سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
"الحياة" في محميات المانغو في بلاد الهوسا . عقود من الفساد العسكري و "الديموقراطي" ... تمتص رغد نيجيريا والجنرالات في سباق إلى الرئاسة مجدداً ولكن بثياب مدنية 1 من 3
مع بداية العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية في نيجيريا عام 2007 أخذت القوى السياسية والإسلامية والشعبية تستعد للمهمة الأصعب: انتقال الرئاسة من حاكم مدني إلى آخر عبر الانتخابات، وهو ما لم يحدث من قبل في تاريخ البلاد. كانت أول انتخابات رئاسية شهدتها نيجيريا عام 1979، انتهت بانتخاب الشيخ عثمان علي شقاري رئيساً للبلاد، غير أنه أقصي بانقلاب كالعادة، على يد الجنرال الأسطورة محمد بخاري. ووسط ترقب النيجيريين لما ستسفر عنه انتخاباتهم المدنية الثالثة على التوالي، تعيش البلاد أوضاعاً اقتصادية وسياسية واجتماعية صعبة، أفرزها صدام"الكل"على النفوذ الديني والسياسي والاجتماعي. "الحياة"رصدت الجدل السياسي والديني والاجتماعي، على أعتاب الحدث التاريخي الذي يترقبه النيجيريون والأفارقة معهم باهتمام وحذر. هنا"نيجيريا". السحب تقترب من الأرض على خط الاستواء. الأرض خضراء بفعل السماء والإنسان. في الأودية تزاحم أشجار"المانغو"قامات"جوز الهند". الفلاحون يحرثون الأرض بكرة وعشياً. هنا سابع دولة مصدرة للنفط في العالم، لكنها مدينة بنحو 40 بليون دولار مرشحة للزيادة. الكهرباء لا تأتي في أكثر الأحيان حتى لا نقول انها تنقطع كل يوم! إنها ملتقى كل المفارقات. نيجيريا اسم منقوش في ذاكرة معظم العرب إذا ما شاؤوا أن يضربوا المثل الأعلى في سمرة اللون أو سيادة الفوضى. اسم يدفعك ذكره للتوقف طوعاً أو كرهاً، بما يشاع عنه على وجه المبالغة والحقيقة. تلك هي نيجيريا في الذهنية العربية. أما في الذاكرة الأفريقية فإنها"الأندلس"فلئن خلت بساتينها وأنهارها وأحياؤها من الروميات والشقراوات، فإنها غنية بالمناضلين من أجل"الهوية"والمواطنين الشرفاء والخيرات الوفيرة. نيجيريا بالنسبة إلى الأفارقة عنوان"المغنم، والثروة، والذكريات الجميلة، والمانغو"، لكن ذلك كله أصبح شيئاً من التاريخ وإن كان حديثاً. فقبل أن يتولى شقاري رئاسة نيجيريا عام 1979 كانت عملة نيجيريا نيرا يساوي الواحد منها ثلاثة دولارات، بينما يساوي الدولار اليوم 103 نيرات، على رغم أن الثروة لم تنضب. ولكن كما يقول العرب عن أندلسهم من سره زمن ساءته أزمان!. وفي الوقت الذي كان يتدفق فيه العرب من كل أوطانهم إلى أوروبا وأميركا، كان الأفارقة يقومون بهجرة عكسية إلى نيجيريا وساحل العاج، على أن الأخيرة لم تكن تنهض بمثل دور الأولى لصغر مساحتها وعوامل أخرى. بل إن العرب أنفسهم في الصحراء الكبرى وآسيا شدوا الرحال إلى نيجيريا وبنوا فيها أمجاداً لا تزال أطلالها ظاهرة. ومع أن النيجيريين لا يختلفون في قبليتهم عن العرب كثيراً إلا أنهم بشهادة الجميع فتحوا في ذلك الحين قلوبهم وبيوتهم لكل المهاجرين إلى ديارهم كما يقر بذلك حسن إبراهيم، صاحب"الكوفيه شوب"الشهير في وسط مدينة كانو، الذي يتحدث عن عهد نيجيريا الماضي فلا يجد أي تلاق بينه وبين الراهن:"البلد خرب. الناس تغيروا. والأجانب لم يبق منهم إلا أعداد يسيرة". لمعرفة واقع نيجيريا الحالي ومقارنته بالماضي، لا يحتاج القارئ الى أكثر من اختيار أحسن الأوصاف للماضي ونقيضها تماماً للحاضر، فالمدن التي كانت مليئة بالمصانع أصبحت اليوم مكتظة بالخردوات، والأحياء التي تضيء كهرباؤها ما بين السماء والأرض أضحت في ظلام دامس، وغير ذلك من المفارقات. طوال الفترة التي قضيناها لم يستمر التيار الكهربائي في أحد الأحياء الراقية أكثر من ساعتين متواصلتين في النهار. أما في الليل فإنه قليلاً ما يُرى. ومثله الماء الذي خلت منه الصنابير، ومظاهر الفقر واضحة في الشوارع الرئيسة والأحياء الشعبية. على أن مظاهر الغنى الجزئي في البلد لا تزال بادية، خصوصاً في المدن الكبرى مثل كانو ولاغوس، ناهيك بأبوجا التي تعد الاستثناء الوحيد في بعض ما ذكر. اللغز المحير هو ان أي سبب منطقي لإسراع نيجيريا إلى الهاوية غير ظاهر، فالبلاد حديثة عهدٍ بالغنى الذي تعد مصادره قائمة حتى اليوم. ونيجيريا أشبه ما تكون بمزرعة. قطعنا مئات الكيلومترات في النهار فإذا بالطريق تحتضنه المزارع يميناً وشمالاً، وفي الشمال وحده يوجد نحو 35 سداً للمياه، ناهيك بالأمطار التي لا تتخلف عن مواعيدها في المناطق الشمالية، وفي الجنوب غابات استوائية، من أروع ما يراه الناظر جمالاً وحسناً. وهناك النفط، والمعادن والأيدي العاملة التي تملك الخبرة العلمية والعملية، إضافة إلى علاقات البلاد الجيدة مع معظم دول العالمين العربي والغربي، اضافة الى أنها - نيجيريا - وإن كانت شهدت سلسلة انقلابات ، إلا أنها تملك رصيداً لا بأس به من الاستقرار العام، فلم تنشأ عن أي من انقلاباتها القريبة حرب أهلية، وتتمتع ولاياتها بصلاحيات حقيقية تمكنها من إدارة شؤونها المحلية، بنحو يمنعها من أن تنهار أمام أي انقلاب يحدث. وهذا ما أبقى على شيء من رفاهيتها، إذ يلاحظ أن معظم الخدمات التي تقدمها الولايات المحلية تسير على نحو معقول، خلافاً الأخرى الفيديرالية، اما الكهرباء والاتصالات، فإنها تسير بسرعة كبيرة إلى الكارثة! حتى إن الشماليين يتندرون على أنفسهم عندما يتذكرون أن النيجر جارتهم لا تنقطع عنها الكهرباء خلال ال24 ساعة اما هم الذين يزودونها بالطاقة، فلم يعودوا يرونها إلا لماماً! الفساد العسكري أم الديموقراطي؟! نهب المال العام الذي يتحدث النيجيريون عن انه"اللغز"وراء انهيار امبراطوريتهم، لا يزال ينهش في بلدان أفريقية وإسلامية لم تبلغ يوماً مكانة نيجيريا الاقتصادية، غير أنها لم تهوِ بالسرعة نفسها .والغريب أن الديموقراطية التي تقضي على الفساد في بلدان، تعززه في بلدان أخرى، فنيجيريا على رغم انها شهدت عقوداً من الفساد المستشري إلا أنه لم يكن بالمستوى الذي يشهده عهدها الديموقراطي الحالي، كما يقول رئيس تحرير صحيفة"ديلي تروست"اليومية كبيرو يوسف. ومع أن النيجيريين اعتقدوا بأن الديموقراطية ستخرجهم من النفق الذي عاشوا فيه عقوداً بفعل البطش العسكري على أيدي جنرالاتها، إلا أنها اعادت إليهم الوجوه السابقة نفسها، ولكن بغير البزة العسكرية . فالرئيس العسكري السابق الجنرال أوبا سانغو الذي يتولى رئاسة نيجيريا الآن على رغم قضائه ولايتين ديموقراطيتين، يبحث عن المزيد من سنوات الحكم تحت مشروع تعديل الدستور، الذي فشل في تمريره تحت قبة البرلمان. وكانت الدورة الأخيرة شهدت سباقاً محموماً بينه كمرشح عن الحزب الحاكم وبين الرئيس العسكري السابق أيضاً محمد بخاري، الذي أكد لپ"الحياة"أن"المراقبين الغربيين شهدوا في المحكمة العليا النيجيرية على أنه جرى تزوير الانتخابات عبر إضافة أسماء مواطني 12 ولاية لم تصوت مطلقاً". وهو امر يشير اليه ايضاً الكثير من المراقبين في هذا البلد. صراع الجنرالات بخاري الذي تابع مع أنصاره القضية في المحكمة العليا أربعة أشهر بعد انتهاء الانتخابات، بدأ في توزيع صوره في شوارع نيجيريا ضمن حملة ترويج واسعة، بعد أن أعلن ترشيح نفسه رسمياً للانتخابات المقبلة عام 2007. كما أعلن الرئيس السابق الجنرال إبراهيم بابا نجيدا أيضاً ترشيح نفسه للرئاسة في الانتخابات نفسها، إضافة إلى بقية المرشحين، مثل نائب رئيس الجمهورية الحالي عتيقو ووالي زنفرا. غير أن احتدام المنافسة بين المرشحين الشماليين على وجه الخصوص في هذا الوقت المبكر قبل بدء الانتخابات، ينظر إليه النيجيريون وصحافتهم بأعين مختلفة، فبينما يرى البعض أنه يعكس تشتتاً في ميول الشماليين، الذين يفترض أن تكون قضيتهم واحدة، يرى آخرون أنه يعزز فرص وصولهم إلى كرسي الرئاسة، نظراً إلى ثقة الناخب النيجيري بإمكاناتهم في إدارة الدولة وكبح الفساد. الإسلاميون الذين يملكون التأثير الأقوى في شمال نيجيريا وفي جزء من جنوبها لم يقرروا الوقوف خلف أي من المرشحين بعد، كما يقول رئيس المجلس الأعلى لتطبيق الشريعة في نيجيريا أحمد درتي. فهو يشير إلى جهود مكثفة لإقناع الشماليين بالتصويت لمرشح واحد يتم اختياره بالتشاور مع المجلس العام لولايات الشمال:"كما سنسعى إلى إقناع بقية المرشحين بالتنازل لمصلحة هذا المرشح، وهذا سيكون لمصلحة الشمال ونيجيريا بكاملها". وعلى رغم أن درتي لم يفصح عن اسم هذا المرشح، إلا أن معظم الإسلاميين يرون أنه ربما يكون محمد بخاري، بوصفه الأشرس في محاربة الفساد وإعادة الهيبة للقانون وأكثر الرؤساء السابقين اهتماماً بالطبقات الفقيرة في المجتمع كالمزارعين وأصحاب المصانع الصغيرة. يضاف إلى ذلك كما يقول عضو لجنة تطبيق الشريعة في ولاية كانو أمين سقاقي أن" بخاري وإن كان لا يعلن صراحة أنه يدعم تطبيق الشريعة الإسلامية بالرؤية السائدة حالياً، إلا أن الجميع يثق بأنه سيدعم الشريعة جوهرياً، وإن لم يعلن تنفيذ الحدود". ويبقى ان المنافس الأقوى لبخاري هو الرئيس السابق أيضاً إبراهيم بابا نجيدا الذي وإن كان شمالياً إلا أن علاقات وطيدة تربطه بالحزب الحاكم، ويقال إنه ليس على وفاق مع نائب الرئيس المرشح للرئاسة أيضاً، ولذلك فإن الكثيرين يعتقدون بأن الحزب الحاكم سيقف خلف بابا. نجيدا، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين الأثرياء النيجيريين الذين يعد هو واحداً منهم، على خلافاً لبخاري الذي يسمى"نجاد أفريقيا"، بسبب تركيزه في حملته الانتخابية على الشباب المهمشين والفقراء والإسلاميين، الذين تعجبهم نظافة يده - كما يقولون - وصرامته في وجه الأغنياء الذين وقف لهم بالمرصاد في ولايته السابقة 1983 - 1985، وتتبعه مصادر ثرواتهم المفاجئة. كبيرو يوسف يؤكد أن"رئاسة نيجيريا هي لمن يملك رصيداً أوفر في مصارفها، بنحوٍ يمكنه من تزوير الانتخابات". وهذا الكلام لم ينفه بخاري الذي قال لپ"الحياة"إنه لا يملك المال الكافي لتزوير الانتخابات ولا لرشوة القضاة في المحكمة العليا عندما يكون مقتنعاً بفوزه، فضلاً عن أن ذلك يتناقض مع مبادئه،"ولكني سأجتهد في توعية الناخبين بألا يسمحوا لأصواتهم بأن تذهب عبثاً، وأن عليهم رفض الابتزاز من أي طرف". انشقاقات داخل الحزب الحاكم ووسط أجواء السباق المحموم إلى خلافة أوباسانجو، يعلق السياسيون الشماليون آمالاً كبيرة على أن يكون فشل أوباسانجو في تعديل الدستور، محفزاً له على الوفاء بالمعاهدة الشفوية التي ابرمت بينه وبين الزعماء الشماليين قبل وصوله إلى الحكم، والتي تنص على أن تنتقل السلطة إلى الشمال بعد ولايتين دستوريتين، كما تقول صحيفة"الثقة"الأسبوعية النيجيرية. وتعتبر الصحيفة عدم ظهور أي مرشح جدي لرئاسة الجمهورية سوى في الشمال أحد المؤشرات الى ذلك، فهناك إلى الآن نحو سبعة مرشحين كلهم من الشمال، ما بين رئيس عسكري أو حاكم ولاية أو وزير سابق. ويتجاوز الجدل السياسي في نيجيريا إصرار الشماليين على استعادة رئاسة الجمهورية، وسباق أقطابهم السابقين من الرؤساء العسكريين اليها، إلى الحزب الحاكم الذي تتحدث الأطراف المناوئة له عن تصدع داخلي يهدد مستقبله، على رغم انه أحد أكبر الأحزاب السياسية الافريقية من ناحية عدد الأعضاء والمناصرين. لكن الأنباء التي تتردد عن انشقاق في الحزب الحاكم أخذت أبعاداً أخطر عندما اقدم أطراف مؤثرون فيه على الانشقاق، واعلان تسجيل حزب جديد باسم"المؤتمر الديموقراطي التقدمي"a.c.d وهو حزب كما تقول الصحف النيجيرية له تأثير في الأوساط السياسية النيجيرية، إذ يتوقع كثير من المراقبين أن يعلن نائب رئيس الدولة عتيقو أبوبكر انفصاله عن الحزب الحاكم للانضمام إليه. أما المعركة التي صدعت الحزب الحاكم أخيراً، فهي إعلان زعيم الحزب الأسبق سلومن لار أنه ومجموعته هم زعماء الحزب الشرعيون، وأنهم لا يعترفون بزعيم الحزب الحالي أحمد علي الذي عيّن زعيماً للحزب الرئيس أوباسانجو، ليحقق له أطماعه الشخصية في الاستمرار في الحكم على رغم أنف القانون، على حد قول لار . هل يعود الحكم العسكري؟ استبعاد المتابعين أن يغامر أوباسانجو بمحاولة الاستمرار في الرئاسة على رغم فشله في تعديل الدستور، لا ينفي أن رغبته الشديدة في ذلك لا تزال قائمة، وتسليمه كرسي الرئاسة في عام 2007 على نحو عادي غير مؤكد بعد! وتبعاً لذلك، فإن السياسيين النيجيريين ليسوا قادرين حتى الآن، على الجزم بأن الحكم العسكري غادر نيجيريا إلى غير رجعة. وعندما سألت"الحياة"الرئيس السابق المرشح في الدورتين الماضية والمقبلة الجنرال محمد بخاري عن هذه المسألة، أجاب على الفور:"الله وحده يعلم". أما رئيس المجلس الأعلى لتطبيق الشريعة الناشط الإسلامي أحمد درتي فقال:"نحن نسعى الى الوصول إلى أرضية مشتركة مع النظام السياسي القائم، إلا أننا حين نفشل قد نضطر إلى المطالبة بالانفصال، وهذا أمر غير محبذ لدينا، ولكنه قد يكون آخر الحلول". حمل نسوة أحد مرشحي الرئاسة يثير جدلاً وبينما يدور الجدل بين المحللين حول أوفر المرشحين للرئاسة حظاً، فاجأ حاكم ولاية زنفرا، وهي أول ولاية في نيجيريا أعلنت تطبيق الشريعة الإسلامية الأوساط بترشيح نفسه للرئاسة في الانتخابات المقبلة، وبدأ توزيع صور له بربطة عنق في الجنوب، وأخرى بالزي الوطني الشمالي، ولحية مصبوغة بالحناء. قال كبيرو يوسف إن صوره في الجنوب عرضته لانتقادات الإسلاميين على رغم انه محسوب عليهم، الأمر الذي استغلته الصحافة التي أحاطت تحركات حاكم زنفرا بانتقادات حادة، تجاوزت الشأن العام إلى شؤون الحاكم الشخصية. فعندما حملت زوجاته الأربع، تسرب الخبر إلى الصحافة، وصدّرت إحداها صفحتها الأولى بعنوان:"أربع نساء يحملن من والي زنفرا"من دون الإشارة في العنوان إلى أنهن زوجاته، الأمر الذي أثار استياء الشماليين جميعاً! لكن الإسلاميين الذين يحظون بتأييد شعبي كبير بوصفهم في نظر الشارع"حماة الشريعة"، لا يهتمون كثيراً بالخلفية الإسلامية للمرشح، بقدر ما يهمهم ألا يكون ضد نشاطهم الديني في شكل صريح، وأن يكافح الفساد الذي جعل ثروة البلاد في أيدي مجموعات قليلة، وهو ما ادى الى اتساع رقعة الفقر والهجرة من البلد وانهيار البنية التحتية، وإلى إغلاق المئات من المصانع، وهجرة الثروات إلى الخارج. رتبة جنرال تساوي التحضير لانقلاب البندقية والموت ... جواز المرور إلى كرسي نيجيريا تتألف نيجيريا من 38 ولاية، يسكنها نحو 150 مليون مواطن، وتشهد بعض الولايات كثافة سكانية لافتة مثل لاغوست، وكانو، إذ يعيش في الأخيرة نحو 15 مليون شخص. هذا التعداد السكاني الهائل الذي يجعل من نيجيريا أكثر دول أفريقيا اكتظاظاً، كان يمكن ان يكون عامل رخاء واستقرار في الناحية الاقتصادية، لولا أن امتلاك جيشها للكلمة الفصل في بقاء الرئيس أو رحيله أطاحت بكل رؤسائها إما في السجن أو في القبر، حتى غدت الدولة الافريقية الأولى من حيث عدد الانقلابات العسكرية، يساعدها في ذلك امتلاكها أكبر جيش في غرب أفريقيا. فنيجيريا التي غادرها المستعمر الانكليزي عام 1960 مسنداً رئاستها إلى أنمدي أزكوي، اطيح بعد خمس سنوات برئيسها في انقلاب دامٍ عام 1966، على يد الجنرال ايرونسي من الجنوب الذي أبقى على الرئيس المنقلب عليه حياً، وقتل رئيس وزرائه المسلم وآخرين. لكن ايرونسي لم يتمتع بالكرسي طويلاً، إذ قام الشماليون بانقلاب انتقامي ضده عام 1969 ونصّبوا يعقوب جوان خلفاً له حتى 1974، قبل أن ينقلب عليه هو الآخر الجنرال الشهير مرتضى أحمد رفاعي، بحجة عدم التزام يعقوب مبادئ الحكم، التي تنص على تنظيم انتخابات حرة، وتسليم السلطة إلى حكومة مدنية. ومع أن مرتضى لم يقض أكثر من عام ونصف العام في الرئاسة، إلا أنه خلف إرثاً طيباً لنيجيريا، واحتل منزلة لا مثيل لها في نفوس النيجيريين، حتى غدا الرجل الثاني بعد عثمان بن فودي الذي تفخر به نيجيريا، وهو الذي أقرّ نقل العاصمة من لاغوس إلى أبوجا، التي كانت أرضاً خلاء، وقد اختيرت عاصمة باعتبارها في الوسط بين الشمال والجنوب والشرق والغرب، على عكس لاغوس في أقصى الجنوب. وقبل نهاية عام 1975، قضى مرتضى في محاولة انقلابية فاشلة، وتسلم بعده نائبه أوباسانجو رئيس نيجيريا الحالي الرئاسة، وأعدم كل المشاركين في المحاولة الفاشلة، بما في ذلك المذيع الذي تلا نبأ الانقلاب تحت تهديد الانقلابيين! وبعد أربع سنوات سلّم أوباسانجو مقاليد الرئاسة الى حكومة مدنية منتخبة برئاسة الشيخ عثمان علي شقاري عام 1979، تنفيذاً لوعد الشهيد مرتضى، كما يطلق عليه النيجيريون، لكن شقاري لم ينه الدورة الثانية التي فاز فيها أيضاً، إذ أطيح في انقلاب آخر عام 1983، بعد أن هبط باقتصاد البلاد إلى مكان سحيق وأغرقه في الديون، ورحل الأجانب من دول الجوار والعرب الذين كانوا يمثلون حينها الأيدي العاملة ومصادر الثراء، الأمر الذي أحدث هزة عنيفة في الاقتصاد النيجيري. غير أن شقاري لم يلبث في السلطة بعد خطوته طويلاً، ففي نهاية العام نفسه أحدث أسطورة نيجيريا الحديثة الجنرال محمد بخاري زلزالاً في حكومته وأطاح بشقاري، وشرع أمام أنصاره والضالعين في الرشاوى والفساد، المحاكم، وأعلن إلغاء العملة النيجيرية، ولم يمهل أصحاب الأموال غير أسابيع، وخاض مع الأثرياء حرباً ضروساً بسبب سؤاله إياهم عن مصادر ما يزيد على 5 آلاف نيرا من ثروتهم، حتى غدا أغنياء الأمس فقراء اليوم التالي بعد تبديل العملة، وأودع المئات منهم السجون والمستشفيات! لكن بخاري بخطوته تلك ثأر للنيجيريين البؤساء والفقراء، وترك للبلاد بشهادة الجميع عملة ذات قيمة، وشبكة فائقة الجودة من الطرق السريعة، وشوارع نظيفة، واقتصاداً قوياً، وجيوباً فارغة من المال العام، ورهبة للقانون، بفضل"ساحات الإعدام التي أقامها في الولايات لقطاع الطرق والمعتدين"، حتى غادر نيجيريا بعد أقل من عامين، وهي توشك أن تعود إلى سابق عهدها قبل شقاري. إلا أن وزير دفاعه إبراهيم بابانجيدا قوض حكمه بانقلاب عسكري، إذ كان بخاري في إجازته عندما أعلن بابانجيدا نفسه رئيساً للبلاد، باعتباره أعلى شخصية بعد بخاري. وهكذا ظل بابانجيدا جاثماً على رئاسة نيجيريا من 1985 إلى 1993 وخلف لها إرثاً ثقيلاً من الفساد، فيما سخر إمكاناته الذاتية في حماية نفسه وكرسيه من مصير زملائه من الرؤساء السابقين، وتمكن من إجهاض ثلاثة إنقلابات ضده، ترك على إثرها مقعد الرئاسة، بعد إحساسه بسخط الشارع النيجيري عليه. عند ذلك عين وزير دفاعه الجنرال ثاني أباشا حكومة انتقالية برئاسة مدني اسمه شيف شونكان، لكن بعد أشهر ازداد الأمر سوءاً فأعلن أباشا نفسه رئيساً للدولة، الى ان قضى فجأة في ظروف غامضة عام 1998. تسلم بعده مقاليد الحكم أعلى الموجودين رتبة عسكرية بحسب العرف النيجيري وهو عبدالسلام أبوبكر، الذي نظم انتخابات ديموقراطية فاز فيها الرئيس السابق الجنرال أوباسانجو عام 1999. وفي الدورة الثانية عام 2004 قيل إن الرئيس السابق محمد بخاري فاز في الانتخابات، وقضت المحكمة العليا بعد مرافعة بين الاثنين بخاري وأوباسانجو بأن الأخير هو الفائز بدورة ثانية. وبعد رفض البرلمان تعديل الدستور المقترح من أوباسانجو ليسمح له بولاية ثالثة، يظل مستقبل نيجيريا السياسي حتى الآن غامضاً، أمام قرب موعد الانتخابات، ورغبة أوباسانجو في الاستمرار في الحكم، وتلهف الجنرالات السابقين إلى كرسي الرئاسة من جديد، وسخط الشماليين الشديد على حكومتهم الراهنة، في وقت لم يعرف بعد فيه رأي الجنرالات الميدانيين داخل المؤسسة العسكرية في كل ما يجرى!