السعوديون، ومن خلفهم الخليجيون، يترقبون سنوياً وتحديداً في شهر رمضان المسلسل الفكاهي"طاش ما طاش"، لكن ما حدث هذا العام كان المفاجأة المريرة، حيث بات المشاهد العربي لا يعرف أيهما الأصلي وأيهما التقليد، خصوصاً بعد أن رفع مخرج الأصلي، عامر الحمود، حدة التوتر والخلاف بما قدمه من وثائق وخطابات ومستندات ضد رفيقي دربه الممثلين الكوميديين عبدالله السدحان وناصر القصبي، على قناة"إل بي سي"اللبنانية، بما سماه"الحقيقة". وأي حقيقة تلك؟! كان الصراع في السنوات الماضية بين الثالوث المؤسس ل"طاش ما طاش"، الحمود والقصبي والسدحان، على أشده إلا انه لم يتجاوز حدود اللياقة والمحلية والوسائل الورقية، ولم يصل إلى الأطباق الفضائية العابرة للقارات، مثلما فعل أيضاً في حلقته الأولى تحت مسمى"هَلَسَاتْ"، فعندما يُقال فلان يهلس هلساً، فهو، بحسب اللهجة السعودية الشعبية الدارجة، تعبير عن عدم الصدق. ليس كل الحقائق تقال على الهواء، وتنثر عبر الفضاء، ليسمعها القاصي والداني في شكل لا يليق بمجتمع سعودي، له عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية متوازنة، إلا أن نار الغيرة الفنية دهمت عقل الحمود أخيراً ففجر قنبلة"غير ذكية"ضد زميليه السدحان والقصبي. ما حدث هو نشر غسيل للفن السعودي ومستوى العاملين فيه، وتأكيد على عدم قدرتهم على حل الخلافات الدائرة بينهم بالطرق الحضارية، بما يتناسب مع طبيعة مجتمعهم المائل إلى حلول"التسوية"دائماً. فعلاً نشر عامر الغسيل على الحبال، وعلق عليها الفواتير والمستندات والخطابات الصادرة والواردة، فيما اكتفى السدحان والقصبي بالصمت الموقت، إلا أنهما ربما يخرجان عن صمتهما الحالي في ما بعد، حينما يشاهدان كل حلقات"طاش - الأصلي"ليغمزا من خلالها وينتقدا الشكلين الفني والإخراجي. لا أعرف لماذا أصر الحمود على مسمى"طاش ما طاش - الأصلي"، فهل معناه أنه صنع في اليابان، والآخر"طاش 14""تقليد"صنع في تايوان. هل معناه أن اللغة العربية غير قادرة على استيعاب اسم جديد لفن كوميدي آخر؟ هل فعلاً قلت الأسماء في ذاكرة الحمود، ولم يعد يوجد بها إلا اسم"طاش"، وكأنه القنبلة النشطة والفاعلة القادرة على تحطيم وتهشيم كل مصطلحات اللغة العربية العريضة، وإضحاك الناس. نعم... فجرت حلقة"الحقيقة"جدلاً وأحيت مشكلة، شهدتها أروقة المحاكم بين الحمود والقصبي والسدحان منذ سنوات. أراد الحمود الهمز والغمز من خلال"الحقيقة"، ليؤكد للجمهور الخليجي أنه وراء بزوغ القصبي والسدحان، ولا يزال قادراً على بناء جيل فني سعودي جديد، وربما هو كذلك! لكن يا ليته حمل إلينا اسماً جديداً لا حاملاً على ظهره اسماً"عتيقاً". "الطاشين"يجمعهما التزامن الوقتي في العرض بعد صلاة المغرب، وتفرقهما قناتان متنافستان، فالأصلي على"إل بي سي"و"14"على"إم بي سي"، إلا أنهما تجمعهما بعض الأفكار المتقاربة النابعة من أوردة وشرايين الشارع السعودي ومشكلاته الاجتماعية المتشابهة، لكنهما يختلفان في وجوه الفنانين وأدائهم وخبراتهم التمثيلية وقدرتهم على سحب الضحكة من شفاه الجماهير. "طاش الأصلي"بدا موتوراً ومصاباً بشد نفسي وعصبي، فيما بدا"طاش 14"واثقاً جريئاً ومكتوباً بسيناريوهات أقوى، بل لامس في بعض حلقاته الأولى، التي عرضت حتى الآن، الخطوط الحمراء التي تعجز بعض الصحف عن نشرها وصوغها، مثلما كان في حلقة"إرهاب أكاديمي"، التي كتبها الباحث السعودي عبدالله بن بجاد العتيبي. وهو ما يعني أن"غير الأصلي"يكسب"الأصلي"، وهو ما تفعله البضاعة التايوانية والصينية"المقلدة"، كما يقال، في اكتساح البضائع اليابانية على رغم أصليتها وجودتها. أحد الظرفاء غمز من تنافس"الطاشين"بقوله:"أتمنى ألا تطش عيون السعوديين خلف الطاشات، وتصبح برامجهم ومسلسلاتهم"طشطشة"في"طشطشة"!!