مجموعة الكاتب الفلسطيني محمود شقير القصصية "احتمالات طفيفة"، اشبه بفيلم سينمائي يتمحور حول موضوع واحد هو حب الحبيبة الواحدة وتتفرع منه مواضيع جانبية. القصص تحية الى الكاتب سرفانتس وبطله دون كيخوته، الذي عشق دولثينيا من دون التفات الى غيرها. هذه العلاقة الطويلة التي يفرضها الزواج، تحسها محور القصص، وكأن المؤلف يقول ان الحياة مسرحية. ولا عجب في ان بعض المشاهد بين الحبيبين، يكون فيها احدهما ممثلاً قديراً او يستحق ان يكون كذلك. التجاذب بين زوجين سلباً او ايجاباً، لحظات اللقاء النفسي والخيبة، اهتم بها المؤلف وصاغها مشاهد، ولكنها تبدو مشاهد بطيئة تتمطى، قد لا تشد قارئها الى المتابعة. تداخلت اخبار قصة دون كيخوته بمسحة خفيفة في حياة زوجين، لذلك ربما كان عنوان"احتمالات طفيفة"المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2006. تخيل المؤلف اشخاصاً يحملون سمات اكثر من عصر وتنقل أبطاله في أطر مختلقة ومتخيلة يصعب ان تكون حقيقية، الا في مغزاها. المؤلف لعب لعبة الخيال والواقع، في حياة مديدة، يفترض ان تتوحد فيها بإنسان اخترته. بمثل مشاهد الموضوع الرئيسي، تتتابع مشاهد المواضيع الجانبية، التي تتغير بحسب المكان والبلد. فاذا بمشهد من هنا يكمل مشهداً يخص احدى الشخصيات، سبق ان تعرفنا اليها. ويذكر ذلك بمحاكاة لقطات الكاميرا. والقصص كلها تسير في هذا القالب، في رحلة من اسبانيا الى روسيا قبل العودة الى فلسطين. رحلة لا تخلو من سخرية، وعبثية وسوريالية. يحصل فيها الكلام احياناً من طريق التخمين الباطني والخاطرة. قال لنفسه:"اعتقد انها ممثلة وانني رأيتها على الشاشة". قالت لنفسها:"اعتقد انه عازف في فرقة غجرية وانني رأيته على مسرح المدينة...". هكذا تصبح المواقف المتضمنة بين دفتي الكتاب، لقطات حياة يومية، فيها الكثير من المصادفة، التي يحاول المؤلف تحليلها او نقلها، برتابتها، والاحتمالات التي توحي بها، ولكن كله عبث. يستذكر المؤلف أدباءه المفضلين في سياق سرده، مما يضفي سوريالية طريفة على القصص، كقصة"كلب"التي ينتظر فيها الجندي مرور"سيدة ومعها كلبها"او تلخيص الحالة الفلسطينية بجملة من قصة الكاتب اميل حبيبي، ومتشائله وهي:"فاذا اصابني مكروه في يومي أحمده على ان الاكراه منه لم يقع". ليتماهى الكاتب في أرضه بذلك البطل الذي تصعب الحياة هناك بغير طريقته. تلك القصة - الخاطرة باتت شائعة في القصة القصيرة ولكن غالباً ما لا تشد الانتباه مطولاً. تبقى في ذهن القارئ بضع لمحات او خاطرة وجدانية تركت اثرها في نفسه، لأن عملية الانتقال السريع بين تلك القصص القصيرة جداً، تجعل القارئ يحس بأنه ينظر الى ألبوم صور او يشاهد فيديو كليب. فلا يستغرق في قراءة متأنية. وهذا سيف ذو حدين. قد يعجبه اقتصار القصة على المشهد القصير مرة، وقد يشعر بعد قصص متعددة بأن القراءة"تتسرب"من بين تلك المشاهد القصيرة جداً، وان انتقاله بينها، بمواضيعها المتعددة، يتركه غير ممتلئ مما قرأ. ثم ان تكرار قصص وصفية صرفة، لا تحمل دلالات سردية، يضع القارئ بين حالتين متوازيتين، حالة القص الصريح الذي يروي وحالة المشهد من دون خبر في قصص اخرى، ويتركه حائراً بينهما. القصة القصيرة تدخل القولبة والبعثرة واعادة التشكيل وتشابه المشهدية التصويرية. والعلاقة بين القارئ والكاتب تشبه التجاذب بين الرجل والمرأة، كما في كل علاقة متبادلة، بسبب ما يريد المؤلف ايصاله وما ينتظره منه القارئ. لذلك يصعب تصور احتمالات ولو"طفيفة"لنتيجة الأخذ والرد. كان يمكن الاستغناء عن بعض قصص المجموعة، بما يقلل الوقفات المشهدية ليغلب عليها الصفة السردية وتبقى للقارئ حدود يستنتج من خلالها المغزى القصصي. ولكن المؤلف الذي فضل الايحاء في الأمور، وهو بارع فيه، أطال حيث كان يمكن الاختصار قصص انيشكا والجندي.