المحلل النفسي يبذل جهداً كبيراً في تحليل شخصية "مريضه". المكان: استوديو قناة "أنفينيتي" التي تبث من أبو ظبي. لا كنبة طويلة في"العيادة"ولا جهاز تسجيل، بل، إلى جانب المحلل النفسي، هناك.. المذيع طوني خليفة. هل يدعو الآتي إلى الاستغراب؟ حضر"الطبيب"ليحلل نفسية"مريض"غائب. ميّت. هو عبد الحليم حافظ، ومعه مذيع. إذ بعد أكثر من عقدين على رحيله، قرر العندليب زيارة الطبيب النفسي في عيادة غير مغلقة الأبواب. ولنوضح الأمر: الحقيقة هي ان الطبيب هو من قرر زيارة العندليب وإخضاعه لجلسة تحليل، يشاهدها مئات الآلاف في العالم العربي، مباشرة على الهواء. اقتحم المحلل حياة صاحب"حبك نار"من دون أن يستدعيه ذاك. غالب الظن، أن المغني كان مشغولاً في فترات طويلة من حياته بمعالجة نزيف البلهاريسيا، والتردد على عيادات الجراحين في لندن، فلم يع أنه في حاجة الى زيارة عيادة أخرى، حيث يتمدد على ظهره، ويسرد حكاياته الشخصية، الشخصية جداً، الى مجهول. كره حليم، في حياته، أن يختلق البعض"الشائعات"عن"استمراضه"وهوسه الجم في مداراة الآخرين ومجاملتهم. كان ذكياً، ربما، و"خبيثاً"، ربما، ورجل علاقات عامة، من الطراز الأول، ربما. كان حبيباً لعبد الناصر ومتمنعاً على سعاد حسني وعدواً لأم كلثوم. ربما. لا أحد يعرف، فالناس، كلهم، فنانون وسياسيون وعامة شعب، حين يموتون لا يعطون الطبيب النفسي قبلها سجلاتهم كي يحلل فيها ما يشاء، ويصل الى النتائج التي يشاء، في الوقت والمكان الذي يشاء. نفض الغبار ماذا يحدث على الشاشة الرمضانية؟ هذا العام، أكثر من أي عام مضى، ونتيجة الافلاس الإبداعي الذي استفحل، تحول المخرجون والكتاب والمنتجون ومعدو البرامج الى حفاري قبور. ها هم، يملأون الشاشات، وغرف الجلوس في بيوتنا، بالغبار الذي ينفضونه من قبور حليم وسعاد حسني وسواهما. يحفر، كل منهم، في جانب مختلف عن الآخر. يتصور، كل منهم، أن في وسعه الحصول، وحده، على كنز الاسرار المدفون منذ زمن. يتخابط الحفارون في ما بينهم، وتختلف أدواتهم، على رغم ان الجثة واحدة. فالعندليب، الجثة، تراه على"دمعة وابتسامة"على قناة"انفينيتي"حالة مرضية تحتاج الى تحليل نفسي، وهو على"أم بي سي"متمرد يصنع بطولته في زمن كان مشغولا بصنع أبطاله وبطولاته، ثوراته وثواره. حليم"انفينيتي"رجل تملأه المشاعر المتناقضة، وحليم"أم بي سي"رجل واثق يحاول استعادة زمن البطولات الغابر. أما حليم"أل بي سي"الذي يطغى على أحداث أكثر من خمس حلقات من مسلسل"السندريلا"، فهو المعشوق المتمنع، الخائف والمتردد أن يزج به الحب الى الظلال الداكنة، بعدما اختبر حلاوة الأضواء وسطوعها. هو المعشوق الخائب، العاجز الذي لا يقوى على حب امرأة، حتى لو كانت سندريلا. ثلاثة عروض، اذاً، لسيرة الغائب، في زمن بث واحد، على ثلاث محطات. يكفي أن تتمسك بجهاز"الريموت كونترول"، لكي تنتقل، في ثوان، بين سيرة وأخرى للراحل نفسه. بين حفار وآخر، وطقس نبش وآخر. ولأن كل شيء مباح في تلك الطقوس التي تتجرأ على حرمات، فلا بأس أن يطاول التراب أثواب الأحياء أيضاً، ف"يعفّرها". فجأة، يقرر الحفارون التضحية بالأحياء في سبيل الحصول على اسرار الأموات. هل سأل أحد عن مشاعر الفنانة زيزي البدراوي، التي صورها عاطف بشاي في مسلسله عن سعاد حسني، فتاة حسود وتفتقر الى الموهبة التي لدى زوزو؟ قد يكون الكاتب استند الى معطيات تاريخية تتحدث عن طبيعة العلاقات التي جمعت البدراوي وحليم وحسني أثناء تصوير فيلم"البنات والصيف"، وقد لا يكون. لكن البدراوي، التي لا تزال على قيد الحياة، تتنفس وتمثل، ستشعر بالبؤس كله، بالتأكيد، وهي ترى مشهدا من سيرتها التاريخية يُستعاد لخدمة سيرة أخرى، هي سيرة حسني. أيضا، قد لا يعرف كثر أين اختفت زبيدة ثروت منذ زمن، لكن الأكيد أن صورتها المستعادة أيضاً ضمن أحداث المسلسل، إن شاهدته، لن تروق لها. الأمثلة كثيرة، والأحياء الذين يقدمون قرابين الموتى في طقس المسلسلات الرمضانية كثر أيضاً. الجماهير التلفزيونية، من جهتها، التي تظن أنها متفجرة على مراسم"الذبح"تلك، ليست سوى شريكة فيه، مرات، وأضحيات، في مرات كثيرة.