دليل حيوية أو دليل فوضى؟ هيام بالسينما او بالمنافسة من اجل المنافسة؟ مهرجانان سينمائيان في بيروت، لا تفصل بينهما سوى أسابيع قليلة، هل هما دليل عافية في بلد يقول كثر انه يعيش الآن على حبل مشدود؟ مهما كان الأمر تشهد بيروت بدءاً من اليوم، وللمرة الثانية منذ سكتت اصوات مدافع الحرب الأخيرة، مناسبة سينمائية تطلق على نفسها اسم مهرجان، ولكن من دون لجان تحكيم، من دون جوائز وربما من دون احتفالات صاخبة. وهذا أفضل طالما ان ما بتنا في حاجة إليه في لبنان اليوم هو شيء من التواضع. المهم ان السيدة كوليت نوفل ورفاقها من اصحاب المهرجان السينمائي، الذي كان يعقد سنوياً في بيروت خلال السنوات الأخيرة، يعودون بعد غياب ليقدموا دورتهم السابعة. الافتتاح في السابعة والنصف مساء اليوم، في قاعة قصر الأونيسكو، ما يضفي على المناسبة طابعاً رسمياً، افتقر إليه المهرجان الآخر الذي أقيم الشهر الفائت في بيروت ايضاً. في المقابل يفتقر المهرجان الجديد الى ما كان ميّز سابقه: عرض فيلمين روائيين لبنانيين جديدين. فمن لبنان في مهرجان اليوم، شرائط وثائقية منها ما هو عن الحرب الأخيرة "بيروت ما بتموت"لكاتيا جرجورة. ولكن يحسب للدورة السابعة ل"مهرجان الفيلم الدولي"الذي ينتهي الأربعاء المقبل، انه يعرض افلاماً بارزة، حتى وإن كان بعضها شبع عرضاً. فالافتتاح سيكون بفيلم بيدرو ألمودوفار الرائع"العودة"بولبر، الذي كان أسال حبراً كثيراً واجتذب جمهوراً عريضاً منذ عرضه الأول في الدورة الأخيرة لمهرجان"كان"حيث فازت بطلاته مجتمعات بجائزة افضل ممثلة. والختام بفيلم"عمارة يعقوبيان"المأخوذ عن رواية علاء الأسواني ولم يعد في حاجة الى تعريف. أما بين هذا وذاك فأفلام آتية من بلدان عدة تعرض كلها تحت شعار"اصنع سينما... لا حرباً". من هذه الأفلام الجورجي - الفرنسي"3 انساميتي"واليمني الأول"يوم جديد في صنعاء القديمة"و"لونّي كوبريك"الإنكليزي الذي يحكي حكاية حقيقية طريفة عن نصّاب كان يحضر الحفلات والاحتفالات زاعماً انه المخرج ستانلي كوبريك مواصلاً"زياراته"حتى بعد موت هذا الأخير! ومن فرنسا يأتي فيلم"توقف قلبي عن الخفقان"بينما بعثت المكسيك ب"الكمان"وألمانيا ب"فاكتوتوم"وكردستان العراقية بشراكة فرنسية الفيلم الطريف"كيلومتر صفر"وكولومبيا ب"ماريا المليئة النعمى"... وليس هذا كله سوى نماذج لسينما - معظمها غير تجاري - تدور افلامها المهرجانات لتحط رحالها اليوم في بيروت كاشفة عن انواع جديدة من سينما المؤلف، وللجمهور اللبناني عن انماط مدهشة من افلام أوروبية وعربية تغيب عن الصالات وربما حتى عن الشاشات الصغيرة. ومع هذا قد يكون هذا الجمهور ملماً ببعض هذه الأفلام عن طريق الصحف التي لا تتوقف عن الكتابة عنها... وغالباً انطلاقاً من ظروف فضائحية او قضائية، أو لمجرد تفردها الذي يمنعها من الوصول الى الجمهور. من هنا ترتدي المناسبة اهميتها، وعلى الأقل كأسبوع للسينما الحية والجادة، إن لم يكن ك"مهرجان"بالمعنى الدقيق للكلمة... فأسبوع متواضع وحي يعرض"ملك وكتابة"مصر و"ماروك"المغرب و"خارج اللعبة"للمميز جعفر باناهي - ايران، وبقية هذا النوع السينمائي، هو في رأينا خير من ألف مهرجان يعرض ما لا يتمكن لا من اجتذاب الجمهور، ولا من الاستغناء عن جمهور عريض تعوّد سينما المهرجين الجدد، او سينما المغامرات غير المنطقية والأبطال الحلزونيين.