"ما زال مهرجان القاهرة السينمائي الدولي قادراً على المنافسة" لعل هذا هو الاستنتاج الأكثر اختصاراً لجوهر الأيام الأولى في المهرجان الذي بدأ فعاليات دورته الثلاثين ليل الثلثاء الماضي ويستمر حتى الجمعة المقبل. نقول هذا وفي ذهننا التحديات الكبيرة التي تواجه هذا الحدث السينمائي منذ أن سحب مهرجانا مراكش وخصوصاً دبي البساط من تحته في السنوات الأخيرة. فكانت نقاط قوة المهرجان الأول اعتماده على السينما الخالصة، فيما لا تخفى على أحد الموازنة الخيالية التي وضعت لخدمة مهرجان دبي، ما يعيدنا في الذاكرة سنتين الى الوراء لنسترجع"الفضيحة"التي سببها غياب فناني مصر عن فعاليات المهرجان الأعرق في المنطقة العربية مهرجان القاهرة طبعاً لانشغالهم بمهرجان آخر: المهرجان الأكبر موازنة في المنطقة ذاتها مهرجان دبي. يومها شكك كثيرون في إمكان عودة مهرجان القاهرة الى ساحة المنافسة، لكن يبدو أن الجهود التي تبذل في سبيل استعادة المرجان بريقه السابق كفيلة بدحض كل تلك الشكوك، ابتداء من تسمية الفنان عمر الشريف رئيس شرف للمهرجان ومروراً برعاية رجل الأعمال المتنور نجيب ساويرس لهذه الدورة - نذكر أنه رعى دورات سابقة في المهرجان ايام عهد حسين فهمي - ووصولاً إلى دعم فناني مصر الذين شاركوا في شكل لافت في حفل الافتتاح، اضافة الى فنانين من طراز جاكلين بيسيه وداني غلوفر وشارل ازنافور وسواهم حتى وإن كان معظم هؤلاء أكد أنه انما يشارك تعاطفاً مع مشاركة عمر الشريف ووجوده الكبير في المهرجان، اضافة الى التنظيم المميز في الافتتاح، والعمل بمبدأ"الجميع نجوم"، ما استوجب عدم احتكار نجومنا العرب والأجانب لمتعة السير على السجادة الحمراء، بل شاركهم المدعوون جميعاً هذه المتعة. إذا كان هدف السينما نشر المبادئ التنويرية وحرية الفكر بين أهداف أخرى، فإن مهرجان القاهرة أصاب الهدف في يومه الأول حين علا تصفيق حار ترحيباً بوزير الثقافة المصري فاروق حسني، كنوع من إعادة الاعتبار - غير المعلن الى الوزير الذي أقامت تصريحاته حول الحجاب الدنيا ولم تقعدها، حتى وإن أكد البعض ان هذا الاستقبال ما هو إلا عرفان بالجميل تقديراً له ولما قدمه للثقافة المصرية والعربية، وعلى المستوى الدولي، في نجاحات جعلت القاهرة العاصمة الدائمة للثقافة العربية وقلب التنوير في العالم مثل عواصم كبرى تهتم بالثقافة وتضعها في أولويات اهتماماتها. والحال انه لم يكن غريباً أن يقابل المهرجان وزير الثقافة على هذا النحو، خصوصاً أن هذه الدورة تلقى دعماً مباشراً من الوزير حسني الذي اكتفى في حفلة الافتتاح بالإعلان عن بدء الدورة الثلاثين من دون أي تعليق آخر، بينما تصدرت كلمة مقتضبة له"كاتالوغ"المهرجان وعد فيها الجمهور بأن هذه الدورة ستكون"مغايرة وذلك للجهود والاضافات التي تمثل تطويراً شاملاً للمهرجان حتى نخرج به مهرجاناً يليق بالقاهرة وبالسينما العالمية التي كانت مصر احد مؤسسيها". عزت أبو عوف ويؤكد رئيس المهرجان عزت أبو عوف كلام الوزير قائلاً:"كل حاجة جديدة في هذه الدورة بمن فيهم أنا"، وبالفعل كثيرة هي التجديدات في المهرجان الثلاثين، ابتداء من تغيير شعار المهرجان من الهرم الذهبي الى مفتاح الحياة وصولاً الى استحداث مسابقات جديدة، إيماناً من أهل المهرجان"بفتح صفحة سينمائية كبيرة وجديدة أمام الجماهير، تعرض المشكلات التي يمر بها العالم ووجهات النظر حولها"بحسب أبو عوف. لكن أمام كل هذه الجهود، لم يكن موفقاً اختيار فيلم"ابنجيا فرانشيسكو"للمخرج البرازيلي برينو سيليفرا في الافتتاح، على رغم أنه واحد من أنجح الأفلام البرازيلية، وفيه يروي المخرج القصة التقليدية لصعود مطرب مغمور سلّم المجد على الطريقة المكسيكية التي اعتدنا عليها على شاشاتنا العربية في المسلسلات المدبلجة. والغريب خلو المسابقة الرسمية من الأفلام العربية، باستثناء مشاركة مصرية من خلال ثلاثة أفلام هي:"مافيش غير كده"إخراج خالد الحجار وبطولة نبيلة عبيد وپ"استغماية"للمخرج عماد البهات وپ"قص ولزق"للمخرجة هالة خليل. أما الأفلام الأخرى المشاركة في المسابقة الرسمية فهي:"قمر على الجليد"سويسرا،"سنكارا"سريلانكا،"رافال. رافال"اسبانيا،"حياة حصينة"المكسيك،"النظرة الأخيرة"المكسيك،"اسمي سالومي"ايطاليا،"في مكان ما بعيد جداً"إيران،"اومكارا"الهند،"اليوم الثاني في الاسبوع"المجر،"مولن العظيم"فرنسا،"مارثا"التشيك،"الطريق"الصين،"واجب وطني"كندا - اميركا،"زوزو إنجل"البرازيل،"السرعة تنتج السهو"الارجنتين / اسبانيا. العرب في القاهرة وإذا كانت السينما العربية غائبة عن المسابقة، فهي حاضرة بقوة في فئات أخرى هي:"مسابقة الأفلام العربية"التي تتمتع وحدها دون المسابقات كلها بجائزة مالية يتطلع اليها السينمائيون العرب بشوق في أحيان كثيرة،"سينما العرب"،"مسابقة أفلام الديجتال الروائية الطويلة"، وپ"سينما لبنان". وتشارك في مسابقة الأفلام العربية ثمانية أفلام هي:"فلافل"من لبنان وپ"حنين"الامارات،"التلفزة جاية"تونس وپ"بين الوديان"تونس وپ"كيف الحال"السعودية وپ"البوم"عمان، وپ"اشواك القلب"المغرب، وپ"آخر الدنيا"مصر وپ"بركات"الجزائر، وكلها تتنافس على الجائزة المالية التي تبلغ 18 ألف دولار. أما عن فئة سينما العرب فنتابع فيلم"أفارقة فرنسيون"الذي لا يزال يحقق النجاحات في المهرجانات والعروض التجارية، اضافة الى فيلم"خشخاش"للمخرجة التونسية سلمى البكري، وفيلم"علاقات عامة"للمخرج السوري سمير ذكري وپ"خوانيطا بنت من طنجة"للمخرجة المغربية فريدة بن زيد، وپ"سيريانا"للمخرج الأميركي ستيفن غاهان، وپ"الأرض الجميلة"للمخرج علي سليم، وپ"انتظار"للمخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي وپ"صباح"للمخرجة ربي ندا، وعن فئة أفلام الديجتال يشارك فيلمان هما"ايتاكي"مصر وپ"الموجة البيضاء"المغرب. أما بانوراما السينما اللبنانية فتضم ثلاثة أفلام: هي"يوم آخر"،"البوسطة"وپ"زنار النار". وهكذا يقدم مهرجان القاهرة على مدى أسبوعين نحو 130 فيلماً من بلدان مختلفة، وإن كانت حصة الأسد من نصيب أميركا اللاتينية ضيف شرف المهرجان، ما يفتح للجمهور العربي نافذة كبيرة على ثقافات شعوب ودول تبعد بيننا وبينها الجغرافيا، لكن تجمعنا تقاليد وعادات واحدة. أياً يكن الأمر، في اروقة مهرجان القاهرة كلام كثير في"السينما"ونقاشات حول الصورة والإبداع الفني وندوات وثرثرات من هنا وهناك حول ندم جاكلين بيسيه على المجيء الى القاهرة بسبب فقدانها حقائبها في المطار ومحاولة تعرض جوديت فيللر اغاري صاحبة فيلم"لابرويستا"- يشارك في المهرجان عن فئة أفلام اميركا اللاتينية - للنهب عند وصولها ارض الفراعنة. لكن أيضاً أنظار أهل السينما وعشاقها في القاهرة شاخصة نحو مراكش التي تفتتح مهرجانها هذا المساء، ما يدفعنا مرة أخرى الى السؤال عن سبب التضارب في مواعيد المهرجانات العربية أو سبب عدم الوصول إلى حل لهذه المسألة، التي حلّت جنباً بين القاهرة ودبي الذي يفتتح دورته الثالثة مباشرة بعد نهاية المهرجان القاهري، من دون أن يشمل الاتفاق مراكش، كما يبدو. منافسة شرعية؟ ربما، لكن إعادة النظر واجب الفريقين.