القوة العظمى الوحيدة مريضة. هيبتها تتآكل في شوارع العراق. وفي وديان افغانستان ايضا. الهيبة ان لا تضطر الى استخدام قوتك. ان يكفي مجرد التلويح بها. أو ان تستخدمها بصورة ناجحة وحاسمة في المكان الصحيح والتوقيت الصحيح. وان تكون قادرا على اقناع العالم. وان تبرر النتائج المجازفة والاثمان. وتقول دروس التاريخ ان الدول الكبرى كالافراد. ينتابها الغرور وتسقط في سوء التقدير والمغامرات الباهظة. يمكن القول ان جورج بوش اخذ بلاده الى حربين في عالم لا يعرفه. عالم شهد في العقدين الماضيين تحولات كبيرة وخطيرة. لم تعد"الفوضى العارمة"في العراق سرا. افغانستان بدورها تتجه نحو فوضى مشابهة. وها هي القوة العظمى الوحيدة اسيرة في بغداد وكابول. الحسم مستحيل. الانتصار لم يعد وارداً. الانسحاب كارثة والبقاء كارثة. تستعير الاممالمتحدة احترامها من قدرتها على احترام مبادئها. تستعير فاعليتها من توافق الدول الخمس الدائمة العضوية على احترام هذه المبادئ. تستعير هيبتها من قدرتها على الاستعانة احيانا بهيبة القوة العظمى لتأديب"الدول المارقة"التي تهدد الأمن والسلام الدوليين. في العالم الذي ولد من ركام الاتحاد السوفياتي باتت الاممالمتحدة تعيش في عهدة الولاياتالمتحدة تقريبا. التلويح بالفصل السابع يعني عمليا التلويح بالقوة الاميركية وان جاءت تحت الراية الاممية. وفي عالم القطب الواحد يؤدي تآكل الهيبة الاميركية الى تآكل هيبة الاممالمتحدة التي تصاب بالاعراض نفسها حين تتولى الولاياتالمتحدة تأديب العصاة بلا تفويض دولي كما حصل في العراق. في اطار هذه الصورة يمكن اتهام ديكتاتور كوريا الشمالية بالبراعة. قراءته لوضع اميركا في العالم دفعته الى الاستنتاج ان الوقت ملائم لتسديد ضربته. الولاياتالمتحدة تستنزف حاليا في حربين باهظتي التكاليف للهيبة والخزينة معا. وليس سراً ان الصقور في موسكو وبكين يشعرون بالغبطة في سياق الحسابات الطويلة الأمد. فلروسيا حساب مع الولاياتالمتحدة التي اقتربت من حدودها. وللصين حسابات حول توزيع المقاعد في نادي الكبار في العقود المقبلة. يمكن قول الشيء نفسه عن هجوم ايران الاقليمي والنووي. ما كان لكيم جونغ ايل ومحمود احمدي نجاد ان يخاطبا العالم على هذا النحو لو لم تكن ادارة بوش تتخبط في الوحل العراقي والافغاني. يصعب الاعتقاد ان بوش قادر على اقحام اميركا في حرب ثالثة. هذه الحقيقة اثرت ايضا على ثقل الاممالمتحدة في معالجة هذين الملفين الساخنين. يمكن كتابة فصول طويلة حول اخطاء ادارة جورج بوش وخطاياها. لكن تآكل الهيبة الاميركية ليس بالضرورة خبراً ساراً للدول الصغيرة وللتوازنات القائمة في مناطق حساسة من العالم خصوصا ان الانتصار لن يسجل في خانة دولة كبرى اخرى بل في خانة سياسات او مجموعات تظهر ممارساتها القديمة والمستجدة احتقارا صريحا لمبادئ الاممالمتحدة. كان يمكن ان يكون تآكل الهيبة الاميركية خبراً ساراً لو ساهم في تعزيز قدرة الاممالمتحدة على التعامل مع الازمات الدولية. الواضح هو ان العطب الذي يرشح ان يصيب صورة الولاياتالمتحدة سيصب في خدمة الاضطراب الدولي وعودة الدول الكبرى المحلية الى ممارسة شهياتها الاقليمية. تتحمل ادارة جورج بوش مسؤولية كاملة عن قيام عالم خطير نشأ بفعل غزو العراق والانحياز الدائم الى اسرائيل وتزويد الارهاب بذرائع اضافية لمتابعة هجماته. لكن العالم الذي يمكن ان ينشأ عن اصابة الدور الاميركي بعطب كبير يبدو اشد خطورة من العالم الحالي. ان تعطل دور الشرطي من دون بديل مطمئن لا يعد القرية الكونية بغير التفجيرات والترسانات والاحلام النووية. هذه القوة العظمى مشكلة عظمى مرة حين تكون قوية واخرى حين ترجع مثخنة من غرور ممارساتها.