التقي مع الشيخ عبدالله بن زايد، وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة، وافترق في الموقف من الملف النووي الإيراني، إلا اننا كنا دائماً مقتنعين بأن البرنامج الإيراني عسكري وليس سلمياً فقط. اعتقد بأن القناعة هذه أصبحت يقيناً مع تطورات الأيام الأخيرة، فقد انتهت المفاوضات مع ايران الى طريق مسدود بحسب وصف خافيير سولانا، مسؤول الخارجية في الاتحاد الأوروبي، وثمة اجتماع لا بد من أن يعقد الأسبوع المقبل لمجلس الأمن حيث تقود الولاياتالمتحدة حملة لفرض عقوبات تدريجية على ايران. الشيخ عبدالله يعتقد بأن روسيا بدأت تميل الى الموافقة على عقوبات. غير أنه لاحظ أن اقتراح أميركا فرض حظر على التحويلات المالية الخاصة بالبرنامج النووي صعب التنفيذ لصعوبة التفريق بين التحويلات لمشروع أو لآخر. سألت الشيخ عبدالله هل يتوقع ضربة أميركية للمنشآت النووية الإيرانية في النهاية، وهو أعرب عن خوف آخر هو أن تضرب اسرائيل، في محاولة من حكومتها، لإنقاذ نفسها من الوضع السياسي الداخلي المنهار الذي تواجهه. شخصياً أقول إن ايران أبعد من العراق ومفاعله اليتيم والطائرات الاسرائيلية لا تستطيع أن تضرب كل المنشآت الإيرانية المعروفة وتعود من دون توقف، بل قد تحتاج الى وقفة على الطريق أين؟ تخلق مشكلة اضافية. شخصياً أيضاً قرأت غير مرة في الأسابيع الأخيرة أن الادارة الأميركية تفكر بضرب ايران بأسلحة نووية تكتيكية، تصيب أكثر من هدفها، فهي تبث حياة جديدة في مشروع المحافظين الجدد، لهيمنة أميركية واسرائيلية على المنطقة، بعد أن طوي المشروع في العراق، وهي تنقذ حكومتي أميركا واسرائيل بغرض التفاف الشعبين حولهما خلال مواجهة نووية، وهي تدمر عزيمة"الإرهابيين"الإسلاميين الذي سيدركون أنهم أمام عدو قوي لا يتردد في استخدام أخطر الأسلحة. ربما كان الأمر مجرد حرب أعصاب، وربما كانت الإدارة الأميركية تفكر فعلاً في ضربة نووية، غير أن الجواب يبقى في بطن المستقبل، فننتظر لنرى. ما هو واضح الآن هو أن البرنامج النووي الإيراني لا يمكن أن يكون سلمياً، فالحوافز التي قدمتها الدول الست الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن والمانيا لإيران في مطلع حزيران يونيو الماضي تكفي للتعويض عن برنامج سلمي، بل تزيد، ومع ذلك فقد رفضت ايران الحوافز بعناد، وأصرت على درس العرض بتأنٍ، وكان أن مدّدت الدول الست إنذارها حتى نهاية آب اغسطس فماطلت ايران مرة أخرى، وانتهى الأمر بمحمد سعيدي، نائب رئيس منظمة الطاقة الإيرانية، وهو يقترح أن تتولى فرنسا تشكيل مجموعة شركات لتخصيب اليورانيوم في ايران، وهو عرض اعتبرته الدول الست محاولة أخرى للمماطلة ورفضته. الموقف الإيراني لا يمكن أن يفسر بغير سعي ايران الى امتلاك سلاح نووي. واذا كانت هذه قناعتي الشخصية، حتى لا أورّط الشيخ عبدالله بن زايد معي، فإنها لا بد من أن تكون قناعة غالبية العالم، خصوصاً أن موقفي الشخصي مرة أخرى ليس ضد ايران، فأنا أدعو الى تجريد الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وأقول إنه اذا بقيت اسرائيل دولة نووية وحيدة فإن واجب كل دولة في المنطقة أن تسعى الى امتلاك سلاح نووي للدفاع عن نفسها. قبيل نهاية الشهر الماضي قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد إن ايران ترفض وقف التخصيب ولو فترة قصيرة. وهو عاد قبل يومين ليعلن أن بلاده ترفض وقف التخصيب ولو يوماً واحداً. وعلّق سولانا قائلاً إنه أجرى مفاوضات ساعات كثيرة والمفاوضات لا يمكن أن تستمر الى الأبد. لا أعتقد بأن ايران ستغير موقفها بين كتابة هذه السطور صباح الجمعة والاثنين، وهو أول يوم عمل من الاسبوع المقبل، ومع أن الولاياتالمتحدة طلبت اجتماعاً لمجلس الأمن حول دارفور، وربما كوريا الشمالية مع تهديد هذه بإجراء تجربة نووية، فإنني اتصور ان تطلب اجتماعاً آخر حول البرنامج النووي الايراني، وأن تسعى الى فرض عقوبات هدد بها القرار السابق عن ايران الذي اعطاها مهلة حتى آخر آب للتجاوب. أظرف ما في الموضوع، إنْ كان هناك أي ظرف في برنامج نووي، الضجة التي أثارها في اليومين الأخيرين اكتشاف رسالة من آية الله الخميني، تعود الى سنة 1988، أي قرب نهاية الحرب المدمرة مع العراق، تتحدث عن الحاجة الى برنامج نووي عسكري. وفي حين أن الرسالة معروفة ومنشورة في كتاب، فإن بعض"الخبراء"قرر انها تثبت عزم ايران على انتاج قنبلة نووية. لا أعتقد بأن عزم ايران بحاجة الى اثبات قديم أو جديد، غير أننا في الشرق الأوسط مقبلون على مأساة كبرى اذا انفجر الوضع على شكل ضربة أميركية او اسرائيلية لا فارق في نظر ايران لأن المواجهة ستفيض عن حدود ايران لتلف الشرق الأوسط كله. وقد سعت وزيرة الخارجية الأميركية الدكتورة كوندوليزا رايس خلال جولتها الأخيرة الى تنسيق الموقف مع اسرائيل ضد ايران ما يزيد قلق شعوب المنطقة من الدول الثلاث. سألت الشيخ عبدالله، هل من مخرج؟ هو رأى أن الأميركيين لا يزالون قادرين على قلب الطاولة على الإيرانيين، فهم اذا قدموا حلاً قابلاً للتنفيذ تقوم على أساسه دولة فلسطينية مستقلة خلال سنة أو سنتين سيغيرون تعامل العرب والمسلمين معهم، والذين يؤيدون ايران الآن سينقلبون ضدها اذا بقيت على موقفها. وزير خارجية الإمارات العربية المتحدة يعبر عن رأي غالبية عربية ومسلمة تقول إن حل القضية الفلسطينية سيحل كل قضية أخرى، أو يضعها على طريق الحل لأنها الأساس. وقد قرأت مثل هذا الرأي في كتابات مسؤولين اسرائيليين في الحكم وخارجه وباحثين واكاديميين، وبقي أن تقتنع ادارة بوش به، لأن المواجهة مع ايران لن تنتهي بربح أو خسارة بغض النظر عمن سيربح وعمن سيخسر، بل بخسارة للجميع.