لا ريب في أن الكلام على قيم مشتركة لا يدعو الى اغفال التنوع والكثرة التاريخيين اللذين يصبغان الحضارة الأوروبية بصبغتهما. ولعل السعي في فرض قوالب"متوسطة"ومفتعلة خطأ ينبغي ألا يرتكب، وعبث لا طائل تحته. وأنا حريص على التنبيه الى هذه المسألة: نحن لا نهمل تجربة البلدان الأخرى واختباراتها، ولكننا لا ننسى أن الدولة الروسية قائمة منذ ألف عام، وبيدها وفي وفاضها أشياء ومعانٍ تود مشاركتها واقتسامها مع الأفرقاء الأوروبيين. وفي مقدم الأشياء والمعاني هذه خبرة فريدة في الجوار وتبادل العطاء بين الطوائف الدينية والأقوام والثقافات المختلفة... وعلاقاتنا بشركائنا للأوروبيين لا تشكو ضعف التطور ولا قلة التماسك. وتعاوننا القطاعي يتسارع. وحوارنا في مسألتي القضاء والشؤون الداخلية يتوثق، وصلاتنا العلمية والثقافية والانسانية تتواتر. وتتنامى هذه السيرورات نمواً منسقاً ومنهجياً في اطار أربعة حقول مشتركة: الاقتصاد والحرية والأمن والقضاء، والأمن الخارجي، والبحث والتعليم ووجوههما الثقافية. ويتناول كلانا قضايا الأمن الدولي تناولاً سمته الاتفاق والالتقاء. فروسيا والاتحاد الأوروبي يدعوان الى تقوية الأنظمة العمومية، وفي مقدمها نظام حظر الانتشار النووي. وخلافاتنا التكتيكية لا تحول بيننا، كلينا، وبين التصميم على حل المشكلات الدولية العويصة، مثل قضية الشرق الأوسط أو"الملف النووي"الإيراني، حلاً منصفاً... ونحن لا نريد مداراة الحوادث الطارئة، في أثناء نسج تعاوننا مع الاتحاد الأوروبي، بل نتطلع الى الغد، وأنا على يقين من أن حوارنا لا يقتصر على معالجة المسائل"القطاعية"، من غير انكار مكانتها، مثل الحصص التجارية والتعرفات واجراءات محاربة المنافسة غير المشروعة. ومعايير السلع المصدرة التقنية، ولا أنكر الحاجة الماسة الى مناقشتها وحلها معاً. ولكنني أرى أن ما ينبغي أن يكون شاغلنا الأول هو ما يريد واحدنا أن تكون علاقته بالآخر في غضون العقود الآتية، وما في مستطاعنا أن نقدمه الى مواطنينا. ورأي روسيا في مستقبل المسارات الأوروبية واضح ولا لبس فيه. فالمسألة الجوهرية هي انشاء فضاء اقتصادي مشتركة وضمان حرية انتقال الأشخاص. وخطوات نوعية تؤدي الى ملاقاة بعضنا بعضاً مثل هذه تستجيب مصالح الأوساط الاقتصادية والثقافية والعلمية، وعلينا، على طريق بلوغ هذه الغايات، أن نمشي طويلاً، ونتغلب على مصاعب كثيرة، ولكن علامات الاستدلال الى الطريق واقعية. وبعض شركائنا في الاتحاد الأوروبي يشاطروننا نهجنا في تناول المسائل ومعالجتها.... ويحدوني الأمل في أن تقرب مناقشة الوثيقة التعاون الأساسية روسيا والاتحاد الأوروبي، ولا تباعد بيننا. وعلى هذا، ينبغي ألا تتحول المفاوضات الآتية تبادل مآخذ. ونحن، بديهة، لن يكون في مقدورنا فتح صفحة تعاون جديدة بيننا اذا كنا نخشى ارتباطنا بعلاقات متبادلة لشد واحدنا الى الآخر وتقيده به. ولا حاجة الى القول، على ما أرى، مرة أخرى أن مخاوف مثل هذه تناقض الأحوال السارية في القارة الأوروبية. وصعيد المسألة مختلف، فالذين يخشون الارتباط بروسيا بعلاقات مقيدة متبادلة يرون العلاقات بين روسيا والاتحاد الأوروبي على نحو منقوص وجزئي، وعلى مثال الأبيض والأسود. وهؤلاء يريدون الباس هذه العلاقات لباس"الصديق - العدو"البائد والخَلِق. وأنا أكرر قولي: ان قوالب بائتة وجامدة مثل هذه بعيدة من الحقيقة، ولكنها اذا ترسخت في الأذهان، وفي العمل السياسي، أنذرت بظهور حواجز فصل جديدة في أوروبا. عن فلاديمير بوتين رئيس اتحاد روسيا، "فايننشيل تايمز" البريطانية ، 22 /11 / 2006