الرواية الجديدة للروائي التونسي صلاح الدين بوجاه وعنوانها"سبع صبايا"دار الجنوب - تونس عمل آخر ينتظم في سياق أعمال أخرى تشكل المشروع الروائي للكاتب. وفي هذا العمل، كما في أعمال روائية أخرى له، يبتكر بوجاه من طرائق السرد ما يجعل لتجربته خصائصها... وأهم ما فيها - كما يرى الشاعر محمد الغزي في تقديمه هذا العمل - هو"تحويل النص السردي مختبراً كبيراً، وفعل الكتابة فعل بحث ونظر واستقصاء". وهو، في روايته الجديدة هذه، لم يعد يكتفي"بالانعطاف على العالم"ليجعل روايته"تحاكيه، أو تحاذيه أو توازيه... وانما باتت الرواية تنعطف على نفسها تتأمل أدواتها، وعلى العالم تروم اعادة تمثله وخلقه بعد تشويشه، وتصبو الى استرجاع تاريخها... مستعيدة أسطورة زهرة النرجس التي أدمنت النظر الى وجهها في الغدير غير عابئة بالعالم يضج بالحركة من حولها". هذا الكاتب الذي اختار أن يبني مشروعه الروائي على الحرص على التقاليد الروائية، من ناحية، وعلى التجريب من ناحية أخرى، يرى - متحدثاً لپ"الحياة"- ان مثل هذا التوجه"ضروري للكتّاب الراغبين في احداث اضافة عميقة في الرواية العربية". وعلى هذا فهو"عبر اللغة، والبنية الملحمية، وارتياد الأسطورة، ومعالجة السرد القديم"يتوق، في ما يدعوه"لعبة الرواية"، الى استشراف المستقبل، عاملاً على أن يفتح برواياته ما يسميه"أفق المغايرة". غايته من ذلك أن يكون مختلفاً حتى يجد"مكاناً، ولو صغيراً، على خارطة الرواية العربية". أما في تعامله، روائياً، مع الأسطورة فيقيم هذا التعامل على كون"الأسطورة ذات بنية لغوية"، وفي هذا يرى أنها"قائمة على سميولوجيا مماثلة تماماً لسميولوجيا اللغة"، وهو ما يدعوه الى القول بأن الأسطورة كما تتجلى في روايته الأخيرة"تندرج في سياق اللغة أولاً"- التي هي وجه من وجوه علاقته بالأساطير. أما علاقتها بالأسطورة، مبنىً ومعنىً، فتقوم على النظر الى الأسطورة في كونها تنطوي على"قيمة استثنائية في الأدب، وفي مجال الرواية على وجه الخصوص"ويكشف أن له، كاتباً، أساطيره الشخصية -"أي تلك التي تعيدني الى الطفولة وظروف الأسرة القريبة والبعيدة، الضيقة والواسعة، وأساطير الوطن التي حفظها لنا التاريخ والارث الشعبي". فضلاً عن"الأساطير المدونة"التي يعود غالبها الى كونه عربياً"يعيدنا الى رموز الكيانية العربية، القديمة والحديثة"، والتي نجدها موزعة في أصناف. فبعضها، أو"الكثير منها صوفي يرجعنا الى تجربة عميقة ذات أبعاد متشعبة، بعضها ديني - مؤسسي، وبعضها روحاني صرف، والكثير منها ابداعي يجمع بين التجربة الفنية والاختبار الوجودي". واذا كانت الروايات الأخرى للكاتب تعاملت مع الأسطورة... بكيفيات متفاوتة، فإن روايته الجديدة"سبع صبايا"- كما يشير الى ذلك -"تعمد الى خرافات الريف فتوظفها توظيفاً مباشراً، وهي تحف بفكرة الموت، وانبعاث أطياف القدامى، فضلاً عن التنافذ بعمق بين الانسان والحيوان والنبات". فإذا ما نظر الى الأسطورة والرمز الأسطوري في كونهما لا يتأتيان لذاتهما في العمل الإبداعي، وانما لا بد لهما من"واقع حقيقي"يشكل أرضية فعلية لحركة الأسطورة والرمز الأسطوري... فإنه يفهم العلاقة بين الأسطورة والواقع من خلال ما يتضمنه واقعنا من"عناصر شتى تدفعنا الى ارتياد مجال الأسطورة"، معيداً بعضاً منها الى ما هو سياسي، في حين يرى أن البعض الآخر"نفسي يعود الى مختلف ضروب الرقابات التي يمارس الواحد منا في باب الجنس والسياسة". وعلى هذا فهو يرى ان الواحد منا يلجأ"الى بنيات أسطورية تعبر عما يريد ويرغب فيه بكيفيات غير مباشرة". وهو اذ يرى الى الكاتب"كائناً متخيلاً"، يعلن، في الوقت ذاته، عن تبرمه من أن"يصرفه المجتمع عن هذه الوجهة"التي يجد انها من أعسر ما يواجهه الكاتب"من ضغط يقضي على استيهاماته". وفي هذا الجانب، تتجلى"حداثته كاتباً"، الحداثة التي يعمل على أن يسبغ عليها سماته - ويصفها بالسمات اللامبالية التي"لا تبحث عن فكرة، أو موقف، أو رسالة سامية تريد تبليغها"، وانما هي صادرة عنه، وهو مرجعها... وهو كما يجب أن يقدم نفسه في اطار مشروعه هذا -"كائن مغاير"، مؤكداً، في السياق ذاته، أن أعماله الإبداعية"تجزم بهذا، وتهتف به"يكتب. وان كل ما يريده هو أن يكتب: أن"أكتب وأواصل الكتابة".