أقر الكونغرس الأميركي تشييد جدار طوله 1200 كلم، وتبلغ تكلفته 7 بلايين دولار. وتعول الإدارة الأميركية على الجدار هذا في سبيل الحؤول دون الهجرة غير الشرعية بين الدولتين الكبيرتين والجارتين. ويبدو لي الجدار هذا أقرب الى الخيال منه الى الحقيقة والواقع. فهو، على وجه الدقة، ثمرة انتقال عدوى الخيال الى الواقع. والحق أن أحداً لا يشك في ان الجدار لن يشيد. وإذا كذب الظن وشيد، فهو من غير جدوى، ولا طائل منه. فلم، والحال هذه، الإخراج المسرحي الذي يحف المشروع ويظلله؟ السبب هو انتخابات 7 تشرين الثاني نوفمبر النصفية، فلا باس إذا لوح أعضاء الكونغرس لناخبيهم باستمالتهم في المحاماة عنهم من الشياطين الأجانب والخطرين، سارقي الأعمال والوظائف وأموال الضمان الاجتماعي، على ما تزعم الخرافة - الرائجة. وجدر الأكاذيب هذا يحاذي أربع ولايات هي كاليفورنيا وأريزونا والمكسيك الجديد وتكساس. وهو من صفين من الحواجز. ويعلوه نظام من المرايا والرادارات، ويقطعه عدد كبير من البوابات والمخافر. وترمي هذه كلها الى قطع دابر اجتيازه وتخطيه. ولكن الپ1200 كلم المشيدة تترك من غير حاجز 2000 كلم حرة ولا رقيب عليها ولا حسيب. فإذا شاء المهاجرون المكسيكيون القادمون من جنوب القارة أو وسطها، اجتياز الحدود، ودخول أراضي أميركا الشمالية الإقليمية، وسعها ذلك من غير عسر. وما عليهم إلا الالتفاف على الجدار. وعلى الجدار ان ينحرف عن عدد كبير من المعوقات الطبيعية والاقتصادية. وعليه، أعلن رؤساء بلديات من الولايات الأربع، وحكام هذه الولايات، عزمهم على المطالبة بنقل اعتمادات أعمال أبنية الجدار التحتية الى أبواب اخرى مثل الطرق والمدارس والخدمات العامة. وتهدد جماعات بلدية بمقاضاة الدولة على مخطط الجدار الذي يجتاز أراضيها ومراعيها. وتعزم جماعات اخرى على طلب تعديل المخطط. وإلى هؤلاء، انضمت منظمات بيئية قوية، وأنذرت أصحاب المخطط باللجوء الى المعوقات المدنية والقضائية والسياسية في سبيل حظر بناء هذا النصب المارق والملوث. واستبق المشرعون بعض الاحتجاجات، فضمنوا قانونهم مواد تنص على تخصيص الطرق بجزء من النفقات. وإذا لم تفلح المعوقات هذه في شل الجدار وتشييده، فهو لن يقيه دخول المهاجرين الى الولاياتالمتحدة. وحمل المهاجرين"الإسبانيين"من بلدان جنوب القارة التي يتكلم سكانها الإسبانية على العالة والخسارة تكذبه الوقائع. وحسبان ان المهاجرين هؤلاء حين يرسلون الى اهاليهم وبلدانهم 45 ألف مليون دولار 45 بليوناً، على ما صنعوا العام الفائت، أي 60 في المئة فوق ما أرسلوا قبل عامين في 2003، إنما ينزفون البلد الذي يستضيفهم، ينم الحسبان هذا بجهل مطبق. فهم إنما يرسلون ربع أو خمس ما ينتجون. وعلى هذا، فهم أسهموا في زيادة العائد الإجمالي الأميركي 200 ألف الى 250 ألف مليون دولار. وهو سهم عظيم. ولم يزد عددهم نسبة البطالة، ولم يرفعها، فهي بلغت 4.5 في المئة من جملة اليد العاملة. وهي نسبة تكاد تكون تاريخية الانخفاض. وعلى شاكلة ايميريتا، الغواتيمالية التي تتولى بواشنطن نظافة الشقة التي تنزلها، عائلتي وأنا، لقاء 80 دولاراً كل مرة، وتتولى هذا العمل أربع مرات في اليوم الواحد، ويبلغ أجرها وزوجها البستاني 8 آلاف دولار في الشهر - يجتاز عشرات الآلاف من بلدان اميركا اللاتينية الحدود من طرق غير معهودة ولا مظنونة. وهم يأتون تحدوهم آمال كبيرة في تحسين عوائدهم، وفي آفاق واسعة تخرجهم من انطوائهم وانكفائهم. ولا يخيب أملهم. فهم يستقبلون على الرحب والسعة. ويتولون أعمالاً لا يرغب الأميركيون فيها مثل نظافة البيوت، والسهر على المرضى، والحراسات على أنواعها، والحصاد والقطاف تحت شمس حارقة. ويضطلعون في المصانع وپ"أسواق"التجارة الأعمال البدائية. ولا شك في ضآلة أجورهم قياساً على الأجور الأميركية. وقياساً على الأجور في بلدانهم تبدو لهم أجورهم القليلة ثروة، وهي تعود عليهم، وعلى بلدانهم، بما تعود به الثروات فعلاً. فإيميريتا وزوجها اشتريا شقة بواشنطن، وبيتاً فسيحاً في البلدة التي تركاها الى العاصمة الأميركية. ولعل خير باب استثمار تستثمر فيها البلايين السبعة الموقوفة على الجدار الكاذب والمزمع هو انشاء الأعمال والوظائف الى الجهة الأخرى،"الإسبانية"او المكسيكية، من الجدار. والاستثمار هذا ييسر إنتاج السلع الأميركية الجنوبية، في بلدانها نفسها، وييسر تسويقها. عن ماريو فارغاس يوسا روائي من البيرو، "لونوفيل ابسرفاتور" الفرنسية، 2 -8 / 11 / 2006