى الحوار مع حركة"حماس". وقال عباس ان الحصار ادى الى تراجع ايرادات السلطة بنسبة 61 في المئة والى توقف كامل للمصاريف الادارية والى تفاقم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية. وتساءل كيف يمكن لمن لا يتقاضى راتبه ان يدفع اثمان الكهرباء والمياه والتعليم، مشيراً الى الأثر العميق لأزمة الرواتب على مختلف القطاعات. ونبه عباس حركة"حماس"من ما اسماه اوهام رفع الحصار. وقال صراحة ان"حماس"تتوهم ان اجتماعات شخصيات منها مع اشخاص لا اهمية لهم في اوروبا واميركا ستؤدي الى ر فع الحصار. وضرب مثلا على ذلك لقاء شخصيات من"حماس"مع شخص بريطاني قال انه"أفاك"و"متقاعد لا أهمية له"يدعى الستر كروك ومع عضو في مجلس بلدي في الولاياتالمتحدة. وقال مقربون من الرئيس انه سيحدد موعد الانتخابات بعد اجتماع يعقده مع لجنة الانتخابات المركزية. وكشف ياسر عبد ربه عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الذي جلس الى جانب عباس اثناء القاء خطابه ان الرئيس سيحدد موعد الانتخابات المقبلة في غضون اسبوع. ورجح عبد ربه في حديث ل"الحياة"ان تجري الانتخابات في غضون ثلاثة أشهر. واستعرض عباس في خطابه المراحل التي مر فيها الحوار الوطني منذ فوز حركة"حماس"في الانتخابات التشريعية في كانون الثاني يناير الماضي، موضحاً ان عدم مشاركة القوى والفصائل الاخرى وبينها حركة"فتح"للحركة في حكومتها يعود الى تنكرها - أي حركة"حماس"- الى الاساس الذي قامت عليه السلطة وهو منظمة التحرير الفلسطينية والاتفاقات السياسية مع اسرائيل. وقال انه يستند في قراره اللجوء الى انتخابات مبكرة الى حقه الدستوري، مشيراً الى ان"الشعب هو مصدر السلطات". وأضاف:"وفقاً لحقي الدستوري، وقعت على قرار تشكيل الحكومة، وأستطيع إقالتها متى أشاء، فلنرجع إلى الشعب الذي هو مصدر السلطات". وقال عباس:"ان مهمة الحكومة هي مساعدة الرئيس وليس مناكفته ولا يمكن أن يكون هناك رأسان في البلد"، مشيرا الى الحكومة التي تقودها"حماس"والرئاسة التي يقودها هو. وتحدث عباس مطولا عن وثيقة الأسرى التي توصل اليها قادة الحركة الاسرى في سجن"هداريم"الاسرائيلي، مشيراً الى ان"حماس"رفضتها وهاجمتها ثم عادت وقبلتها بعد يومين من الحرب التي شنتها اسرائيل على غزة عقب خطف الجندي غلعاد شاليت الذي قال انه كلف الفلسطينيين حتى اليوم 500 شهيد. ومضى يقول:"لنسأل الشعب هل أنت موافق على وثيقة الأسرى التي خرجت من نفوس طاهرة ومحترمة". واشاد عباس بموقف الأسرى معتبرا ان:"الأسرى يتمتعون بمسؤولية عالية اكثر منا". ونفى الرئيس عباس وجود مؤامرة ضد رئيس الوزراء اسماعيل هنية خلال عودته من جولته العربية، مشيراً الى أنه كلف الطيب عبدالرحيم وصائب عريقات ومحمد دحلان الترتيب لهذه الزيارة مع الاسرائيليين والاوروبيين والمصريين, مستهجنا أن يتم اتهام دحلان بالتآمر على رئيس الوزراء. وانتقد"أبو مازن"بشدة قيام انصار"حماس"باقتحام معبر رفح بالاسلحة وقذائف ال"آر. بي. جي"لاستقبال هنية قائلا:"إن الزعيم يستقبل بالورود لا بالسلاح وب"آر بي جي"، متهماً انصار الحركة باجتياح المعبر وتحطيمه وسرقته،"الامر الذي ادى الى خروج المراقبين الاوروبيين من المعبر". ورداً على من قالوا إن دخول المسلحين الى المعبر جاء لتأكيد السيادة الفلسطينية تساءل"ابو مازن":"هل تؤكد السيادة بهذه الفوضى وهذه الهمجية؟"، واصفا سلوك انصار"حماس"في المعبر ب"أعمال تخريبية تؤدي الى تعطيل المعبر". ودافع عباس عن قراره نشر قوات الامن الفلسطينية في الشوارع معللاً ذلك ب"الفوضى"، مشيراً الى أن"الفلتان جعل الامن مضطرباً للغاية، لذلك بحثنا عن حل سياسي نستطيع خلاله ان نعمل توافقاً فلسطينياً، من بدون وفاق سياسي سيبقى حبل الامن مضطرباً". وتحدث عن الاحداث التي اعقبت مرحلة الانسحاب الاسرائيلي من غزة قائلا:"حدثت أحداث كثيرة في 2005 أهمها الانسحاب الاحادي من غزة وخرجت أصوات: لا نقبل ذلك وهذه مؤامرة, وقلنا: افضل ان لا يكون اتفاق لأنه لا التزام علينا وسهلنا خروجهم وقلنا الحمد لله أول جزء من الوطن خرج منه الاحتلال, واستبشرنا خيراً بأن نستثمر تلك الاراضي وقدمت لنا عروض اقتصادية وسياحية واستثمارية وعمرانية من العديد من الدول، ولكننا لم ننجح في ذلك والسبب اطلاق الصواريخ, ومع ذلك هناك اناس مصممون على مخالفة المصلحة الوطنية والاراضي اصبحت مصدر نهب لفلان وعلان بدل الازدهار واستيراد العمال من الخارج يعيش القطاع الجوع والبطالة". ودعا عباس الى ترك قطاع غزة هادئاً للاستثمارات وتساءل:"لمصلحة من هذا التخريب الذي يحصل في القطاع، في الوقت الذي كان يمكن ان يكون فيه مصدر ازدهار؟". وتحدث عن وقوفه بشدة الى جانب مشاركة"حماس"في الانتخابات التشريعية، مشيراً الى معارضة جهات دولية لهذه المشاركة. كما تحدث عن المساعدات التي قدمها من اجل تسويق الحركة في الغرب ورفع الحصار عن حكومتها. وقال انه نجح في تحقيق اختراقين للحصار، الاول بموافقة الاوروبيين على آلية خاصة لمساعدة الفلسطينيين والثاني في تحويل الاموال من الجامعة العربية الى مكتبه ودفعها الى الموظفين. لكنه اكد ان اي رفع للحصار يتطلب ان توائم الحكومة مواقفها مع مواقف المجتمع الدولي. واستعرض الجهود لتشكيل حكومة وحدة وطنية التي قادت الى اتفاق على"محددات البرنامج السياسي"في الحادي عشر من أيلول سبتمبر الماضي والتي قال ان رئيس الحكومة اسماعيل هنية تراجع عنها بعد التوقيع عليها. واضاف:"لقد جاءني هنية في اليوم التالي قائلا ان لديه"استدراكات"على"المحددات"تمثلت في رفض المبادرة العربية ورفض المشاركة في لجنة المفاوضات". وقال عباس انه كان يستعد لتسويق الحكومة لدى البيت الابيض الاميركي لكن تراجع هنية و"حماس"عن ذلك الاتفاق والتصريحات المتطرفة التي اعقبت هذا التراجع ادت الى بطلان جهوده تلك. وتحدث ايضاً عن رفض"حماس"المبادرة القطرية التي تضمنت ست نقاط اهمها برنامج الدولتين ونبذ متبادل للعنف والتزام الحكومة بالاتفاقات السابقة، مشيراً الى ان"حماس"طلبت في حينه ان يتم توقيع تلك النقاط من قبل الرئيس وليس من قبل الحكومة وكأن الرئيس غير معترف بذلك. وشكك عباس في وجود اية سيادة للفلسطينيين على ارضهم متسائلا عن مطلب"حماس"فرض السيادة على معبر رفح على الحدود مع مصر في الوقت الذي نعيش فيه كلنا تحت احتلال. وقال ان الدوريات الاسرائيلية تأتي الى هنا وتعتقل من تشاء، كما ان الطائرات تستهدف من تشاء ونحن نعيش تحت حكم ذاتي وليس تحت سيادة وطنية. وجدد عباس تمسكه بخيار الديمقراطية قائلا:"إن الديموقراطية رغبة من الشعب، نحترمها ونقدسها ونقدرها. الديموقراطية لك وعليك، ومشاركة وليست الغاء او اقصاء للآخر، وليست ارادة إلهية، وهي رغبة من الشعب نحترمها ونقدرها ونقدسها". وافتتح عباس خطابه الذي دام حوالي ساعتين باستنكار جريمة قتل الاطفال الثلاثة في غزة. وقال:"إن من قام بهذه الجريمة لا يمت لشعبنا وللدين والاخلاق بشيء"، مشيراً إلى أن صورة الاطفال ماثلة في جميع الاذهان تشكو ظلم الناس". ودافع عباس بشدة عن المسؤول في"فتح"محمد دحلان الذي تتهمه"حماس"بالتآمر في ما تقول انه محاولة لاغتيال اسماعيل هنية. وقال:"إن الكل كان في خدمة رئيس الوزراء إسماعيل هنية لدخوله إلى غزة دخولاً كريماً، وإن النائب محمد دحلان احد ثلاثة مسؤولين عهدت إليهم بترتيب خروج ودخول هنية إلى غزة". وجدد عباس تشديده على حرمة الدم الفلسطيني قائلا:"إن الدم الفلسطيني سيبقى محرماً رغم التنكر للمسيرة الديموقراطية، وسنبقى ملتزمين حتى النهاية بالمسيرة الديموقراطية". وشدد ايضاً على أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني قائلا:"مصرون على أن تبقى منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات". كما جدد رفضه ربط القضية الفلسطينية بسياسية المحاور، معتبرا ان الفلسطينيين ما زالوا يدفعون ثمن موقفهم اثناء الحرب اللبنانية الاخيرة، مشيرا الى وقوف"حماس"الى جانب"حزب الله"وسورية وايران ضد السعودية ومصر والاردن. وقال:"نحن قضية مقدسة ونرفض التحالفات، ويجب أن نكسب ونأتي بتأييد الجميع، فقضيتنا صعبة ومعقدة ونحن بحاجة للجميع". وأضاف:"إننا أمام فرصة تاريخية، ويجب أن نلتقطها، وتتمثل في المبادرة الأوروبية وتقرير بيكر - هاملتون"، مشيراً إلى"أن الجميع يتحدث عن حق العودة للاجئين الفلسطينيين، ويتحدثون عن أن قضية الشرق الأوسط هي قضية فلسطين التي يجب حلها، لنحل كل المشاكل في المنطقة". وجدد التأكيد:"اننا لن نسمح بالانزلاق الى الحرب الأهلية". وقال:"الدم الفلسطيني سيبقى محرماً رغم التنكر للمسيرة الديموقراطية، وسنبقى ملتزمين حتى النهاية بالمسيرة الديمقراطية".