تقوم بعض الجهات العسكرية في القيادة الأميركية بدراسة أوجه التعاون القائمة بين كوريا الشمالية من جهة وكل من ايران وسورية من جهة أخرى. وذلك في محاولة لتحديد احتمال وجود تحالف استراتيجي في ما بينها، ما قد يضع واشنطن وحلفاءها في الغرب أمام محور ايراني - سوري - كوري شمالي، ويضطرها الى اعادة حساباتها ومخططاتها العسكرية كافة. وتستند هذه الجهات في شكوكها وتحليلاتها على معطيات ووقائع عدة، أهمها: * ورود معلومات استخباراتية شبه أكيدة عن وجود خبراء ايرانيين في كوريا الشمالية وقت اجراء التجربة النووية الأخيرة. * مساهمة كوريا الشمالية الكبيرة والأساسية بانجاح برنامج الصواريخ الباليستية في ايران، إذ كانت كوريا الشمالية مصدر تكنولوجيا صواريخ"سكود"التي بدأت ايران بتطويرها في أواخر الثمانينات، وتطور التعاون بينهما ما مكن ايران من انتاج صواريخ"شهاب"المتوسطة المدى. كما أن كوريا الشمالية ساهمت بشكل كبير في انشاء برنامج الصواريخ الباليستية في سورية حيث يتم انتاج صواريخ"سكود - بي"و"سكود - دي"التي يصل مداها حتى 700 كلم. * تزويد كوريا الشماليةايران وسورية تكنولوجيا عسكرية مثل أجهزة اتصال ورادارات. وقد قامت البحرية القبرصية في ايلول سبتمبر الماضي باعتراض سفينة شحن تنقل أنظمة رادار عسكرية الى سورية، وفتحت تحقيقا فيها قبل السماح لها باكمال رحلتها. * وجود كل من ايرانوكوريا الشمالية على لائحة دول"محور الشر"التي أعلنها الرئيس جورج بوش والتي كانت تضم العراق قبل أن تقوم القوات الأميركية باجتياحه العام 2003، وقد تكون سياسة ادارة بوش المتشددة وتحذيراتها ضد بيونغيانغ وطهران قد دفعتاهما الى تشكيل تحالف استراتيجي ضمن محور، يضم سورية وربما"حزب الله"، من أجل مواجهة عدو واحد مجتمعين بدلا من أن يتم استفرادهم والقضاء عليهم منفردين. وهناك شكوك حول تقديم كوريا الشمالية تكنولوجيا تصنيع أسلحة غير تقليدية، مثل الكيماوية أو الجرثومية أو النووية، لكل من ايران وسورية. الا أنه لا توجد اثباتات في هذا الشأن. كما أن البرنامج النووي الكوري يعتمد على تخصيب البلوتونيوم بينما البرنامج النووي الايراني يعتمد على اليورانيوم، وهما طريقتان تحتاج كل منهما الى تكنولوجيا ومعادلات مختلفة عن الأخرى، حتى في اسلوب تصنيع الرأس الحربي وتفجيره. لكن بعض الخبراء لا يستبعدون امكان تقديم كوريا الشمالية تكنولوجيا تمكن ايران من تحويل اليورانيوم الى بلوتونيوم ومن ثم تخصيبه لتصنيع أسلحة نووية. وتخشى هذه الجهات العسكرية من عواقب وجود محور ايراني - سوري - كوري شمالي، كون ذلك سيؤثر بشكل راديكالي على الخطط العسكرية لأميركا والغرب في منطقتي شرق آسيا والشرق الأوسط. فاذا ما قررت واشنطن اليوم توجيه ضربة عسكرية الى طهران، فقد يتوجب عليها ان تأخذ في الاعتبار احتمال رد فعل عسكري من كوريا الشمالية، والعكس صحيح. ولذلك، وبحسب هذه الجهات العسكرية الأميركية، ان من أولويات واشنطن الآن فرض حصار دولي قوي على كوريا الشمالية تمنع بموجبه بيونغيانغ من تزويد ايران أو سورية بأي تكنولوجيا عسكرية، كما تمنع بموجبه من جهة أخرى كوريا الشمالية من تسلم أي أموال أو مساعدات نفطية من طهران ودمشق تمكنها من تحسين اقتصادها والانفاق على تطوير ترسانتها العسكرية والنووية. أما بالنسبة للغط الدائر حول ما اذا كانت التجربة النووية الكورية الأولى ناجحة كون حجم الهزة التي تم رصدها في اليابان والغرب لم تكن كبيرة، فان الآراء مختلفة في هذا الشأن. فبعض المحللين يعتقدون بأن التجربة كانت ناجحة، خاصة من وجهة نظر موسكو التي رصدت أجهزتها هزة قوية ناتجة عن التفجير النووي، وبأن واشنطن وسيول وطوكيو تحاول التخفيف من حجم الحدث للحد من رد الفعل الداخلي في دولهم. ويعتقد فريق آخر من المحللين بأن درجة التلوث في البلوتونيوم الكوري المخصب قد تكون عالية ما يؤثر سلباً على قوة الانفجار النووي. لكن كلا الفريقين يجمع على أن كوريا الشمالية قد قامت بتجربة نووية. وبغض النظر عما اذا كانت هذه التجربة ناجحة أم لا فإن بيونغيانغ قد وجهت رسالة تحد قوية لواشنطن والمجتمع الدولي على حد سواء، وسيتضح في الأيام والأسابيع القليلة المقبلة نوع الرد على هذا التحدي وحجمه وعواقبه. * باحث في الشؤون الاستراتيجية.