هل تؤمن بالصداقة بين الشاب والفتاة؟ قد يبدو السؤال"سخيفاً"للوهلة الاولى لكنه في الواقع يعترض الكثير من الشباب والشابات، فيتناقشون فيه سراً أو علناً في جلساتهم ومع أساتذتهم وحتى مع أوليائهم لمن يحظى منهم بجو ديموقراطي داخل المنزل. واللافت أن السؤال لا يقتصر على شريحة المراهقين فقط كما قد يتصور البعض، بل يكاد يكون أول الأسئلة التي ترد في خيال أي شاب أو فتاة بمجرد الاختلاط في الجامعات او مواقع العمل حتى انه يطارد البعض بعد الزواج لا سيما ان قصص حب كثيرة تنتهي فجأة بالانفصال بسبب هاجس اسمه"زوجي له صديقات"أو"لا أقبل أن يكون لزوجتي صديق". وكثيراً ما يطرح هذا الموضوع في جلسات الأصدقاء وحلقات الدروس الدينية فتأخذ النقاشات بعداً"أخلاقياً"بحكم أن تلك العلاقة تصطدم بخط أحمر اسمه الجنس. وتنطلق أحكام متفاوتة لتبرير رفض مثل هذه العلاقة بين من يحذر من الوقوع في الحرام، ومن يتحجج بالعلاقات غير الشرعية المؤدية إلى الأمراض، ومن يرى أن تلك العلاقات تقف وراء الطلاق بين الأزواج في كثير من المجتمعات، حتى الغربية منها، بسبب"الغيرة"لدى الرجل والمرأة. في الجزائر تثار مثل تلك النقاشات خصوصاً في البيئات المحافظة، وفي المدن الداخلية التي يظهر أهلها تمسكاً اكبر بالدين والعادات والتقاليد، لكن الحديث هناك عن الصداقة بين الرجل والمرأة مرفوض قطعاً طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية التي ترفض الاختلاط بين الجنسين. ولا يحدث أن ترى شاباً وفتاة معاً على حافة الطريق أو في مقهى، ما لم يكونا زوجين وتربطهما علاقة شرعية. ويقول محمد 28 عاماً:"الحمد لله اننا مجتمع محافظ، وبفضل هذا الحرص في تفادي الاختلاط نجحنا في تفادي الكثير من الأمراض الجنسية التي تعرفها مدن أخرى، فلا يختلف اثنان على أن الاختلاط ينتج علاقات غير شرعية عموماً، لأنه لا يمكنك أن تجمع بين الزيت والنار، فما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما". ولإقناع الشباب بعدم شرعية الاختلاط وتفادي الوقوع فيه أمام ما تبثه الفضائيات من أفلام ومسلسلات غزت الكثير من العقول، حافظ سكان المدن الداخلية على تقليد تعليم الفتيات في مدارس خاصة تفادياً للاختلاط الذي يبدأ مع مرحلة التعليم الثانوي خلافاً لمدارس الشمال حيث يكون الاختلاط من المرحلة الابتدائية. في المقابل يبدو الاختلاط بين الجنسين في مناطق الشمال، وفي العاصمة على سبيل المثال أمراً عادياً، بل إن النقاش حول الصداقة بين الجنسين، هو نقاش تجاوزه الزمن، بحسب رأي حسام 22 عاماً الطالب في جامعة باب الزوار الذي يقول:"كان الشاب يتافدى الظهور مع فتاة أمام الملأ بسبب الاحتشام، أو خوفاً من كلام الناس، أما اليوم، فالشباب والفتيات يتجولون عبر الشوارع ويجلسون في المقاهي، ويتعانقون من دون ان تربطهم علاقة شرعية، فنحن في العاصمة يا أخي". أما منياء 18 عاماً فتقول:"عدم الاختلاط أصبح هو الصورة النادرة، بل إن الفتاة التي لا تملك صديقاً تعتبر غير عادية، وربما تتهم بأنها سيئة الحظ، أو صعبة المعاشرة، أو متشددة". وترفض فاطمة 20 عاماً الطالبة في كلية علم الاجتماع الأحكام الرافضة جذرياً أو المهللة للصداقة بين الجنسين، وتقول" ليس هناك إنسان لا يرغب في أن يكون له صديق، وصحيح أن الصداقة بين الجنسين حساسة، لكن نحن بشر لنا عقول، ولا ينبغي أن نسير بشهواتنا الجنسية فقط، فيمكن أن تكون هناك علاقة صداقة بين الجنسين مبنية على الاحترام". أما الياس فله حكم يحاول أن يوازن من خلاله بين الرافضين والمؤيدين بقوله:"لدي صديقة منذ قرابة 7 سنوات، والحق أن بيننا احتراماً كبيراً لأن كلٌ منا يعتبر الآخر أخا له، ولم يحدث أن كانت بيننا أي علاقة عاطفية، لكنني أعترف أن مثل هذه العلاقة حساسة وصعبة الحصول، وقد لا تنجح إلا بنسبة 1 في المئة". ويؤيد عمر صديقه قائلاً:"حتى لو فرضنا إمكان أن تكون هناك صداقة بين الجنسين في عمر المراهقة، ولو تحكمنا في غرائزنا، فإنه لا يمكن لتلك العلاقة أن تستمر بعد زواج أحد الطرفين مهما كانت أخوية، لأن أي رجل يغار على زوجته وإن لم يكن يشك فيها والأمر أشد حساسية عند المرأة طبعاً". أما أحمد 30 سنة العاطل عن العمل، فيروي بكثير من الضحك قصصا لصداقات جمعته بالجنس اللطيف وانتهت معظمها برضا من الطرفين ومن دون خلافات، ويقول:"الفتاة عاطفية بالدرجة الأولى، وحينما تعرف شاباً ويعجبها، قد تبدأ العلاقة كصداقة بينهما، لكنها تضطر في احيان كثيرة إلى أن تنسحب منها لانها تبحث إما عن حب أو زواج. وحتى لو رغبت الفتاة في الاحتفاظ بصديقها، فإنها تخشى أن يعتقد الرجال أنها مرتبطة فلا يتقدم أحد لخطبتها، وتلك مصيبة كبرى". وعلى هذا المنوال تقول فائزة، المتزوجة حديثاً:"كان لي أصدقاء، لكني اضطررت إلى أن أنهي علاقتي بهم، لأنني خشيت من غيرة زوجي، فالرجل يبقى رجلاً، مهما بدا متفهماً، إلا إنه يغار. لكني في المقابل فرحت بصداقاتي تلك لأن الشاب أوفى من الفتاة لا سيما في حفظ الأسرار، كما ان العلاقة به لا يشوبها حسد أو غيرة". أما ليلى المتزوجة منذ 5 سنوات، فلها رأي مخالف، تسرده بقولها:"عرفت صديقاً غالياً، كان سنداً لي في مراحل صعبة في حياتي ولم أرغب في التنكر له حتى بعد زواجي، خصوصاً أن أهلي يعرفونه جيداً، ولأجل ذلك نجحت بصعوبة في إقناع زوجي بالاحتفاظ به صديقاً، بل إنهما أصبحا صديقين مع مرور الوقت، ولكن هذا يتطلب درجة عالية من الحكمة والثقة بين الاثنين".