منذ بروز أزمة الملف النووي الإيراني وقبلها، والقادة الإيرانيون وعلى رأسهم المرشد الإيراني علي خامنئي يؤكدون التقارب بين طهران وجيرانها إخوانهم في الخليج العربي، وهذه نيات طيبة يجب أخذها في الاعتبار. وفي الملف الإيراني - الإماراتي فإن إيران الدولة المسلمة، تحتل جزر الإمارات العربية أبو موسى، طنب الكبرى، طنب الصغرى التي تقع على بوابة مضيق هرمز في الخليج العربي، ولا تريد إرجاع الحق لصاحب الحق، ومع هذا فإن خامنئي بمناسبة الذكرى ال17 لرحيل الخميني قال:"إننا لم نهدد أياً من جيراننا"! وفي الثاني من تشرين الثاني نوفمبر الجاري عندما أطلقت إيران مناورتها العسكرية في مياه الخليج وبحر عمان رداً على المناورات العسكرية الأميركية في المياه ذاتها، قال قائد الحرس الثوري الإيراني الجنرال صفوي:"إن ايران ليست لديها رغبة في تشكيل تهديد للدول المجاورة"! وتصريح خامنئي وصفوي موجّه إلى الدول المطلة على الخليج العربي! دول الجوار ومنها الإمارات التي تحتل إيران جزرها الثلاث بالقوة! وإذا كانت إيران كما جاء على لسان مرشدها وقائد الحرس الثوري حقاً مهتمة بأمن واستقرار الخليج العربي ولا تهدد جيرانها، فعليها إعادة الجزء الإماراتية إلى أصحابها. في عهد الشاه شرطي الخليج آنذاك احتلت إيران الجزر، وكان ذلك في 30 تشرين الثاني نوفمبر عام 1971، مستغلة انسحاب المستعمر البريطاني وإعلان استقلال الإمارات، متناسية أن التاريخ يؤكد أن الجزر عربية، وأن غالبية سكانها عرب ينحدرون من القبائل العربية، وأن المستعمر البريطاني عندما فرض حمايته على إمارات الخليج العربي أقر بأن الجزر تابعة لتلك الإمارات، فجزيرة أبو موسى كان يقطنها قبل احتلالها حوالي 1500 نسمة من العرب، وفيها مسجد وقصر لنائب حاكم الشارقة ومدرسة ابتدائية تتبع للشارقة، وطنب الكبرى تابعة لإمارة رأس الخيمة، وسكانها حوالي 700 نسمة، وفيها مدرستان ومنارة لإرشاد السفن، وطنب الصغرى هي الأخرى تتبع إمارة رأس الخيمة. هذه الجزر الإماراتية الثلاث كانت السيادة والسيطرة الفعلية عليها لتلك الإمارات. إن طهران ليس من حقها ادعاء السيادة على هذه الجزر، فقد احتلتها بالقوة، وهذا لا يحقق الحيازة - بحسب القانون الدولي - والتي لا بد أن يتوافر لها أن تكون هادئة ومستقرة ومتصلة... إلخ، ناهيك أن إيران قبل الاحتلال لم يكن لها وجود قديم يُحدث حتى أثراً تاريخياً في هذه الجزر العربية التي تؤكد الوثائق والتصريحات البريطانية عروبتَها، وأن جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى تابعتان لإمارة رأس الخيمة، وجزيرة أبو موسى تابعة لإمارة الشارقة. لكن الإيرانيين لا في عهد الشاه ولا في عهد الجمهورية الإسلامية اعترفوا بسيادة الإمارات على الجزر، ضاربين بالتاريخ والقانون الدولي، بل وحق الجوار عُرْض الحائط، مصرين على الاحتلال البشع، طمعاً في الاستراتيجية والثروة! فالجزر الثلاث لا تقل أهمية موقعها الاستراتيجي عن موقع جزيرة هرمز التي تطل على ساحل المضيق، وبالنسبة الى الثروة فإن النفط قد ثبت وجوده في جزيرة أبو موسى وطنب الكبرى، ولأن الموقع الاستراتيجي والنفط أصبحا في هذا العصر مثل رائحة الدم بالنسبة الى سمك القرش فقد التهمت إيران الجزر الثلاث. إن المحاولات العديدة لحل هذه الأزمة الشائكة بين الإماراتوإيران منذ اندلاعها في سنة 1971، لم تثنِ ايران عن الاحتلال، فعلى سبيل المثال عقد مجلس الأمن جلسة خاصة في 9 كانون الأول ديسمبر 1971، للنظر في قضية الاحتلال الإيراني للجزر العربية الثلاث، باعتباره عدواناً منافياً لميثاق الأممالمتحدة والقانون الدولي وحق الجوار، لكن الفشل كان حليف تلك الجلسة، وفي الدورتين ال47 وال48 للجمعية العامة للأمم المتحدة عامي 1992 و1993 تطرقت كلمات بعض الوفود العربية والأجنبية الى احتلال إيران للجزر الثلاث، وقد ظلت الجامعة العربية منذ الاحتلال تؤكد عروبة الجزر العربية، وتؤكد وقوفها إلى جانب الإمارات، لرد حقها المغتصب. كما أن مجلس التعاون الخليجي ظل يؤكد في دوراته على عروبة جزر الإمارات وسيادتها عليها، مديناً كل الإجراءات التي تتخذها إيران في الجزر الثلاث، مؤكداً دعمه للإمارات، من اجل عودة تبعية الجزر المغتصبة إليها. وبالمثل فإن المفاوضات المباشرة بين أبوظبيوطهران في أواخر أيلول سبتمبر 1992، لم توصل الطرفين إلى حل ينزع فتيل الأزمة، أمام الرفض الإيراني المتعنت لإنهاء الاحتلال أو حتى مجرد مناقشته! إذاً، التجارب العديدة بين 1971 - 2006 أكدت انكسار كل المحاولات التي قامت بها الإمارات والمنظمات الإقليمية والدولية لحل الأزمة على صخرة العناد الإيراني، هذا العناد الصلب نقرأه في قول منظّر الجمهورية الإيرانية رئيسها الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني الذي قال:"إن الإمارات ستعبُر بحراً من الدماء للوصول إلى الجزر". ماذا بقي للجوار والنيات الحسنة والأخوّة في الإسلام؟ والعجب العجاب أن إيران بعد هذا كله جاءت تطلب دعم العرب والمسلمين لها في قضية ملفها النووي. وحتى كتابة هذه السطور تتمسك الإمارات بالوصول إلى حل سلمي، على رغم رفض إيران الغاضب لهذا الحل، ولم تترك أبوظبي باباً إلا وطرقته، لتصل الى هذا الحل، ولكن ما أن ينفتح باب للحل السلمي حتى تغلقه ايران، مستخدمةً لغة القوة و"التعالي"على الجار المسلم. وقد بلغ"نفور"ايران من الحل السلمي حد الطلب من أصحاب الحق التوقف عن إثارة أية مطالب إقليمية في المحافل الدولية! إن طهران بموقفها المتعنت هذا تلوي ذراع الشرعية الدولية والقانون الدولي، قانون السلم ومبادئ العدل والسلم الدوليين، وتنسف ميثاق الأممالمتحدة، وهي عضو في المنظمة، ذلك الميثاق الذي يحرّم استخدام القوة لاحتلال أراضي الغير. لكن إذا قامت أميركا وأوروبا ولم تقعدا بسبب ملف إيران النووي الذي تتشابه وجهة النظر الروسية والصينية بشأنه حول عدم فرض عقوبات صارمة على طهران، واذا كانت قضية كوريا الشمالية بعد تفجيرها النووي قد اتسمت بالهدوء والعودة الى المفاوضات السداسية، على رغم الاحتجاجات الأميركية والغربية، كما نامت أميركا ومعها الغرب والشرق عن قوة إسرائيل النووية الضاربة، فلماذا لا تصحو هذه الدول الكبرى لدعم دولة الإمارات لحل قضية أعلنت الإمارات مراراً وتكراراً استعدادها ومن دون شروط للاحتكام بشأنها إلى محكمة العدل الدولية لتسوية النزاع، فهي المحكمة الدولية المنوط بها حل النزاعات بين الدول. إذا كانت هذه الدول الكبرى بقي لديها شيء من ضمير، وهي التي تدّعي أنها ستثني إيران عن تخصيب اليورانيوم، وأشك أنها ستفعل بعد أن رفض الإيرانيون العروض الاميركية والاوروبية، فلماذا لا تقف هذه الدول مع الإمارات لحل النزاع بالتحكيم، فالقضاء الدولي سيقف الى جانب الدولة التي تملك الوثائق والمستندات القانونية والتاريخية التي تثبت أن السيادة كانت بيد الإمارات حتى الاحتلال الإيراني للجزر. بهذا تكون الدول المتحفزة"للجم"إيران قد ضربت عصفورين بحجر واحد، السعي لحل أزمة شائكة تهدد أمن الخليج الذي لم يعرف الاستقرار منذ عام 1979، وضمان تقاسم السيطرة على المضيق المؤثر نفطياً واستراتيجياً بين إيرانوالإمارات صاحبة الجزر، وبهذا ضمان لأمن تدفق النفط عبر هذا المضيق الاستراتيجي الذي تقع الجزر عند مدخله في الخليج العربي ومن يسيطر عليه تصبح له اليد الطولى على إمدادات النفط في منطقة تسبح فوق محيط من النفط يعوّل عليه العالم في إمداداته، ومن دون هذا النفط سيواجه العالم عطشاً نفطياً ليس بعده عطش. * مفكر سعودي - رئيس مركز الخليج العربي لدراسات واستشارات الطاقة.