بعد النهاية تستعيد انكلترا انجيلا كارتر بعد أربعين عاماً على بدايتها الأدبية بمسرحيتين وإعادة طبع ست من كتبها في الصيف المقبل. عندما توفيت عن واحد وخمسين عاماً اكتشف نقاد كثر كرماً بقي كتوماً أثناء حياتها. احدى أبرز كتاب انكلترا في القرن العشرين خسرت معركتها ضد سرطان الرئة في شباط فبراير 1992 فبيعت كل نسخ كتبها المتوافرة خلال أيام وثمانون ألف نسخة من"أطفال حكماء"التي أنهتها خلال مرضها. تصدرت قائمة الكتاب المقروئءين في الجامعات البريطانية، وبدأ اعداد أربعين أطروحة دكتوراه عنها، أي ما يفوق تلك التي تناولت كتاب القرن الثامن عشر بأكمله. لم ترشح كارتر مرة واحدة لنيل بوكر لكن موتها قدم لها الجائزة الكبرى، وضمن استمرار نشر اعمالها حتى اليوم. يقدم مسرح ليريك هامرسميث"ليالي في السيرك"عن لاعبة ترابيز تتحايل على الواقع وتمزجه بالفانتازيا. كارتر رأت نفسها مؤدية تملأ رواياتها بحيوية الكرنفال وألوان السيرك البهيجة. الكاتب الجيد هو الذي يجعل الزمن يتوقف، والموت نهاية كل القصص حتى لو لم يقل ذلك. شهرزاد، قالت كارتر، أدركت ذلك وبقيت تنسج قصة من أحشاء أخرى من دون أن تقول مرة واحدة:"هذه هي النهاية"."ليالي في السيرك"تمزج الواقع بالمجاز، وتعتمد الواقعية السحرية قبل أن نعرفها باسمها. أقنعة المهرجين تصبح وجوههم، القردة المدربة تتحول أساتذة جامعيين يكتبون عقودهم بأنفسهم، والرجل القوي الذي كان يدمن على الكحول ويضرب النساء يتعلم كيف يحب من الغناء. البطلة امرأة فتاكة من نوع آخر."الرغبة لا تعلي موضوعها بقدر ما تتجاهله كلياً لتعيد صوغه بالخيال"قالت كارتر."هكذا تستطيع المرأة ان تكون فتاكة، لأن الآخرين لا يرونها على ما هي عليه بل كإسقاط لشهواتهم المحرمة وبالتالي الفتاكة". ولدت في 1940 وكانت بين الأطفال الذين أجليوا الى الريف لإنقاذهم من الغارات الألمانية. عاشت مع جدتها في يوركشير وقرأت"كتاب الشهداء"المرعب الذي كان الكتاب الوحيد في بيوت البروتستانت الفقراء اضافة الى الانجيل. امتد العنف الى كتابتها في ما بعد وامتزج بالجنس، ورأت كارتر في كتب المركيز دو ساد مثالاً على ما تستطيع المرأة نيله من الجنس غير المرتبط بالانجاب. تسحق النساء كيفما اتجهن إلا اذا كن شريرات حقاً وتبعن قانون دو ساد وعشن بسعادة الى الأبد. خافت واشمأزت في آن من المرأة المعذبة، وكانت قسوتها مقياساً لخوفها. لم تر الاغتصاب جوهر العلاقة بين الرجل والمرأة كما نادت النسويات المتطرفات فهاجمنها عندما درّست في جامعة نيويورك في أواخر الثمانينات، وقاطعها قسم الدراسات النسائية هناك. بطلة روايتها"حب"تحاول أن تكتسب التعبير"الفارغ، الأبيض، الجامد"للنساء في الصور البونوغرافية، وإذ تقبل على حملة من ممارسة الجنس تصفها بپ"الاغتصاب المتبادل". نالت جائزة سومرست موم في آخر عشريناتها وذهبت بتوصية لجنتها بالسفر الى اقصاها. تركت زوجها وذهبت الى اليابان لتلتحق بعشيق قيل انه كان كورياً. نبذ اليابانيون جيرانهم في الشمال وقالت:"كنت الساكنة الأولى الملونة في الشارع". كانت طفلة بدينة وتمردت بفقدان الوزن المرضي والزواج باكراً، ورأت اليابان فرصة للعيش خارج الحضارة اليهودية ? المسيحية وإعادة ابتكار نفسها. لم تشعر بانتماء كامل داخل وطنها، وكانت حرة في البحث عن ذاتها في اليابان التي لم تقيدها بمشكلات الانتماء. تنقلت بين أعمال عدة بينها مضيفة في مشرب و"بالكاد أحسست ان صدري لي". يشك البعض في أن تكون اقتربت من الدعارة، وفي قصة لها وصف دقيق لبائعة هوى تلتقط من الشارع وتؤخذ الى غرفة فندق رخيص مزودة بالمرايا. في أعمالها معرفة راسخة بالجسد وتغير العواطف من حب الى جنس الى قسوة. كتبت عن خليط السادية والمازوشية في اليابان خصوصاً في مجلات الرسوم المتحركة."لماذا لا تقاوم هذه الفتاة الاغتصاب الجماعي؟ لأنهم احتاطوا للأمر وخلعوا أطرافها أولاً". وعن استجابة الرجل الياباني للجنس:"الجانب الآخر للقمر، اللغز المطلق، الشيء الوحيد الذي لا أستطيع معرفته بتاتاً". عكست القصص الخرافية لتزود النساء بحصة فيها، وبدلاً من ان تخاف البطلة في"ليلى والذئب"من الحيوان - الانسان تشاركه الفراش بلهفة ولا يلحق بها أذى. في"القط ذا الحذاء العالي"يساعد الهر الناطق صاحبه على النوم مع المرأة التي يرغب فيها بعد أن ينام هو مع هرتها. قالت ان المتعة تنتقد دائماً في بريطانيا، ورفضت النسوية الطهرانية التي اعتقدت ان المتعة تعني تسليم المرأة للرجل. صغرها زوجها الثاني بثمانية عشر عاماً، وبدا فارق العمر أكبر عندما توقفت عن صبغ شعرها الأبيض. شاهدته يصلح سطح البيت قبالتها وطلبت منه دهن السقف عندها ففعل ولوّن حياتها. دعته"ولدي"وبات أدبها أقل حدة بعدما أنجبت ابنها الوحيد الكزاندر الذي تركته طفلاً في التاسعة. تفاصيل نجمة المعرض الجديد لناشينال غاليري، لندن، امرأة متعالية، شامخة الأنف، في فستان أسود غيّر حياتها وحياة الفنان معاً."أميركيون في باريس 1860 1900"يبدأ في الثاني والعشرين من شباط وينتهي في الواحد والعشرين من أيار مايو. سيتوقف الزوار العارفون طويلاً امام المرأة التي دعاها جون سنغر سارجنت مدام اكس ورآها ناقد مصدوم أشبه بغوريلا. كانت فرجيني إميلي افينيو اميركية فقيرة تزوجت في التاسعة عشرة فرنسياً ثرياً تجاوز الأربعين. سخا المصرفي البشع على الصبية الجميلة التي حولت نفسها لوحة قبل ان ترسم. عجب عارفوها من بياض جلدها الناصع خصوصاً في رقبتها، وبدت كأنها تمشي كالراقصات الصينيات من دون ان تمس الأرض. فتن سارجنت 1856 - 1925 الذي ولد في فلورنسا وعاش في أوروبا بمواطنته وطلب رسمها فرفضت مراراً لفرط كسلها. أقنعها أخيراً في شتاء 1882 وبدأ يرسمها في الصيف وهو يكافح"الجمال الذي لا يرسم والكسل الذي يثير اليأس". أدارت رأسها دائماً فرسمها بالقلم والألوان المائية، راكعة على كنبة أو جالسة الى مائدة، ودائماً بعينين بعيدتين تتجنبان عينيه. ذات يوم التقط اللحظة التي أدارت فيها رأسها فكانت اللوحة الشهيرة التي صدمت أهل باريس الفائقي الحساسية، ودفعت الفنان في ما بعد الى اجراء تغيير منافق بسيط التأمت معه المشاعر الدامية. انزلق شريط الفستان الذهبي عن الكتف الأبيض اليمين فشاهدت باريس في 1884 امرأة تقدم نفسها لمن يستطيع دفع الثمن الباهظ. كره النقاد اللوحة"الفاشلة"والنساء مدام إكس اللعوب، وحضرت هذه لتحتفل بظفرها لكنها غادرت دامعة عندما فوجئت برد الفعل. طلبت من سارجنت انزال اللوحة وعندما رفض لم تدفع ثمنها. كان فناناً طموحاً في الثامنة والعشرين وتعثر عامين بعد المعرض. انتقل الى لندن حيث عاش حتى موته، وجذبت لوحته المشاكسة البريطانيين والأميركيين فبات أحد أشهر رسامي الهيئة في عصره. مدام غوترو دافعت عن شرفها بلوحة كلاسيكية عرضت في صالون باريس العام التالي وقوبلت بالتجاهل. بعد ستة أعوام شنت حملة اخرى بلوحة تبدو فيها بفستان أبيض انزلق شريط كتفه لكن رد الفعل تكرر. انعزلت وأمرت بتغطية المرايا في البيت، ومشت وحدها ليلاً على الشاطئ. توفيت في 1915 وباع الفنان"أفضل أعمالي"الى متحف متروبوليتان في نيويورك بعد أن أعاد رسم الشريط في مكانه. الرحلة روى حياته وهو يكبس أزرار الآلة الكاتبة بسبابة يده اليسرى، وإذا بسيرته تتصدر لائحة الكتب الأفضل مبيعاً في عشرين لغة. ولد روبن غاليغو في موسكو في 1968 مصاباً بالشلل الدماغي فخجل جده اغناسيو منه وخشي أن يؤثر على صورته. كان زعيم الحزب الشيوعي الاسباني المنفي، واغتنم فرصة وجود روبن في المستشفى ليخبر والدته انه توفي. سلّم الطفل الذي كان في شهره الثامن عشر الى ميتم رسمي، وعندما كبر لم يحاول البحث عن والدته التي اقتنع الجميع بأنها"عاهرة". لكنه غيّر رأيه يوماً. لا يمكن ان يكون جميع أفراد العائلة سيئين. صوّر فيديو عن نفسه وأعطاه لصديق روسي كان مسافراً الى اسبانيا. سلّمه هذا الى صحافي اسباني قرر أن يحقق فيلماً عن بحث شاب عن أمه. عملت هذه صحافية ومهندسة صوت في إذاعة اميركية في براغ، وكانت شفيت لتوها من السرطان عندما أعطيت شريط الفيديو في العام 2000، صدمت ولم تعرف اذا كان وجود ابنها أمراً عظيماً كما قالت ابنتها آنا أو لا. اتفقت مع روبن على اللقاء في محل دنكن دونت، وغضبت لأن الكاميرا تجسست على لقائها الأول معه من دون معرفتها."كان في حال هشة، يحتضر، وفي كرسي بعجلات بالية". رفضت عودته الى موسكو مع فريق التصوير وانتقل الى فرايبرغ، مدينة المعاقين النموذجية ليعيش معها ومع آنا، أخته من أمه. رفض والده لقاءه، وهو يفهم ما فعله جده وإن كان لا يحب السياسيين. سيرة غاليغو"أبيض على أسود"صدرت في بريطانيا عن دار جون ماري، وفيها بحث عن الجمال واللطف في أماكن الحياة المعتمة. يكتب بلا مرارة ويجد القدرة على التعبير المرح عن حياة قاسية وحيدة كوفئت بعد انتظار يائس دام ثلاثين عاماً.