يعيد جورج بوش كتابة التاريخ - أقلّه كما يفقهه هو بعد أن ساوى بين مغامرته في بلاد الرافدين والصراع ضد النازية والشيوعية. فبوش زعم بأن الحرب على العراق مشروع نبيل فُرض على الولاياتالمتحدة الجريحة. وبحسب الرئيس الاميركي، يجوز التشبيه بين العنف في العراق وهجوم التيت الفيتنامي، وهذا الهجوم كان بداية نهاية حرب فيتنام، في كانون الثاني يناير 1968. ولا شك في أن دجلة ليس الميكونغ، فمعركة التيت هي هجوم شنه الفيتناميون الشماليون وال"فييت كونغ"الشيوعيون الفيتناميون وحركة التحرر الوطني على الأميركيين وحلفائهم الفيتناميين الجنوبيين. والمجازر اليومية في العراق تختلف عن معركة الپ"تيت". وتفوق حصيلة ضحايا الحرب الطائفية بين السنّة والشيعة، حصيلة الهجمات على القوات الاميركية. ولكن أوجه الشبه بين الحادثتين قوية. فعملية الپ"تيت"أظهرت طبيعة الحرب الدموية أمام أعين الأميركيين العاديين. وعلى رغم خسارتهما العسكرية، انتصر الشمال، وقوات"فييت كونغ"، انتصاراً نفسياً ضخماً. ودارت فصول هجوم"تيت"في بداية معارك انتخابية ضارية، ولعلها كانت الاكثر ضرواة في تاريخ الولاياتالمتحدة الحديث. واليوم، قبل اسبوعين فقط من انتخابات الكونغرس الأميركي النصفية، هبت رياح البلبلة مجدداً. وتخبو فضائح الفساد، بعد أن أفضت الى سجن نائبين جمهوريين، وفضيحة مارك فولي، ممثل ولاية فلوريدا، الجنسية، وسخرية مساعد بوش السابق من المحافظين المسيحيين، وهم جمهور الحزب الجمهوري الملتزم، أمام المأزق العراقي. وقلبت مسألة العراق موازين الانتخابات الأميركية العادية. فللمرة الأولى في تاريخهم، يشدد الجمهوريون في برنامجهم على الأمن القومي، ويتحاشون ذكر الحرب. وعلى خلاف الجمهوريين، يشدد الديموقراطيون على انتقاد ما يجري في العراق في خطاباتهم.ويجر تدهور وضع العراق معه وضع الجمهوريين وآمالهم للسابع من تشرين الثاني نوفمبر. وكان بعضهم يفكر، قبل أسابيع، في إمكان حصول الديموقراطيين على المقاعد الخمسة عشر التي يحتاجونها للسيطرة على مجلس النواب. وأما اليوم فيقال ان العدد ارتفع إلى 25 أو 30 مقعدا في مجلس النواب، وإليها سيطرة الديموقراطيين المحتملة على مجلس الشيوخ. فما العمل؟ إن اتيح لبوش، الآن، وقبل الانتخابات، أن يغير الحال في العراق، فهو قد ينتهز الفرصة. ويوافقه ثلثا الأميركيين الذين باتوا على يقين بأن الحرب كانت خطأً. بيد أن الحقيقة المرة تقضي بالإقرار بأن لا خيارات جيدة أمامنا. ومن ناحية أخرى، لا ريب في أن القوات الأميركية هي الرادع الوحيد الذي يمنع السنة والشيعة من إرسال جيوشهم الخاصة إلى المعركة، وتحويلها من حرب أهلية خافتة إلى حرب شاملة وكبيرة. وعلى وجه العمل العسكري، فالحجج التي تؤيد تعزيز القوة الأميركية في العراق هي على قدر قوة الحجج التي تدعو الى إجلائها... ولعل أفضل فرصة تغيير في السياسة هي، بعد الانتخابات، تقديم مجموعة دراسة العراق، لجنة جيمس بيكر الخلاصة التي أنهت إليها في كانون الأول ديسمبر أو كانون الثاني يناير. فبيكر يدين بالولاء لعائلة بوش وهو قريب منها، ولكنه صرح أن بعض التوصيات لن ترضي البيت الأبيض ومنها، على ما يبدو، اقتراح بمفاوضة الولاياتالمتحدة، إيران وسورية على مستقبل العراق. وكان الرئيس العراقي، جلال الطالباني، قال إن التقرير يؤذن بنهاية العنف في أشهر قليلة. ولكن الرئيس بوش بنى سياسته على مبدأ يمنع من مفاوضة الأشرار. وهل يتوقع أن يحدث مثل هذا التغيير في الوقت الذي تشن الولاياتالمتحدة حملة لفرض عقوبات، بواسطة الأممالمتحدة، على إيران النووية؟ ويضع هذا في الاحتمال الآخر، وهو إقالة دونالد رامسفيلد. والأرجح ان رامسفيلد، وزير الدفاع صاحب الولاية الأطول منذ روبرت مكنمارا، تارك منصبه في نهاية العام، أو بعدها بقليل. ومثل سلفه مكنمارا أصبح رامسفيلد رمز حرب مكروهة وكبش محرقتها. ولكن المشكلة الأساس واحدة: فإقالة وزير دفاع بوش، وهو لازمه في السراء والضراء وأبي غريب، قرينة لا لبس فيها على اعترافه بخطئه في شن الحرب. وكلنا يعلم أن الرئيس يكره الاعتراف بخطئه، وتُقيم الحرب واقعها السياسي الخاص، وبتحويل الخطأ الى ملاحظة تاريخية هامشية. فعلى مثال هجوم التيت، قد يبعث العنف في العراق فوضى سياسية في الولاياتالمتحدة ليست انتخابات نصف الولاية إلا إشارتها الأولى. عن روبرت كورنويل ، "إندبندنت" البريطانية، 20 /10/ 2006