تأجيل جلسات التشاور التي اراد لها الرئيس نبيه بري أن تبدأ اليوم، سوف يتيح للبنانيين فسحة اسبوع من الأمل في خروج قادتهم من حالة التجاذب والاستقطاب والعودة الى شيء من الواقعية والتعقل. وكما قال رئيس المجلس النيابي في دعوته الى هذه الجلسات، فليس هناك بديل آخر امام القادة اللبنانيين سوى الجلوس معاً على الطاولة بدل المواجهة في الشارع، وهو الموقف نفسه الذي أكده رئيس الحكومة فؤاد السنيورة"اننا جميعا مبحرون في زورق واحد. وأي شخص يخرق هذا الزورق لا يضر الآخرين بل يضر نفسه". ولكن... هل نحن فعلاً على زورق واحد؟ اذ لو كان الأمر كذلك، لما كانت حال التردي قد وصلت الى هنا، وهي أساسا حال ناتجة عن الابحار بمصير البلد في اتجاهات مختلفة، واحيانا كثيرة في اتجاهات ممرات الرياح والاعاصير، من دون أي تشاور أو تنسيق مع الركاب الآخرين. لقد ساهم غياب عنصر الثقة بشكل مباشر في هذا التردي. من دون هذه الثقة وفي ظل مناخات التخوين المتبادلة يصعب الحديث عن رغبة القادة اللبنانيين في المشاركة في قيادة وطن موحد. كل فريق يتهم الفريق المقابل باستلهام موقفه من سفارة اجنبية أو من قوة اقليمية. بعد عملية 12 تموز يوليو الماضي أجاب الامين العام ل"حزب الله"السيد حسن نصرالله عن التساؤلات حول سبب امتناع الحزب عن مناقشة عملية أسر الجنديين الاسرائيليين مع القادة الآخرين على طاولة الحوار، فاعتبر مثل هذا الطلب امراً غير منطقي لأن اي نقاش من هذا النوع كان سيصل بعد نهاية الجلسة الى السفارات الاجنبية! في المقابل، لا يخفي اقطاب 14 آذار شكوكهم في أن الحملة القائمة الآن لاستبدال الحكومة بحكومة وحدة وطنية تخفي هدفاً آخر، له علاقة بإيحاء خارجي، بهدف تعطيل السير في المحكمة الدولية وفرض شروط هذا الطرف الخارجي في معركة رئاسة الجمهورية. ساهم في حال التردي ايضاً الخروج على الالتزامات المتبادلة المتصلة بالعملية السياسية في البلد. فقد كان يفترض في الأفرقاء الذين شاركوا في الانتخابات النيابية الاخيرة أن يقبلوا بنتائجها، وهي النتائج التي أوصلت المجلس النيابي الحالي، ومنه انبثقت حكومة السنيورة. وعندما شاء الرئيس بري أن يضع بندين للتشاور هما حكومة الوحدة الوطنية وقانون الانتخاب، فإنه كأنما أراد إثارة الشكوك حول هذه الالتزامات. ذلك أن الحكومة الحالية تعتبر، بمفهموم التوافق الوطني وبمفهوم تمثيل معظم الاتجاهات، غير بعيدة عن قاعدة الوحدة الوطنية، الى جانب أن الاكثرية فيها هي انعكاس صحيح للاكثرية النيابية، وهي قاعدة متبعة ولا شائبة فيها في كل نظام يعتبر نفسه ديموقراطياً. اما القول إن هذه الاكثرية وهمية، فإنه يعكس عقلية"فوقية"في التعامل مع اللعبة الديموقراطية التي شارك المعترضون فيها بناء على قانون الانتخاب نفسه الذي يتعرض الآن للانتقادات من قبلهم. انها العقلية التي تفترض أن عدم وصول تيار ما الى أحد المناصب أو عدم حصوله على اكثرية المقاعد، يعني خللاً في العملية الانتخابية، باعتبار أنه يرى نفسه الطرف"الاصلح"وبالتالي الأحق في الوصول. ولا يمكن أن تُفهم اعتراضات الفريق المعارض للحكومة الذي يقوده الآن"حزب الله"الا في هذا الاطار. فعندما يقول قادة الحزب، كما فعل الشيخ نعيم قاسم في خطابه في"يوم القدس"، انهم يرفضون أي حكومة غير حكومة الوحدة الوطنية، فإن ذلك لا يترك مجالاً واسعاً للتشاور عندما تكون نتائج هذا"التشاور"مقررة سلفاً! نقطة أخيرة في موضوع التشاور لا بد من التطرق اليها، وهي ما يتعلق بالالتزامات المترتبة على المتشاورين. اذ من سيضمن تنفيذ أي اتفاق يمكن الوصول اليه بنتيجة هذه العملية، في وقت لم تفلح جلسات الحوار، المفترض أن قراراتها أكثر إلزاما، في أن تنقل ما تم الاتفاق عليه من الورق الى... الخرائط؟