في السنوات الأخيرة، يممت الفلسفة السياسية صوب تناول مسائل جديدة مثل احترام الغير، والإقرار بحقه في التكريم والاعتراف والاحترام. وخلفت الفلسفة السياسية وراءها مشاغلها السابقة مثل عدالة التوزيع والمساواة الاقتصادية والسياسية. وأحد الأعلام على المرحلة الجديدة الألماني اكسيل هونيت، خليفة يورغي هابيرماز على كرسي الفلسفة في جامعة غوته بفرنكفورت. ويسم هونيت كتابه الأخير بوسم"مجتمع الازدراء". ويرسي نظريته الاجتماعية النقدية على خلاف الازدراء، أي على الاحترام. وينيط الاعتراف أو الإقرار بالغير، بالاحترام هذا. ويبني هونيت معالجته على نقد تناول هابيرماز فعل التواصل والتفاهم والتخاطب. فينبه الى صرف هذا همه الى مباني التواصل الاجتماعية والمشتركة، وتقديمه ما ييسر التواصل على ما عداه. وكأن التفاهم والتخاطب لا ينطويان على ما يعطلهما ويعرقلهما، ويؤدي بهما الى"سوء الفهم"والخلاف والمنازعة. ويتأتى هذا من إغفال المنازعات الفردية والخاصة، وترتبهما على معايير اخلاقية متباينة، من وجه، وعلى أبعاد تجريبية وذاتية لا تستوفيها المعايير الأخلاقية، من وجه آخر. وعلى هذا، يتناول هونيت مسائل الاعتراف والاحترام على وجوه ثلاثة. والوجه الأول هو دائرة الروابط العاطفية التي تشد الأفراد بعضهم الى بعض، ويتبادلونها. وتنشأ"الثقة بالنفس"عن الروابط هذه، وعن تبادلها. والوجه الثاني هو دائرة العلاقات الحقوقية. ويستوي المرء والمرأة في هذه الدائرة شخصاً أو فرداً يتمتع بحقوق وواجبات وحريات تقره على مساواته بالآخرين، ويقر هو بها لغيره على المقدار نفسه. وينشأ احترام النفس، ومفهوم الكرامة تالياً، عن الحمل العام على الحقوق والواجبات والحريات، وتبادل الإقرار بها من غير استثناء. ويتناول الوجه الثالث دائرة علاقات تتخطى دائرة المساواة الحقوقية والقانونية، أو على حدة منها، هي دائرة القدرات والكفاءات والموارد التي ينفرد بها الناس، وتميز بعضهم من بعض. فيقر الواحد أو بعض الناس للآخر أو لبعضهم بامتيازهم هذا، وبقيمة عملهم. وينشأ عن الإقرار هذا الاعتزاز بالنفس، والتضامن بين الذين يقرون بهذه القيم، ويعلون شأنها ومرتبتها. ونظير صور الاعتراف والاحترام هذه ثمة نقائضها. وتتعثر الذاتية، والاستقلال بالنفس، والحياة الاجتماعية المتضامنة والمتآصرة، بالنقائض هذه. وهي لا تطرأ على العلاقات الاجتماعية من خارجها، من الاقتصاد مثلاً، بل تلابس العلاقات الاجتماعية والفردية ملابسة عميقة، وإذا بدا ان اطراح التفاوت، من طريق التقليل من الإجحاف في التوزيع، متعذر، فالمجتمع الذي يقيد الازدراء هو أقرب الى المجتمع العادل من مجتمع يقصر همه على محاربة التفاوت في التوزيع، ولكنه يخنق منازعاته، ويحول بينها وبين الخروج الى العلن. ومن صور الازدراء التي تتسلل الى النفس، وتحلها وتشلها: البؤس الملموس، واستحواذ الشعور بالعبث، والنبذ، والعزلة، والإذلال، والتجاهل، والإخراج من دائرة الحقوق وطلبها. وهذه الصور لا تترتب على أبنية او مستويات غيرها. وعلاجها لا يفترض علاجاً يسبقها، ويقود الى علاجها آلياً أو تلقائياً. عن روبير ماجيوري ، "ليبيراسيون" الفرنسية، 5 / 10 / 2006