أصدرت وزارة الكهرباء العراقية في حزيران يونيو الماضي الخطة المركزية للاعوام 2006 - 2015 للاطلاع عليها او تحميلها يرجى زيارة الموقع www. Throughthepowerlines.125mb.com وكان أشير الى وجود الخطة اكثر من مرة في التقرير الاميركي نصف السنوي للمفتش العام المنتدب لمشاريع العراق في تموز يوليو، وان كانت الخطة نفسها وتفاصيلها محدودة التداول في العراق. يأتي المقطع الثاني من المقدمة للخطة بأول عوامل الشك بصدقيتها او الأمل في تحقيق أهدافها حيث اشترطت توفير أربعة عوامل أساسية مجتمعة لإنجاحها: - توفر التحقيقات المالية. - توفر مصادر الطاقة. - توفر العنصر الفني البشري. - توفر العنصر الأمني. - ولا تعدو هذه العوامل، على ما يبدو، كونها أعذاراً استباقية لتبرير فشل الخطة المتوقع أصلاً، حيث من المفروض في أي مشروع تقرير مهني من هذا النوع ان يحدد الصعوبات والموانع المتوقع مجابهتها للتغلب عليها او الالتفاف حولها بدل من ان يلمح الى عدم إمكان تطبيقها منذ البداية. - لا تأتي الوثيقة بأي جديد حول خطة العمل للسنين العشر المقبلة فهي استمرار لذهنية التخطيط ذاتها والتي سيطرت على ادارة تجهيز الكهرباء في العراق منذ ستينات القرن الماضي، وقبولها بالتفكير التقليدي السائد كقواعد منزلة لا يجوز الخروج عنها. فقد جاء التقرير خالياً من أي مستندات او دراسات أو تحليلات للأوضاع المستجدة في البلد منذ ذلك الوقت وانعكاساتها على عمل المنظومة الكهربائية الذي لا يحسد عليه حالياً. فإضافة الى مرور البلد بثلاثة حروب مدمرة كان لكل منها آثاره التدميرية على المنظومة، وبدرجات متفاوتة. فهناك الأعمال التخريبية وشبه اليومية حالياً وللسنوات الثلاث الأخيرة التي تتعرض لها المنظومة. ومع ذلك وعلى سبيل المثال لم تأت الخطة حتى الى ذكر وجود هذه الحوادث ولو لمرة واحدة في أي من صفحاتها. وبالطبع لم تقم الخطة باحصاء هذه الحالات وتحليلها للاستفادة من النتائج كأحد العوامل المستخدمة لتحديد اماكن تواجد محطات الكهرباء للتوليد او التحويل، ومواصفاتها ومواصفات الخطوط الكهربائية ومساراتها في المشاريع الكهربائية المستقبلية. إذ يتوقع معظم المحللين الحياديين والمطلعين استمرار حالتي الفوضى وغياب القانون لبضع سنوات بعد، إن لم نقل على امتداد العقد المقبل او ما بعده. إضافة الى اعمال التخريب ونهب الكهرباء وممتلكات المنظومة العامة، تفادت الخطة ايضاً ذكر عوامل أساسية كثيرة اخرى تؤثر على سير العمل في السنوات المقبلة منها: - تقويم وتقدير للعلاقات المستجدة بين السلطات المحلية التي حصلت اخيراً على حقها في ابداء الرأي والتصرف، وبين الادارة المركزية لقطاع الكهرباء والتي سببت خلافات في توزيع طاقة الكهرباء وتوفير الحصص المخفضة للمناطق المختلفة في البلد. - يغيب عن الخطة أي تقويم للقدرات المشيدة حالياً والقدرات المتوافرة لتجهيز المواطنين بالكهرباء. وبهذا لم تأت الخطة بأي تحليل للفروقات وأسبابها وطرق تضييقها. - لم تبين الخطة أي ارقام لكلفة انتاج الكهرباء او نقلها او توزيعها في البلد. وهذه معلومات اساسية لدى مؤسسة تعرض مصداقيتها لتبيان مؤهلاتها للتمويل من المال العام او الخاص. لا تتضمن الخطة تفسيرات او عرض حلول للمشكلات الحادة التي تعاني منها المنظومة، تتعلق بالفروقات بين نوعيات وكميات الوقود التي تزود بها محطات توليد الكهرباء، وبين الحاجة الحقيقية لتوليد الطاقة كمّاً ونوعاً. - تفتقر الخطة الى خرائط أو مخططات توضيحية للمنظومة الكهربائية لغرض وضع الأسم على المسمى لما هو موجود، وما يزمع تحقيقه، وتبيان توزيع الاحمال في مختلف مناطق البلاد لتوضيح التوزيع المقترح للمشاريع المستقبلية وتحديد مواقعها. - يغيب عن الخطة أي جهد لدرس الانتاج الخاص للكهرباء في البلد لتقصي تفاعلاته مع المنظومة العامة للكهرباء واقتصادياته ووقعه على البيئة والسلامة والصحة العامة. كذلك لم تتناول الخطة بشرح مناسب أياً من الجهتين الادارية والمالية لتشغيل المنظومة. فالى جانبه ذكر الحاجة الى 23.3 بليون دولار بالعملة الصعبة لفترة العشر السنين الآتية: - لا تحدد الخطة ان كان هذا المبلغ يتضمن المنح أو القروض الخارجية أو الفوائد المستوجب دفعها. كما لا تحدد إن كان هذا المبلغ من اجل التجهيز فقط أو للحاجات الضرورية الأخرى الإضافية، كتكاليف الإنشاء والمواد الاحتياطية والخبرات، ولا إن كان هذا المبلغ يضمن الطاقة الكهربائية المستوردة وكذلك الوقود الاجنبي التي يحتاجها القطاع في هذه الفترة. - لا تذكر الحاجة للتحويل بالعملة العراقية من أجل تغطية كل تكاليف الانشاء أو جزء منها ونفقات التشغيل والصيانة والاعباء الادارية. لم تأت الخطة على أي ذكر للهيكلية التنظيمية للادارة التي ستكون مسؤولة عن التصرف بهذه المبالغ الكبيرة. - ولم تشر كذلك الى أية ميزانية أو جدولة للمصاريف والايرادات خلال الفترة تحت الدراسة. يشار الى أن القروض والمنح الخارجية سواء بين تلك التي قدمتها الحكومة اليابانية، أو بواسطة برنامج الأممالمتحدة، قد أدرجت بشكل صحيح وهي تبلغ بالإجمال 632.7 مليون دولار ويتم التعامل معها من خلال وزارة التخطيط، أما ذكر المبالغ التي خصصها أو سيخصصها الصندوق الأميركي للاغاثة واعادة الاعمار في العراق فقد غاب كلياً. ويشير تقرير نشر أخيراً على الانترنت، الى بعض المشاريع المستمرة والتي سيكمل صرف مبلغ 1.13 بليون دولار عليها بعد حزيران 2006، فيما ينتظر تخصيص مبلغ 640 مليون دولار بحلول أواخر أيلول سبتمبر 2006، ويتم التعامل بهذه المشاريع والتخصيصات مباشرة بين وزارة الكهرباء وموظفي الادارة الأميركية المقيمين في بغداد، ويجري اعلام وزارة المال العراقية بها فقط عند انتهائها بهدف تخصيص مبالغ لها للتشغيل والصيانة. ولعل من الغريب التغاضي عن ذكر خدمات مشاركة مهمة في منظومة الكهرباء العراقية، لا سيما أنها تقع في الفترة الزمنية التي تتناولها الخطة. تتميز معظم النصوص والجداول والمؤشرات البيانية التي جاءت لتوضيح الخطة، بالنقص أو التشويه أو الابهام، حتى انها في بعض الاحيان تدل عن جهل بالمعطيات الأولية في صناعة تجهيز الكهرباء، فمثلاً: -لا تميز الجداول والبيانات بين الانتاج الكهربائي الذي يتم في محطات التوليد، وبين ما يجهز للشبكات أو للمستهلكين بحيث يبلغ الفارق بين القدرة المولدة في المحطات وما يجهز للمستهلكين في العراق حوالى 30 في المئة. - تم توحيد أرقام الطاقة المستوردة من الدول المجاورة مع الطاقة المولدة محلياً، وهو أمر مستغرب حيث يشوش أمر تحميل المسؤولية في أي تقصير في الاداء، ويخلط بين تكاليف الانتاج المحلي والمستورد. - جاء في المخطط البياني في الصفحة 23 ان انتاج الكهرباء سيزيد عن الطلب بعد العام 2009، وهذا غير ممكن في صناعة انتاج الكهرباء. تبين الخطة أيضاً مخططات ومعلومات تناقض المعلومات التي يعرفها الجميع أو المثبتة في سجلات من مصادر موثوقة. فمثلاً يبين تطور القدرة التوليدية والاهمال للسنوات الماضية في الصفحة 24، ان البلد لم يمر بفترة انقطاع في التجهيز الكهربائي بعد حرب 1991 ولسنتين بعدها. وأن مستوى الحمل الكهربائي الذي كان 5000 ميغاوات قبل تلك الحرب، قد ارجع الى هذا المستوى في 1993 ولكن احد تقارير الاممالمتحدة الذي استند الى معلومات من مسؤولين عراقيين افاد بأن الطاقة المتوفرة في العام 1993 شهدت ارتفاعاً الى حوالي 3750 ميغاوات فقط، أي الى حوالى نصف الطاقة التي كانت متوافرة قبل حرب 1991. وكذلك تؤكد كل التقارير الصادرة عن السلطات الاميركية ومسؤولين في وزارة الكهرباء العراقية ان الطاقة التوليدية في العراق قبل نيسان 2003 كانت بحوالى 4000 ميغاوات وليس كما يظهرها المخطط في صفحة 24 كونها اقل بقليل من 6000 ميغاوات. ويلاحظ ايضاً وجود بعض التناقضات والاهمال في اللوائح وجداول المعلومات التي جاءت في الخطة: - يبدو من جدول محطات الكهرباء أن بعضها لا يجهز من أي مصدر معين، ومن جدول مصادر الوقود بأن بعضها لم يكن موجهاً الى محطة كهرباء معينة. - تظهر موازنة الكهرباء المستقبلية ان الاكتفاء الذي في الاحمال الكهربائية سيتم في العام 2009. ولكن استيراد الكهرباء سيقتصر على العامين 2006 و2007 300 و312 ميغاوات على التوالي. ولن يتم استيراد كهرباء في عام 2008 على رغم النقص الكبير الذي يتوقع حصوله في ذلك العام. - تظهر الموازنة بانعدام الحاجة الى استيراد الكهرباء في العام 2009 وما بعده. لكن الوزارة اما وقعت عقوداً او تفاوض حالياً على عقود لاستيراد الكهرباء من الدول المجاورة وبأسعار باهظة، تصل مجموعة الى 1900 ميغاوات كما جاء في تقرير الخطة. وكون بعض هذه العقود ان لم تكن كلها قد وقعت على اساس"خذ او ادفع الثمن"ولسنوات عدة، لم يأتِ أي شرح لسبب الاستمرار في توقيع عقود جديدة في الوقت الذي لا حاجة لها بعد سنتين من الآن. ويلاحظ كذلك كون معظم الارقام التي عرضت في جداول الموازنة الكهربائية واستندت اليها التوقعات، اعتمدت على افتراضات لا واقعية وغير مدعومة بالدلائل وتتضمن: - تنفيذ كل المشاريع المذكورة في الاوقات المحددة لها. - عمل كل المولدات بحسب الطاقة المصممة لها وهي عادة ظروف نموذجية تختلف عن الوضع المناخي في العراق. - لن يحدث أي توقف غير مريح وفي أي وقت من الاوقات سواء كان ذلك لأسباب فنية او تدخلات خارجية طبيعية او بشرية. - توفر كل انواع الوقود في الكميات المطلوبة والمواصفات الفنية المطلوبة وفي الاوقات المحددة. - على رغم أن الخطة العشرية لم تذكر كميات الكهرباء المستوردة او المتوقع استيرادها بواسطة تغذية الشبكة العراقية بالربط مع شبكات الدول المجاورة، فقد جاء ذكر نوعين مختلفين من انواع الربط. وكون الفرق بين النوعين جذرياً قد تغيب عن غير المختصين، يجب جلب الانتباه لها هنا: - النوع الاول من الربط والذي سمي بالربط التوافقي او التزامني وهو اتفاق تجاري يتطلب تطابق مواصفات الكهرباء المستوردة مع انظمة وقواعد تشغيل الشبكة الكهربائية المستوردة وخصائصها، ويتم تدقيق وقياس الكهرباء المستوردة ومراقبتا بلا انقطاع عند نقاط الربط. وفي حالة شذوذ الكهرباء المستوردة عن التحديدات المرسومة، تقوم ادوات الحماية بقطع التواصل فوراً لحماية الشبكة المستوردة والمستهلكين المرتبطين بها. أما النوع الثاني والذي سمي في الخطة بالربط المعزول، والذي تجهز بموجبه محافظتان حدوديتان عراقيتان هما دهوك وديالي، فسيتبع تجهيز الكهرباء لنظام الدولة المجهزة وقواعد شبكتها أي تركيا في حال دهوك وايران بالنسبة الى ديالي. ولم يمكن ايجاد سابق لهذا النوع من الربط الكهربائي بين دولتين مستقلتين. ولعل من الغريب ان يكون هذا النوع من العقود لاستيراد الكهرباء هو ضمن صلاحيات وزارة الكهرباء ممثلة للدولة العراقية، من دون تخويل خاص، حيث انها تعني ضمناً تخلي الدولة عن مسؤولياتها تجاه جزء من مواطنيها وتسليم أمورهم في ما يتعلق بالخدمات العامة المهمة الى مؤسسات خارجية. وقد كان بإمكان سلطات الكهرباء العراقية استخدام طريقة اخرى للربط وهو الربط غير المتوافق أو غير المتوازن وهو ما يستعمل في مناطق اخرى من العالم والذي تكون التغذية الكهربائية وفقاً لنمط ac- dc- ac حيث تدخل نوعية الكهرباء المستورد ضمن انظمة وقواعد الشبكة الوطنية المستوردة، ويبقى التجهيز خاضعاً للقوانين المحلية وتحت مسؤولية الدولة المستوردة. لكن هذا الخيار على ما يبدو لم يؤخذ في الاعتبار. جاءت الخطة العشرية للمنظومة الكهربائية للعراق بنقص صارخ في تقويم أو تقدير الوضع الحالي للمنظومة، والظروف الراهنة التي يمر بها البلد، أو للتجارب السابقة أو الاحتمالات المستقبلية. وبهذا تكون الخطة أقرب الى تقرير مدرسي لوضع افتراضي. وكما يبدو فإن المراد من اصدارها لم يتعد الهدف الدعائي في خانة العلاقات العامة والترويج الشخصي، ولا يمكن اخذ أي من الاقتراحات المستقبلية كما جاءتها، على محمل الجد المستوحى من عنوان الوثيقة ومصدرها الرسمي. وكدلالة على ما جاء هنا، فبعد بضعة أسابيع من الإعلان عن وجود الخطة العشرية، تواردت في مناسبات عدة تصريحات صحافية عن اعتماد مشاريع جديدة تقدر بمئات ملايين الدولارات في مناطق عدة من العراق لم يكن لها أي ذكر في الخطة. فبعد اقل من أربعة أشهر من تاريخ الخطة، نشر في جريدة"الصباح"الحكومية أن وزارة الكهرباء تدرس"إنشاء محطة كهربائية على نهر الزاب بمقدار 1500 ميغاوات وهو مشروع ضخم. ولم تذكر في الخطة أي مقاييس. وفي الخبر نفسه تؤكد الوزارة عدم تنفيذها مشاريع لبناء محطات كهربائية بخارية على الفرات، نتيجة التوقعات بانخفاض منسوب مياه النهر، وأن الوزارة ستعتمد بناء المحطات الغازية في المحافظات المحاذية للفرات، أي إلغاء اعتماد إنشاء ثلاثة محطات كهربائية ذكرت في الخطة سعتها الكلية 4080ميغاوات. وقد لا يخفى على أي مطلع على شؤون الطاقة مضاعفات هذا القرار الاستراتيجي، ليس على تشكيلة المنظومة الكهربائية مالياً وإدارياً وفنياً وحسب، ولكن على مضاعفاته على صناعة النفط والغاز في التصفية والتوزيع داخل العراق.