مساء الأحد 28 آذار مارس ومساء اليوم التالي له، تتاح للجمهور فرصة طيبة لمشاهدة فيلمين لسينمائيين لبنانيين هما جان شمعون "أرض النساء" وسمير حبشي "سيدة القصر" حققاهما ضمن إطار سلسلة أفلام عن النساء العربيات من انتاج مصر العالمية يوسف شاهين وشركاه. هذان الفيلمان اللذان يعرضان في قصر الأونيسكو في بيروت يشهدان نوعاً من المصالحة بين السينمائيين والتلفزة، إذ من الواضح في نهاية الأمر أنهما سيعرضان لاحقاً على الشاشة الصغيرة أكثر مما سيعرضان على الكبيرة. هذا الموضوع يكاد يكون مسيطراً على الكتاب الذي أصدره الزميل نديم جرجورة عن "المجمع الثقافي" في أبو ظبي بعنوان "السيرة المنقوصة". صحيح أنه كتاب صغير الحجم، سريع الاستنتاجات، لكنه كبير الأهمية في مجال رسم خطوط سير السينما اللبنانية منذ بداياتها وحتى أحدث أجيالها. ميزة هذا الكتاب الرئيسة أن مؤلفه يتناول فيه موضوعه وكأنه يروي حكاية. ولهذه الحكاية أبطال يكاد يكون برهان علوية وجان شمعون وسمير حبشي من أبرزهم، فالكاتب هنا يربط مسيرة هؤلاء وتواريخ تحقيقهم أفلامهم بالكثير من الظروف السياسية والاجتماعية التي أوجدت بالنسبة اليه أحدث تيارات السينما اللبنانية وأكثرها جدية وإبداعاً، بالتحديد تلك التيارات الثلاثة التي بدأت مع برهان علوية ومارون بغدادي محققة أفلاماً اعتبرت من أبرز ما حُقق عربياً خلال العقود الأخيرة. غير ان اهتمام جرجورة بهذه التيارات لم يمنعه من أن يسهب في الحديث عما يمكن اعتباره ما "قبل" تاريخ السينما اللبنانية محدداً البدايات مع بيروتي وحتى مع فرضيات تسبق هذا الأخير ثم الفيلم اللبناني الأول والثاني مع علي العريس "ساعة الورد" و"كوكب أميرة الصحراء" وصولاً الى رواد الخمسينات من أمثال جورج قاعي ويوسف فهدة وميشال هارون وبخاصة جورج نصر وفيلمه "الى أين". وبعد أن يتوقف جرجورة عند الكثافة الانتاجية المصرية في الستينات اللبنانية ينتقل الى "الشبان" الذين تربوا على تلك السنوات "الذهبية" الصاخبة. وإذ يحلل مسيرة هؤلاء يصل الى القطيعة التي واكبت اندلاع الحرب اللبنانية وظهور علوية ورفاقه. مفيد كتاب جرجورة وإن لم يكن الأول في موضوعه، والمأمول الآن أن يحفز هذا الكتاب، وكشفه عن غنى المسار السينمائي اللبناني، على التعمق أكثر في هذا المسار عبر مؤلفات أكثر إسهاباً بات لا بد من توقعها.