كنت أشاهد مسرحية فروست - نيكسون في لندن الأسبوع الماضي وأفكر في جورج بوش الابن. المسرحية التي كتبها بيتر مورغان، وهذا صاحب أعمال مسرحية وسينمائية ناجحة، تحكي قصة مقابلة اجراها ديفيد فروست مع الرئيس نيكسون، وطالت اكثر من اربع ساعات وبثت على شكل أربع حلقات سجلت أكبر عدد مشاهدين في تاريخ البرامج السياسية في العالم. الخلفية معروفة فريتشارد نيكسون فاز بالرئاسة سنة 1968 ودخل البيت الأبيض في 21/1/1969 وأعيد انتخابه في 7/11/1972 بغالبية ساحقة. وبين التاريخين ضُبط مسؤولون في البيت الأبيض في 17/7/1972 وهم يحاولون وضع آلات تنصت في مكتب اللجنة الديموقراطية الوطنية في مبنى ووترغيت. وسقط نيكسون في محاولة التعتيم على السطو، وعرقلة التحقيق، وأوصت اللجنة القانونية في مجلس النواب بعزله في 22/7/1974، واستقال في 8/8/1974، ليصبح أول رئيس أميركي حتى الآن يستقيل من المنصب. ديفيد فروست أصبح يعمل الآن مع تلفزيون"الجزيرة"باللغة الانكليزية، غير أن لي تجربة. معه فهو زار بيروت سنة 1972، على ما أذكر، وأنا رئيس تحرير"الديلي ستار"وطلب مني أن اساعده في انتاج برنامج تلفزيوني عن الفلسطينيين وقضيتهم لإبراز عدالتها والجانب الانساني فيها. كانت أيام عزوبة وشباب، وكنت عدت الى الجامعة على رغم عملي لأحضّر رسالة ماجستير في الأدب العربي باشراف استاذي احسان عباس، رحمه الله. وجمعت لفريق فروست أجمل البنات الفلسطينيات من الطالبات في الجامعات اللبنانية. وكان بينهن أم البنين في المستقبل، وجرى التسجيل في قاعة كبيرة لمدرسة في الحازمية، وسار كل شيء على ما يرام. بعد أشهر اتصل بي صديق من الولاياتالمتحدة وقال إنه شاهد برنامج ديفيد فروست عن"ايلول الأسود". وسألته مستغرباً: ايلول الأسود؟ وفهمت بعد ذلك ان البرنامج سأل الجامعيات الفلسطينيات وآخرين عشرات الاسئلة عن القضية، قبل أن يختار للنشر السؤال الوحيد عن ايلول الأسود، فقد كان البرنامج عن الجماعة التي برزت بعد طرد المنظمات الفلسطينية من الأردن في ايلول سبتمبر 1970 واغتالت رئيس الوزراء الاردني وصفي التل في القاهرة بعد ذلك انتقاماً. كان ذلك البرنامج سبباً لزمت معه الحذر الشديد في عملي الصحافي حتى اليوم. بعد 34 سنة من تلك التجربة وجدت نفسي أمام فروست في مسرحية، وفكرت أن ريتشارد نيكسون كان سيستفيد لو استشارني لأنني كنت سأحذره، وفروست لم يرتكب خطأ في بيروت، وإنما مارس حيلة صحافية، ولم ينشر إلا ما قال المشاركون فعلاً، وهو يكفي. الحلقات الثلاث الأولى سارت كما يريد ريتشارد نيكسون، لا فروست، فالرئيس داهية وسياسي محنك. غير أنني كنت أرى الممثل الأميركي فرانك لانغيلا يلعب دور الرئيس السابع والثلاثين وأنا أفكر في الرئيس الثالث والاربعين. أذكر من نيكسون عبارة حفظت له هي"أنا لست نصاباً". وفي المقابلات مع فروست يقول:"اذا عمل الرئيس شيئاً فهو ليس غير شرعي". وهذا موقف جورج بوش الابن، وللأسباب نفسها، من تنصت على الناس، واعتداء على حقوقهم المدنية بحجة الأمن القومي. اليوم بوش يتذرع بالأمن القومي لشن حروب امبريالية، ويسلب الأميركيين حقوقهم، وأنا أصر على أنه يخالف القانونين الأميركي والدولي، مع انني لا أنتظر توصية بعزله، أو باستقالته ومحاكمته. نيسكون قال عن وضعه إن"اذا أقر الرئيس أمراً من أجل الأمن القومي، أو كما في هذه الحالة، من أجل السلام الداخلي، فقرار الرئيس يساعد على التنفيذ من دون مخالفة القانون". وهو توكأ في المقابلة على كلام للرئيس لنكولن الذي قال"الأعمال التي ستكون في وضع آخر غير دستورية، قد تصبح مشروعة اذا اتخذت لصيانة الدستور والأمة". طبعاً لنكولن تحدث عن الحرب الأهلية والبلاد تواجه خطر الانهيار، أما نيكسون فكان يبرر تجسسه على الناس، في حين أن جورج بوش شن حرباً لأسباب ملفقة على العراق فدمره وقتل مئات الألوف من أهله، وفي حالتي نيكسون وبوش من دون أي خطر على الولاياتالمتحدة. ديفيد فروست أوقع نيكسون في الحلقة الأخيرة فهو واجهه بنصوص تسجيلات اكتشفها جيمس ريستون، كاتب سيرة الرئيس، تثبت أنه كان يعرف بالسطو في ووترغيت، وأنه حاول كتم السطو وعرقلة التحقيق التالي. الممثل فرانك لانغيلا لعب دور نيكسون بنجاح كبير، خصوصاً في المشهد الأخير بعد أن أوقعه فروست في كمين، فقد بدا مرتبكاً متألماً محتاراً، وكل خلجة في وجهه تكاد تكون اعترافاً بالذنب، وأظهر استطلاع للرأي العام بعد بث المقابلة أن ثلثي الأميركيين يعتقدون بأن نيكسون مذنب، وأنه كذب في المقابلة. لا أدري كيف سيكون مصير جورج بوش، إلا أنني أصر على أن"جريمته"أكبر من أي شيء ارتكبه نيكسون. وقد قرأت أخيراً أن بوش عاد الى معاقرة الخمرة بعد الانتخابات النصفية، إلا أنني لا أصدق ذلك، فقد قرأت شيئاً مماثلاً بعد الفشل في اصلاح ما خرّب اعصار نيو أورلينز. العدد الحالي من مجلة"فانتي فير"يضم مقالاً كتبه غريدون كارتر، لا يقول في شكل مباشر إن جورج بوش عاد الى الخمرة التي أقلع عن شربها عندما بلغ الاربعين، ولكن يقول ان بوش قد يبرر في سنة 2008 فشله بالقول إنه كان مخموراً عندما فعل ما فعل بغزو العراق، بعد أن يظهر في برنامج"60 دقيقة"أو ما يعادل مقابلة نيكسون مع فروست.