وزير الصناعة يؤكد أهمية تأمين سلاسل الإمداد للمعادن الحرجة    «دوريات المجاهدين» بجازان تقبض على شخص لترويجه القات    معلمة ب«تعليم مكة» ضمن أفضل 50 معلماً على مستوى العالم للعام 2025    24 عملية زراعة أعضاء تنهي معاناة 24 مريضاً بالفشل العضوي    إثراء السجل الوطني للتراث العمراني ب 3202 موقع جديد    أنشيلوتي يراوغ ويتجنب الإجابة عن أسئلة بخصوص مواجهة برشلونة    إنطلاق فعاليات معرض مبادرتي "دن وأكسجين" بجازان    اختتام ملتقى تعزيز قدرات الخريجين من خلال التعليم والتعلم بجامعة الإمام عبدالرحمن    أمانة الشرقية تنظم مبادرة لتقديم خدمات الأحوال المدنية لمنسوباتها    أمير منطقة القصيم يستقبل معالي الرئيس العام لهيئة الأمر بالمعروف    مُعلِم سعودي ضمن أفضل 50 معلمًا على مستوى العالم    لوحة "م ك ه 2025" في جناح وزارة الداخلية بمؤتمر ومعرض الحج .. هوية برؤية عصرية    أمير القصيم يترأس اجتماع اللجنة العليا للسلامة المرورية    سمو أمير نجران يشهد توقيع 5 مذكرات تفاهم للهلال الأحمر لتطوير الخدمات    تشغيل 4 محطات جديدة لتنقية مياه الشرب في حي الشعلة بالدمام    «مجموعة خدمات الطعام» تُعزز ريادتها في قطاع الإعاشة بمشاركة إستراتيجية في مؤتمر ومعرض الحج الرابع    رئيس وزراء سنغافورة يستقبل وزير الخارجية    اعتقال رئيس كوريا الجنوبية.. وبدء استجوابه    ارتفاع أسعار الذهب مع ترقب بيانات تضخم أمريكية    "الخلاص" و "السكري" يتصدران إنتاج السعودية من التمور بأكثر من مليون طن    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال11 لمساعدة الشعب السوري الشقيق    "عِلم" تبرم مذكرة تفاهم مع "كدانة للتنمية والتطوير" لتعزيز سبل التعاون المشترك    الأقل بين دول ال20.. التضخم السنوي في السعودية يتباطأ إلى 1.9%    استشهاد خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مركز إيواء للنازحين بمدينة غزة    شبح الإيقاف يطارد الدوسري    حج آمن    المتحدث الأمني لوزارة الداخلية يؤكد أهمية تكامل الجهود الإعلامية بمنظومة الحج    الشباب ينهي عقد كويلار    الاتحاد يتخلى عن صدارته    رونالدو وبنزيما يهددان ميتروفيتش بخطف صدارة هدافي «روشن»    فيصل بن بندر يطلع على أعمال أمن المنشآت    المملكة والسَّعي لِرفع العقوبات عن سورية    "سلامة الأغذية" بالرس يحصل على "الأيزو"    أمير القصيم يدشن مشروعات محافظة أبانات    سعود بن بندر يستقبل مدير الالتزام البيئي ورئيس «رياضة الأساتذة»    البروتين البديل    سعود بن خالد يشهد اتفاقية «الفاحص الذكي»    مستشفى المذنب يُجري 1539 عملية جراحية    مفتي الطائفة العلوية ل«عكاظ»: السعودية محل ثقة.. ودورها محوري في سورية    مدير الجوازات: أجهزة ذكية لقياس مدة بقاء الحجاج في «الكاونتر»    ولي العهد يتلقى اتصالاً هاتفياً من رئيس جمهورية البرازيل الاتحادية    مجلس الوزراء: تشكيل لجنة مركزية دائمة للجهات الأمنية في المنافذ الجمركية    مفوض الإفتاء في جازان يحذر من خطر الجماعات المنحرفة خلال كلمته بالكلية التقنية بالعيدابي    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.. نائب أمير منطقة مكة المكرمة يفتتح» مؤتمر ومعرض الحج 2025»    بايدن يرفع كوبا عن اللائحة الأميركية للدول الراعية للإرهاب وهافانا ترحب    أمريكا والتربية    م ق ج خطوة على الطريق    يا رجال الفتح: كونوا في الموعد    الآثار المدمرة بسبب تعاطي المخدرات    ألمانيا.. بين دعم السلام والأسلحة الفتاكة!    أفكار قبل يوم التأسيس!    الدكتور علي مرزوق إلى رتبة أستاذ مشارك بجامعة الملك خالد    نائب أمير تبوك يتسلم التقرير السنوي لانجازات واعمال فرع وزارة التجارة    أمير الشرقية يقدم التعازي لأسرة السماري    إنجاز علمي جديد.. «محمية الملك عبدالعزيز الملكية» تنضم للقائمة الخضراء الدولية    أمير الجوف يشيد بدور "حقوق الإنسان"    «اجتماعات الرياض» تبحث إعادة بناء سوريا وتحقيق أمنها    برعاية الأمير فيصل بن خالد.. إطلاق جائزة الملك خالد لعام 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نص غير منشور : قراءة أو عدم قراءة "ألف ليلة وليلة"

قرأت أولى روايات"ألف ليلة وليلة"قبل أربعين سنة وأنا في السابعة من العمر. وكنت قد أنهيت السنة الأولى من المرحلة الابتدائية في المدرسة، وقد أتينا أنا وشقيقي إلى جنيف في سويسرا، مكان إقامة والديّ، لتمضية عطلة الصيف فيها بعد أن تسلم والدي منصباً. ومن بين الكتب التي زودتنا بها عمتي ونحن نرحل عن اسطنبول رغبةً منها إلى حثنا على القراءة في الصيف، سلسلة من قصص مستقاة من"ألف ليلة وليلة". وكان مجلداً مطبوعاً على أوراق من أجود الأنواع وأذكر أنني قرأته أربع أو خمس مرات في خلال الصيف. وعندما تحتد درجة الحرارة في الصيف كنت أذهب إلى غرفتي لآخذ قسطاً من الراحة بعد الغداء وأتمدد في فراشي معيداً قراءة الروايات مرة تلو الأخرى.
ويبعد بيتنا مسافة بسيطة عن شواطئ بحيرة جنيف، وفيما كان الهواء العليل ينسم من خلال نافذتي، التي حملت إلي نغمات عزفها أحد المتسولين، كنت أنتقل من الواقع وأتوه في عالم علاء الدين والمصباح السحري وعلي بابا والأربعين حرامي.
وسألت نفسي، ما هو البلد الذي زرته يوماً؟ فأجابتني أنّ البلد الذي زرته قد يكون إما موطناً للمخلوقات الفضائية وإما بلداً نائياً أكثر تخلفاً من عالمنا لكنه جزءً من حلم ساحر. قد تطأ قدماك أي شارع من شوارع اسطنبول، وقد تلتقي أشخاصاً يحملون نفس أسماء الأبطال، وهذا ما جعلني أشعر بأنني قريبٌ منهم، ولكنني لم أرَ شيئاً من عالمي في قصصهم، فلربما كانت الحياة هكذا في معظم قرى أنطوليا القديمة لا في اسطنبول الحديثة. عندما قرأت"ألف ليلة وليلة"للمرة الأولى قرأتها مثل أي طفل غربي تذهله عجائب الشرق. ولم أكن مهيأً بعدُ لأعلم أن قصص"ألف ليلة وليلة"دخلت الى ثقافتنا من الهند والبلدان العربية وإيران أو اسطنبول، المدينة التي رأيت فيها النور، وأنها في طرق مختلفة شاهدة حية على تقاليد انبثقت منها هذه القصص أو أن الأعراف والأكاذيب والخدع وخيبات الأمل والعشاق والخونة والمتنكرين والخبثاء والمفاجآت كلها متجذرة في المدينة التي ولدت فيها.
وعرفت في وقت لاحق والفضل في ذلك يعود الى كتب أخرى أن القصص الأولى التي قرأتها من رواية"ألف ليلة وليلة"لم يتم اختيارها من المخطوطات القديمة التي زعم أنطوان غالان المترجم الفرنسي أنه يملكها في سورية. لم يأخذ غالان"علي بابا والأربعين حرامي"أو"مصباح علاء الدين"من كتاب ما إنما تعرف إليها من عربي مسيحي اسمه حنا دياب ولم يدونها إلا بعد مضي وقت على ذلك عندما كان يجمع مقتطفاته الأدبية المختارة.
وهذا يقودنا الى حقيقة مفادها أن"ألف ليلة وليلة"هي من عجائب الأدب الشرقي. ولأننا نعيش في حضارة استخدمت روابطها مع إرثها الثقافي الخاص بها وغضت النظر عما هو ملك للهند وإيران مسلمةً أمرها لانحطاط الأدب الغربي فسرعان ما عادت إلينا عبر أوروبا. وعلى الرغم من أن"ألف ليلة وليلة"صدرت في عدة لغات أجنبية وترجمها جهابذة العصر تارةً وأصحاب العقول الغريبة تارةً أخرى، إلا أنّ ترجمة أنطوان غالان كانت الأكثر شيوعاً.
وفي الوقت عينه، كانت المخطوطة الأدبية التي بدأ غالان بإصدارها العام 1704 الأكثر تأثيراً والأكثر قراءة والأكثر ديمومة. وقد نذهب إلى حد القول بأنها المرة الاولى التي ظهرت فيها سلسلة القصص اللامتناهية على أنها وحدة كاملة وهي بحد ذاتها مسؤولة عن هذه القصص الذائعة الصيت. وكان لهذه المجموعة الأدبية وقعاً لا يستهان به على أسلوب الكتابة الأوروبية في الفترة الذهبية التي شهدها القرن. وبرزت رواية"ألف ليلة وليلة"من خلال أعمال ستاندال وكوليردج ودي كوينسي وأدغار الان بو. ولكن إذا قرأنا المجموعة الأدبية بكاملها يمكننا أيضاً أن نعرف كيف يرتد هذا التأثير. فهذه المجموعة تعنى بما نسميه"الشرق الغامض"لان القصص مليئة بالعجائب والأحداث الغريبة وقدرات تتخطى الطبيعة ومشاهد مرعبة ولكن رواية ألف ليلة وليلة تزخر بالكثير من هذه المشاهد.
وتمكنت من رؤية كل هذا بوضوح ما ان استأنفت قراءة رواية"ألف ليلة وليلة"وأنا في العشرين من العمر وكانت ترجمة"رائف قرضة"الذي قدم الكتاب من جديد على الجمهور التركي في الخمسينات.
وبالطبع على غرار القراء الأذكياء لم أقرأ الكتاب بالكامل وآثرت الانتقال من قصة الى أخرى كما دعاني فضولي الى ذلك. واثر قراءتي الثانية، استفزني الكتاب. حتى عندما تسابقت من صفحة الى أخرى مأخوذاً بعامل التشويق شعرت بالأسى حتى أنني امتعضت لبعض الوقت مما كنت أقرأ. ولم أشعر البتة أنني كنت اقرأ بدافع الواجب كما تأخذنا العادة عندما نقرأ القصص الكلاسيكية بل قرأت القصة مهتماً بما تحويه من أحداث لكنني لم اتحمل فكرة اهتمامي في هذا الكتاب.
وبعد مضي ثلاثين عاماً، أظن أنني على يقين بما أزعجني في هذا الكتاب ففي معظم القصص، كان الرجل والمرأة على خلاف مستمر. أثارت أعصابي ألاعيبهم وحيلهم واستفزازاتهم. في عالم"ألف ليلة وليلة"ما من امرأة تستدعي الثقة فلا تستطيع أن تصدق أياً منهن اذ لا يقمن إلا بممارسة الألاعيب على الرجال. ويبدو الأمر بديهياً من صفحات الكتاب الأولى حيث تأخذ شهرزاد بسرد القصص الى رجل مجرد من المشاعر لمنعه من قتلها. وفي حال استمر الكتاب على هذا المنوال لا يمكن إلا أن يعكس واقع المرأة وخوفها المرسخ في هذه الثقافة. ويعزز هذا الأمر من خلال استخدام المرأة سلاحاً ناجحاً هو الإغراء الجسدي. ومن هنا، تأتي رواية"ألف ليلة وليلة"لتعبر عن الخوف القوي، من سلطة الرجال في تلك الحقبة، الذي يتمثل في إمكانية هجر المرأة للرجل وخيانتها له وحكمها عليه بالوحدة. ومن بين أكثر القصص التي تثير الهلع وتتضمن حباً للأذى هي قصة السلطان الذي يراقب حريمه يمارسن الخيانة مع العبيد.
وفي أيامنا هذه، يبدو أن"ألف ليلة وليلة"ترضي أذواق سكان الشوارع. فإن لم يكن المبتذلون والخبثاء وذوو الوجوه الشيطانية قذرين منذ وقت طويل، هم يزيدون من فسادهم عندما يتآكل القبح وجوههم. كانوا مثيرين للاشمئزاز وأظهروا أقبح صفاتهم لإبقاء القصة على قيد الحياة.
ومن المحتمل أن ينسب هذا النفور من قراءة"ألف ليلة وليلة"للمرة الثانية إلى التشدد في السلوك الذي يصيب أحياناً البلدان المتأثرة بداء التطبيع بأفكار وحياة الغرب. وفي تلك الأيام، يعتبر الشبان الأتراك الذين يخالون أنفسهم متطورين، وأنا واحد منهم، الأدب الكلاسيكي الشرقي على أنه غابة مظلمة يصعب التوغل فيها. ولم تكن في أيدينا مفاتيح التطور تسمح لنا بأن نتقرب ونتودد الى هذا الأدب.
ولم أتمكّن من مقاربة"ألف ليلة وليلة"إلا عندما قرأتها للمرة الثالثة. لكنني، هذه المرة أردت أن افهم السر الكامن في إعجاب أدباء الغرب بهذه الرواية، والسبب الذي جعلها تتحول الى أدب كلاسيكي. ورأيتها الان كأنها بحر من القصص بحر لا نهاية له. وما أذهلني كان ما تضمنته الرواية من تأكيد وخفايا تركيبية. وعلى غرار ما فعلته من قبل، أخذت أتنقل من قصة الى أخرى واقتطعت القصص أحياناً ما ان شعرت بالملل لأدخل من جديد الى قصة أخرى.
يعود ذلك ربما إلى انني عشت بما فيه الكفاية لمعرفة أن الحياة عبارة عن خيانة وحيلة. لذا، تمكنت في قراءتي الثالثة أن أقدر"ألف ليلة وليلة"على أنها تحفة فنية وأن أتمتع بنفحات منطقية ممزوجة بأوقات كريهة وأوقات لهو وبقصص أخرى يدعي فيها الأشخاص أنهم أشخاص آخرون. أمّا في روايتي، تحت عنوان"الكتاب الأسود"أطلقت العنان لمخيلتي للتصرف برائعة هارون الرشيد الذي خرج ليلاً لمشاهدة شبيهه أي هارون الرشيد المزيف وهو يمثل شخصيته، وقمت بتغيير القصة لإضفاء رونق أحد أفلام الأبيض والأسود التي عرفتها اسطنبول في الاربعينات. ومن خلال الاستعانة بكتب وضعت في الانكليزية تمكنت وأنا في أواسط الثلاثينات من قراءة رواية"ألف ليلة وليلة"بمنطقها الدفين ودعاباتها الخفية وغناها وغرابتها وجمالها وقباحتها ووقاحتها وصفاقتها، لقد كانت باختصار كنزاً لا يُقدر بثمن. ولم تعد لعلاقة الحب-الكراهية التي ربطتني بالكتاب سابقاً أي أهمية. فالطفل الذي لم يتعرف الى عالمه في هذه الرواية كان طفلاً لم يقبل بالحياة كما هي، والمثل يُقال عن المراهق الحانق الذي وصفها بالوقاحة. فاذا لم نتقبل"ألف ليلة وليلة"كما هي ستبقى كالحياة عندما نرفض تقبلها على حالها، مصدراً للتعاسة الأبدية. يجب أن يُقبل القارئ على الكتاب من دون أي أمل أو حكم مسبق وأن يقرأه على سجيته تابعاً تفكيره وتحاليله الخاصة. ولربما تكلمت أكثر من اللازم لأنّه قد يكون من الخطأ دعوة القارئ لمطالعة الكتاب محمِّلاً إياه أفكاراً مسبقة.
ما زالت تجتاحني رغبة أن أستخدم هذا الكتاب لأذكر أمراً يتعلّق بالقراءة والموت. وترتبط"ألف ليلة وليلة"بموضوعين لطالما تطرّق إليهما الناس. الموضوع الأول هو عدم تمكّن أي إنسان من قراءة الكتاب من البداية حتى النهاية، أمّا الثاني فيتمثّل في موت كلّ من ينهي قراءة الرواية بأكملها. وحتماً ان القارئ الذي هو على علم بتماشي هذين الأمرين سيرغب بمتابعة القراءة بحذر. لكن هل من داع للخوف؟ فسنموت جميعًا يوماً ما سواء قرأنا"ألف ليلة و ليلة"أم لا.
ترجمة ريم شمس الدين
* هذا النص مستل من كتاب "لبنان لبنان" الصادر عن دار الساقي بالانكليزية ويعود ريعه الى اطفال لبنان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.