في قاع الجلد خلايا صباغية تفرز مادة تعطي اللون للجلد، وتوقّف هذه الخلايا عن إفراز هذه المادة، يعرّض صاحبها لظهور بقع بيضاء من دون لون، يطلق عليها اسم مرض البهاق. والبهاق مرض مزمن لا يعرف أحد سببه الفعلي، لكن هناك نظريات حول تفسير المرض منها: - النظرية العصبية التي تفترض وجود خلل طارئ في الأعصاب المغذية للخلايا الصباغية، يؤدي الى اضطراب في وظيفة هذه الأخيرة، فلا تفرز مادة الميلانين الملونة للجلد. اما الحجة التي يسوقها مناصرو هذه النظرية، فهي أن مرض البهاق يشاهد بكثرة عند أولئك الذين تعرّضوا لأزمات نفسية وعصبية. - النظرية الوراثية التي تشير الى خلل جيني يجعل الخلايا الصباغية غير قادرة على إفراز صباغ الميلانين. وعلى ما يبدو ان العامل الوراثي يلعب دوراً ما في ظهور مرض البهاق، فالدراسات كشفت ان 40 في المئة من المرضى لهم تاريخ عائلي للإصابة بالبهاق. - النظرية المناعية، وتعد الأكثر ترجيحاً وقبولاً في الوسط العلمي، وفحواها ان جسم المريض يعامل الخلايا الصباغية معاملة الأجسام الغريبة عنه، اذ يقوم الجهاز المناعي بإصدار أوامره لصنع مضادات أجسام موجهة ضد هذه الخلايا مؤدية الى تخريبها، وبالتالي تظهر البقع الفاقدة للون في جلد المصاب. ومما يعزز هذه النظرية ان الباحثين استطاعوا عزل مضادات أجسام مضادة لصباغ الميلانين الملون للجلد في دم المرضى الذين يعانون من البهاق. عدا هذا، فإن المصابين بالبهاق كثيراً ما يتعرضون لأمراض مناعية أخرى كمرض الثعلبة وغيره. - نظرية الغدد الصماء حيث يشاهد مرض البهاق في شكل اكثر عند المرضى المصابين بأمراض غدية اخرى، مثل فرط إفراز الغدة الدرقية، والداء السكري، وقصور الغدة الواقعة فوق الكلية أي الغدة الكظرية. - نظرية الهدم الذاتي. وهنا تقوم الخلايا الصباغية بالانتحار من تلقاء ذاتها مدمرة نفسها بنفسها. يصيب مرض البهاق بين واحد واثنين في المئة من الناس، ونصف الإصابات تفصح عن ذاتها قبل سن العشرين، وهناك قسم لا بأس به يكون لديهم تاريخ عائلي للإصابة بالمرض، وعند 95 في المئة من المصابين يتطور المرض قبل إطفاء الشمعة الأربعين من العمر. ويطاول مرض البهاق الجنسين سواسية والإصابة به تكون ناطقة في شكل اكثر لدى أولئك الذين يعانون أمراضاً مناعية ذاتية، من بينها فقر الدم الخبيث، وداء الثعلبة، وقصور الغدة الكظرية، وفرط نشاط الغدة الدرقية، اما عن السبب الذي يجمع بين البهاق وتلك الأمراض فلا أحد في جعبته التفسير اليقين. ما هي عوارض مرض البهاق؟ يتظاهر مرض البهاق بعلامة واحدة يتيمة هي البقع البيضاء الخالية من اللون في المنطقة المصابة، والمريض عادة هو الذي يكتشف العلة بنفسه، وما عدا ذلك، فالبهاق لا تصدر عنه لا آلام، ولا مضاعفات، فالمصاب يكون في صحة جيدة. وتشاهد البقع الفاقدة للون أكثر ما تشاهد على أجزاء الجسم المكشوفة، كاليدين والقدمين والذراعين والوجه والشفتين. ولكن يمكن أن يرى البهاق في أماكن أخرى كالإبط، وحول الفم، والمناطق التناسلية، والسرة، وحتى الشعر والحواجب والرموش لا تسلم من شر البهاق. وفي شكل عام يمكن القول أن هناك ثلاثة أنواع من البهاق: البهاق المنتشر الذي يصيب مناطق شاسعة من الجلد وربما الجلد كله. والبهاق الثابت الذي يضرب مناطق محددة لا يتعداها. والبهاق المتراجع، وفيه تظهر البقع الفاقدة للون ولكنها لا تلبث أن تتلاشى بعد فترة لتظهر مكانها بقع ملونة. وشدة مرض البهاق تختلف من شخص الى آخر، وهو يكون واضحاً للعيان لدى ذوي البشرة الداكنة طوال أيام السنة. أما لدى أصحاب البشرة الفاتحة فيلاحظ البهاق لديهم بوضوح بعد التعرض للشمس. كيف يعالج مرض البهاق؟ يتوقف علاج البهاق بحسب مكانه في الجسم ومدى انتشاره، فإذا كان في أماكن محددة، وغير ظاهر للعيان، يمكن ترك المرض وشأنه، اللهم إلا إذا كان له أثر نفسي سيئ على صاحبه، فعندها تتم المعالجة. أما عن سبل العلاج المستعملة فهي الآتية: 1 - العلاج الموضعي، بوضع الكريمات الحاوية على الكورتيزون موضعياً على البقع الفاقدة للون، أو لجوء الطبيب الى حقن الآفة بالكورتيزون. 2 - العلاج بالأشعة فوق البنفسجية A، وفيه يعطى المصاب عقار البسورالين على شكل حبوب تؤخذ بالفم، وبعد مرور ساعتين يخضع المريض للأشعة فوق البنفسجية A، وتتم المثابرة على هذا المنوال بمعدل مرتين الى ثلاث مرات اسبوعياً. وتختلف استجابة المصابين لهذا العلاج، إلا أنه يعطي نتائج ايجابية لدى 75 في المئة من المرضى. وطبعاً يجب تحذير المريض هنا من أن حالته قد تبدو أسوأ بعد مرور اسبوعين الى ثلاثة أسابيع بسبب زيادة التباين في اللون بين المناطق السليمة والمناطق المصابة، لكن هذه المشكلة عرضية وتخف حدتها مع مرور الوقت. 3 - العلاج بالأشعة فوق البنفسجية B، أو الأشعة ذات الحزمة الضيقة، وهنا لا لزوم للمريض أن يتناول الحبوب الدوائية كما الحال في الأشعة A، ويتم التعرض للأشعة B تدريجياً، وفقاً لتعليمات الطبيب. يجري العلاج بمعدل ثلاث جلسات اسبوعياً، وغالباً ما يظهر التحسن بعد اجراء 15 الى عشرين جلسة، ويستغرق العلاج أشهراً. 4- العلاج بأشعة الليزر، وهو طريقة جديدة في مداواة البهاق، والتحريات أفادت بأنه يحقق نتائج ملحوظة عند أكثر من 70 في المئة من المرضى، خصوصاً في الوجه والأقسام القريبة من الجذع، والتحسن يكون أفضل في الجلد الغامق عنه في الجلد الفاتح. 5- العلاج بعقار ديفور Difur، وهو مستحضر دوائي من نبات السرخس يفيد في تثبيط جهاز المناعة. ويعطى هذا الدواء وفقاً لتعليمات الطبيب المشرف على العلاج. 6- زراعة الخلايا الصباغية. وهذه تعد من أحدث الطرق المستخدمة في علاج البهاق، إذ يتم نزع خلايا صباغية سليمة من المصاب ومن ثم يجري زرعة وتكثيرها في المختبر، وبعدها تُغرس مجدداً في المناطق المصابة. ويعطي العلاج بهذه الوسيلة نتائج باهرة في البهاق المحدد. وتجري عملية الزرع في العيادات الخارجية، ولا حاجة للنوم في المستشفى، أما مدتها فتستغرق بين ساعة وثلاث ساعات. 7 - طريقة ازالة اللون. وهذه يستعان بها عندما يكون البهاق متفشياً بحيث يطال 70 في المئة في مساحة الجسم، وهنا تستعمل كريمات خاصة تؤدي الى قتل الخلايات الصباغية. بشكل نهائي في المناطق السليمة لتحويلها الى بقع بيضاء. تبقى الملاحظات الآتية المتعلقة بالبهاق: - هناك عوائل ترفض دخول المرضى المصابين بالبهاق الى منازلها، والواقع أن هذا السلوك لا مبرر له، فالبهاق مرض لا يعدي بتاتاً، ولا ينتقل إطلاقاً من شخص الى آخر. - ليست هناك علاقة بين الطعام ومرض البهاق. - إن علاج البهاق شاق وعسير ويحتاج الى وقت طويل، لذلك لا بد من التحلي بالصبر. - ليس كل ما يظهر على الجلد من بقع بيضاء هو بالضرورة بهاق، فهناك إصابات جلدية أخرى تؤدي الى مثل هذه البقع. - ان زراعة الخلايا الصباغية ليست بالحل بالسحري لمرض البهاق، وهي لا تصلح لكل المصابين. - هناك مفاهيم خاطئة حول مرض البهاق، من هنا لا بد من نشر الوعي الصحي لتقويض هذه المفاهيم التي لا أساس لها من الصحة.