بين أضلاعنا تقطن عضلة صغيرة بحجم قبضة اليد هي أغلى ما نملك لأنها المحرك الأساس الذي تدخل خفقاته على وجود الحياة. انها القلب. يعمل القلب من دون كلل ولا ملل، ليدفع في كل دقيقة بخمسة ليترات من الدم الى مختلف انحاء الجسم، أي ما يعادل 7000 ليتر يومياً، وكي يحقق هذا لا بد له من أن ينبض وسطياً 70 مرة في الدقيقة، أي ما يقارب المئة ألف نبضة في اليوم الواحد. ان قياس نبض القلب من القرائن المهمة التي يلجأ اليها الطبيب أثناء فحصه المريض. ومنذ بدايات تشكل الجنين في رحم أمه يبدأ القلب بالهدر لاسماع صوته، إلا أن ايقاعه يتبدل وفقاً لما يمر به الشخص من أفراح وأتراح وضغوط الحياة اليومية ومشكلات صحية قلبية أو غير قلبية. يبدأ النبض الطبيعي للقلب بإشارة كهربائية تنطلق من مركز عصبي - عضلي في جدار الأذين الأيمن، ومن بعدها تنتشر هذه الاشارة بسرعة البرق الى الاذينين فيتقلصان من أجل دفع الدم منهما في اتجاه البطينين، ومن ثم تنتقل الاشارة الكهربائية الى مُستقبِلْ صغير جداً يقع على الحدود الفاصلة ما بين الاذينين والبطينين فتكون النتيجة أن ينقبض هذان الأخيران لقذف الدم الى خارج القلب. إن نبض القلب قد يتعرض لاضطرابات شتى قد تكون حميدة لا خطر منها ولا ضرر، أو على العكس قد تكون خطيرة جداً تهدد حياة المريض. وفي ما يأتي نعرض أهم اضطرابات النبض الشائعة: الخفقان وهو عارض شائع لا يوجد انسان إلا وعانى منه ولو لمرة واحدة في حياته. والخفقان عبارة عن شعور غير طبيعي بضربات القلب، أو الاحساس بوجود دقات قلب سريعة وقوية. والخفقان قد يكون متقطعاً، سببه هجمة تستغرق برهة من الزمن، وقد تحدث الهجمة على حين غرة أو تدريجاً، كما انها قد تنتهي فجأة أو بالتدريج. ويحدث الخفقان عادة بعد القيام بجهد عنيف، أو اثر التعرض لإنفعالات شديدة، أو بعد خوف طارئ، أو عند رؤية العاشق لمعشوقته، أو المعشوقة لعشيقها. لكن الخفقان قد يحدث لأشخاص هادئين وفي راحة تامة، إذ ان القلب يدق قبل موعده، وتعقب ذلك فترة قصيرة من السكون يخال فيها المرء أن القلب سكت نهائياً، غير انه لا يلبث أن يعاود الضرب من جديد، وقتها يشعر المريض برفة في صدره، وهو شعور مماثل لشخص يهبط فيه المصعد فجأة، أو لآخر سقط من مكان عال. والخفقان شائع بين الشبان والفتيات، خصوصاً النزقين والعصبيين والمكثرين من شرب المنبهات، كالقهوة والشاي والكوكاكولا وأمثالها، وأيضاً عند شاربي الكحول والمدخنين. وقد ينتج الخفقان عن أسباب لا علاقة لها بالقلب، مثل مرض في الغدة الدرقية، والتوترات النفسية، ونقص سكر الدم، وأورام الغدة الكظرية وبعض الأورام الخبيثة. وقد يكون الخفقان ناتجاً عن افراز كميات كبيرة من هرمون الغضب الادرينالين. تسرّع القلب عندما تزداد دقات القلب وتتجاوز 80 ضربة في الدقيقة الواحدة يقال أن صاحبها مصاب بتسرع في القلب، والأسباب المؤدية الى هذا التسرع متعددة ومتنوعة، منها القلبية وغير القلبية. ومن بين الأسباب غير القلبية: التعب والجهد، والرياضة، والقلق، والتوتر العصبي، وارتفاع حرارة الجسم، وفقر الدم، والجفاف، وانخفاض ضغط الدم، والصمامة الرئوية، وفرط نشاط الغدة الدرقية، وفرط نشاط الغدة فوق الكلية. أما الاسباب القلبية للتسرع فمن أهمها: قصور العضلة القلبية، ونقص التروية القلبي، والخلل الطارئ في انتظام دقات القلب. إن التسرع في ضربات القلب قد يؤدي أحياناً الى حرمان الجسم من الحصول على احتياجاته الكافية من الغذاء والاوكسجين، ولهذا فإنه لا يعمل جيداً، وبالتالي لا غرابة أن يعاني المرء من الاغماءات المتكررة، وربما من فقدان الوعي، والدوخة، والعمى الموقت. تباطؤ القلب إذا وصلت ضربات القلب الى الستين دقة في الدقيقة، فعندها يقال أن الشخص يعاني من تباطؤ في القلب، وهذا الرقم قد يدور أحياناً في فلك الثلاثين عند بعض الرياضيين، كالعدائين وراكبي الدراجات، وفي هذه الحال يعتبر القلب طبيعياً ولا غبار عليه. غير أن تباطؤ ضربات القلب قد يكون اشارة الى خلل ما وقع في الشبكة الكهربائية للقلب، أو نتيجة الاصابة بنقص نشاط الغدة الدرقية، أو عقب حوادث التسمم الدوائي، أو بعد الغشي فقدان الوعي بتنبيه العصب المبهم، فهذا الأخير يترافق مع مجموعة من العوارض اضافة الى تباطؤ النبض، مثل التثاؤب، وحس الارتخاء والضعف العام، وسرعة التنفس، والتعرق، والغثيان والتقيؤ، وأوجاع في البطن والاسهالات وغياب الوعي. يبقى بعض المعلومات المهمة المتعلقة بضربات القلب: 1- خلصت دراسة حديثة نشرت أخيراً الى أن ابطاء القلب اثناء فترات الاستراحة يسهم في الحد من خطر الوفاة الناجم عنه لاحقاً. الدراسة اشرف عليها الطبيب الفرنسي كزافييه جوفان من مستشفى جورج بومبيدو الأوروبي في باريس، وشملت أكثر من 4000 شخص تمت متابعتهم لفترة تجاوزت العشرين عاماً، وبعد الأخذ في الاعتبار عوامل الخطر مثل الوزن، والضغط والتدخين، اضافة الى وتيرة ضربات القلب، خلص الباحثون الى ان الاشخاص الذين تمكنوا خلال عدم قيامهم بأي مجهود، من خفض دقات قلوبهم بمعدل 7 ضربات في الدقيقة على مدى خمس سنوات، كانت نسبة الوفاة بينهم أقل بعشرين في المئة مقارنة بالآخرين الذين بقيت نبضات قلوبهم على حالها. في المقابل فإن زيادة دقات القلب أدت الى ارتفاع خطر الوفاة بنسبة 50 في المئة. 2- إن ممارسة الرياضة المنتظمة والمستمرة لها أطيب الأثر في خفض وتيرة ضربات القلب اثناء فترات الراحة. وعلى كل من يرغب في البدء بالرياضة، أن يباشر بها تدريجاً وأن يحذر كل الحذر من الشروع فيها فجأة، وحبذا لو تمت استشارة الطبيب للاطمئنان الى صحة القلب. 3- هناك ملايين الاشخاص الذين يتملكهم الفزع بسبب خفقان القلب، أو سرعة ضرباته، أو تباطئه، لكن يجب أخذ العلم ان هذه العوارض تحدث لأصحاب القلوب السليمة أكثر من أصحاب القلوب المريضة. 4- يظن كثيرون، ان القلب يعمل ليلاً نهاراً من دون راحة، والواقع ان هذه فكرة مغلوطة، فعضلة القلب تستريح أيضاً، فبعد كل انقباضة لها تمر هذه بفترة استراحة قصيرة جداً. 5- ان معدل ضربات القلب أسرع في مرحلة الطفولة، وبعد هذه المرحلة يقل ليصبح ثابتاً في مقتبل العمر والشباب، وهذا المعدل ليس واحداً لدى الجميع بل يختلف باختلاف القلوب. 6- إن جس النبض بانتظام لا يقل أهمية عن قياس ضغط الدم وهو مؤشر جيد للوضع الصحي للشخص ولذا يجب عدم اغفاله.