اختلط ما يحمله شهر رمضان من روحانيات وصلة رحم وعطف على المسكين ورأفة بالفقير وغيرها من مزايا الشهر المبارك، بواقع الحياة العملية التي تصب في كل تفاصيلها في الاتجاه المعاكس. اختلاط يصنّفه المصريون بأنه دلالة على"الشيزوفرانيا"التي تطغى على مظاهر الحياة في مصر في الألفية الثالثة. وينبع هذا الشعور من التغييرات الطارئة على المجتمع المصري على اختلاف طبقاته الاجتماعية. ويقول محمد أنور 42 سنة، موظف مصرف:"تبدّلت معالم الشهر الفضيل فاتخذت مظهراً غريباً يتسم بالازدواجية". ويشرح أنور نظريته:"يحاول الناس الحفاظ على صبغة رمضان التي نشأنا عليها والتي يدعو إليها رجال الدين ويذكرنا بها آباؤنا وأمهاتنا لكن الطبع يغلب التطبع". ويضيف:"يوزّع العشرات من سائقي السيارات الأموال على صفوف عمال النظافة والمحتاجين، ولكن إذا تابعت خطوتهم التالية، تجدهم يشتمون في كل اتجاه ويطلقون الزمامير لاستعجال سائق آخر ويقذفونه بأفظع الشتائم. أو ينطلقون بالسيارة في سرعة هائلة معرضين حياتهم ومن حولهم للخطر". ملاحظات عدّة يبديها أنور على أسلوب التعامل في شوارع مصر، وهو أسلوب يراه مخالفاً تماماً لما ينصّ عليه الشرع. ويقول:"الملفت في محطات المترو أن الجميع يندفعون إلى داخل العربات. وبعد الفوز بمقعد ما، يفتح الراكب القرآن الكريم. ويغوص في قراءته، هرباً من عيون المسنين والعجائز والحوامل المرهقين والباحثين عن مقعد يقيهم التدافع الناتج من الازدحام". وتعتبر الولائم التي يتبادلها الأقارب، من المظاهر الثابتة والمميزة لشهر رمضان التي تعزّز العلاقات الأسرية. مظاهر احتفالية، بدأت تخبو في ظلّ غلاء المعيشة المتصاعد، وازدحام المواصلات، إلى جانب المشكلات الشخصية والعائلية والعملية. ياسمين حسين 30 سنة، كانت تمضي"الشهر"بين تلبية الدعوات إلى منازل أقاربها وأقارب زوجها واستقبالهم في منزلها إلى مائدة الإفطار أو السحور. لكن تقلّص عدد الدعوات أفقدها الإحساس بجو التجمعات العائلية المفعم بالحميمية و"الصخب الرمضاني"، إلاّ أن التقلص نفسه أكثر ملاءمة لميزانية البيت التي لم تعد تحتمل النفقات التي تحتمها الدعوات المتبادلة. ونفقات الولائم الرمضانية لا تمثل عبئاً على الجميع. إذ أن بعضهم استبدل الإفطار وسحور"البيزنس"بغداء أو عشاء العمل". ويتميّز روّاد هذا النوع من الإفطار والسحور بلغة موحّدة وهي لغة المال والصفقات، ومن أبرز روّاد هذه الموائد رجال السياسة ومتخذو القرار. وحدها لائحة الطعام الرمضانية المصرية لا تزال تحافظ على استمراريتها. ويحرص المصريون على اختلاف طبقاتهم الاجتماعية والاقتصادية على تنويع مائدة إفطارهم: من نكهات الفول المدمس المختلفة إلى المشاوي على أنواعها من اللحوم والطيور. مائدة الطعام ... بالمصري - الفول المدمس : صاحب الحضور الأقوى على مائدة شهر رمضان، قد يكون طبقاً رئيساً على مائدة الفقراء أو فاتح شهية على مائدة الأغنياء. - الكركديه، قمر الدين، التمر الهندي، العرق سوس والدوم... مشروبات رمضانية لا تخلو منها مائدة. - المخللات: فاتح شهية، ملازم الموائد الرمضانية. - طواجن الفرن تشهد انتعاشاً في هذا الشهر سواء الرز المعمر أو المعكرونة بالباشاميل أو الخضروات أو الجلاش أو الرقاقات. - المحاشي تحتل مكانة مهمة جداً مثل الكوسا والباذنجان والطماطم والفلفل المحشو بالرز واللحم المفروم أو ورق العنب. - الحلويات هي المجال الأكثر تنويعاً وتبدأ بالتمر المنقوع والخشاف والمشمشية والقراصيا والتين المجفف المنقوع في قمر الدين، مروراً بالمهلبية والرز باللبن وقمر الدين المأكول، انتهاءً بالحلويات الشرقية من بسبوسة وقطائف وكنافة وپ"أم علي".