يعتقد خبراء في مكافحة الإرهاب أن اتساع نطاق سيطرة"المحاكم الإسلامية"في جنوبالصومال عزز موقع المتشددين في صفوف الحركة، ما سيمكنهم من فرض توجهاتهم المتطرفة على البلاد. ويرى هؤلاء في قائد الجناح العسكري ل"المحاكم"عدن حاشي عيرو نموذجاً لافتاً لزيادة نفوذ المتطرفين بين حكام مقديشو الجدد. فمع استيلاء قواته على مدينة تلو الأخرى في جنوبالصومال، برز عيرو المعروف بانطوائيته واتسعت مساحة الدور الذي يلعبه في صفوف"المحاكم". وتتهم الولاياتالمتحدة القائد العسكري ل"المحاكم"، وهو في منتصف الثلاثينات، بتلقي تدريبات في معسكرات تنظيم"القاعدة"في أفغانستان، والضلوع في قتل 16 شخصاً، بينهم الصحافية في هيئة الإذاعة البريطانية كيت باتون، كما يعتقد مسؤولو مكافحة الإرهاب في واشنطن أنه متورط في مؤامرة لتفجير طائرة تابعة للخطوط الجوية الإثيوبية. وظهر عيرو للمرة الأولى بلحية مشذبة بعناية وعمامة خضراء في مدينة كيسمايو الاستراتيجية الأسبوع الماضي، حين خطب في مئات من مقاتليه بعد ساعات من استيلائهم على ثالث كبرى مدن الصومال، مؤكداً مكانته الجديدة في صفوف الحركة التي تحولت قيادتها تدريجياً إلى المتشددين في صفوفها منذ تنازل الزعيم المعتدل السابق ل"المحاكم"شريف شيخ أحمد عن موقعه للشيخ حسن ضاهر عويس المطلوب على اللائحة الأميركية للإرهاب. وطبقت المحاكم الشرعية التي نشرها الإسلاميون في القرى والمدن التي استولوا عليها أحكاماً متشددة، فنفذوا أحكاما بالجلد والإعدام في ساحات عامة، كما أغلقوا صالات العرض السينمائي ومنعوا مشاهدة مباريات كرة القدم ودهموا محطات إذاعية بثت"أغاني حب". لكن على رغم هذا كله، فإن الحكومات الغربية تعتقد أن الوقت لا يزال مبكراً لمعرفة الحكام الحقيقيين في صفوف"المحاكم". ويرى الخبير الأميركي في شؤون الإرهاب بيتر فام أن الموقف الغربي"دفن للرؤوس في الرمال"، مشيراً إلى أن الإسلاميين المعتدلين لا يمكنهم منافسة المتشددين الذين يحملون السلاح. وأضاف:"نحن أمام حركة راديكالية خطيرة ... وعيرو هو الأخطر بين الجميع". ويؤكد فام أن القائد العسكري هو صلة الوصل بين"المحاكم"وتنظيم"القاعدة"الذي يسعى إلى الإفادة من الموقع الاستراتيجي للصومال في قلب القارة الأفريقية وعلى حدود الشرق الأوسط. ويشير إلى أن عيرو"لديه صلات أكثر وضوحا مع الإرهاب الدولي، من تلك التي يملكها عويس"الذي تتهمه واشنطن بالارتباط ب"القاعدة"وتلقبه ب"الثعلب العجوز". لكن محللين يرون أن زعيم"المحاكم"هو الوحيد الذي يمكنه إقناع المتشددين، أمثال عيرو، بقبول تقاسم السلطة مع الحكومة الانتقالية الضعيفة. وتتبع عيرو قوة خاصة قوامها ثلاثة آلاف تُعرف باسم"الشباب". وتؤكد تقارير الأممالمتحدة أن رجاله يملكون ما لا يقل عن 200 صاروخ مضاد للطائرات، شحنت إليهم في آذار مارس الماضي، على رغم حظر الأسلحة المفروض على الصومال. وهو يتولى كذلك مسؤولية معسكرات التدريب التي فتحها الإسلاميون لمواجهة قوات حفظ السلام المرتقب نشرها في البلاد، كما كان أول قيادي في"المحاكم"يعترف بانضمام مقاتلين أجانب إلى صفوفها، إذ قال خلال خطبته في كيسمايو إن عناصر من الشيشان وباكستان وأفغانستان واريتريا ولبنان تتلقى تدريباً في المعسكرات التي يديرها. وتثار الشكوك أيضاً حول ضلوع متشددي"المحاكم"في محاولة اغتيال الرئيس الصومالي عبدالله يوسف التي استخدمت فيها سيارتان مفخختان، على غرار غالبية عمليات"القاعدة"، إضافة إلى قتل راهبة إيطالية في مستشفى للأطفال في مقديشو الشهر الماضي. وقالت مصادر طلبت عدم الكشف عن اسمها إن المشتبه بهم الذين أعلن توقيفهم عقب مقتل الراهبة أطلق سراحهم سراً قبل أيام. ويتخوف محللون من اتساع رقعة الصراع لتشمل جيران الصومال، وفي مقدمهم إثيوبيا العدو التقليدي الذي اتهمه الإسلاميون بإرسال قوات إلى الصومال. ويقول الاختصاصي في شؤون القرن الأفريقي مات برايدن:"أخشى أننا ننزلق في اتجاه صراع إقليمي، تصطف فيه دول المنطقة في جبهتين".