كما ظلت محافظة المنيا في صعيد مصر موطناً للألغاز وربما الخرافات منذ عهد ملكها القديم اخناتون، لم يُحل لغز المذبحة التي وقعت فيها حتى بعد القبض على مرتكبها الذي كان تسلل إلى ثلاثة بيوت متجاورة في قرية"شمس الدين"في مدينة بني مزار وقتل عشرة اشخاص من ثلاث عائلات لا تربطهم أي صلة قرابة بصورة وحشية، فبقر بطونهم وقطع أطرافهم ونزع أعضاءهم التناسلية. يعيش الناس هناك في المنيا أجواء اعتادوا عليها بل احياناً تشعر وكأنهم ادمنوها كالإيمان بالسحر والشعوذة والخرافات. عندما وقعت الجريمة ذهبت عقول البعض الى"الإرهاب"، فالمنيا عانته في التسعينات من القرن الماضي وخشي هؤلاء من موجة جديدة قد تمثل تغيراً نوعياً يتمثل بذبح الاهالي كما حدث في الجزائر، وراح البعض الآخر يرجح"فتنة طائفية"، إلا أن كون الضحايا كلهم من المسلمين أطاح بذلك الاحتمال. بقي الحديث عن الخرافات سائداً وشاع الكلام عن الجن الذي لبس أحدهم وأمره بتنفيذ الجريمة لتحقيق منفعة ما كالعثور على كنز أو الحصول على مكانة قد تكون معنوية أو حتى جنسية- فالجاني ثبت بعض الأعضاء التناسلية في الأرض بمسامير حديد ودفن بعضها الآخر ورمى بعضو ذكري فوق سطح أحد المنازل. عندما أعلنت السلطات المصرية اسم الجاني ويدعى محمد علي عبد اللطيف 27سنة وهو لم يحصل على الشهادة الإعدادية وتاريخه حافل بالاحباطات والفشل والجرائم أيضاً، لم يقتنع الناس انه ارتكب الجريمة لمجرد أنه مختل عقلياً. فهذا العامل الذي قيل إنه يعاني انفصاماً في الشخصية ويشعر باضطهاد الاهالي والاقارب والجيران له، خطط ورتب ونفذ الجريمة البشعة عن سابق اصرار وترصد ليحقق هدفه. والدليل التقارير الطبية التي صدرت عن ثلاثة أطباء كانوا يعالجونه والتي ذكرت انه يعاني مرضاً نفسياً لم تمنع الجاني نفسه من أن يعترف بجريمته بعدما حاول أولاً تضليل أجهزة التحقيق ثم أقر بما فعله من دون أن يحدد سبباً منطقياً. عاد إلى الخرافة وتحدث عن هاتف جاءه في المنام أيقظه وأمره بالخروج من منزله ودخول المنازل الثلاثة للضحايا وقتلهم، وعبر سلم خشبي دخل أولها وهو منزل المدعو يحيى أحمد أبو بكر شريك والده والذي دخله من قبل مراراً وتسلّق المنزل من الخلف ووجد يحيى نائماً وولديه وزوجته فضربهم بالساطور ثم شوه أجسادهم بسكين كان بحوزته، وتكرر الفعل في المنزلين الآخرين. وأرشد عبد اللطيف الى الأجزاء البشرية التي انتزعها من جثث أصحابها، كما أعلنت أجهزة التحقيق أنه تخلص من أداة الجريمة بإلقائها في الترعة الإبراهيمية أحد فروع نهر النيل، اضافة الى اعترافه بأن شقيقته غسلت الجلباب بعد حضوره خشية اكتشاف الجريمة، فتم القبض عليها هي الاخرى واخضاعها للتحقيق وهي ربما تسهم في حل اللغز. وعلى رغم الضجة التي صاحبت الاعلان عن القبض على الجاني لا يبدو أن أجهزة التحقيق مقتنعة بأن الجاني شخص واحد وهي تعتقد بأن هناك شركاء له ما زال البحث عنهم جارياً. أوراق التحقيق تقول إن الجناة اقتحموا منزل يحيى أحمد أبو بكر وقاموا بقتله هو وزوجته وطفليه اسماء 7 سنوات ومحمد سنة واحدة وتمكنوا من دخول منزل محمود محمد وقتلوه مع ولديه فاطمة 10 سنوات واحمد 8 سنوات وكان في الطابق الثاني ثلاثة أولاد لم يفطن الجناة لوجودهم، كما تمكن الجناة من دخول مسكن طه عبد الحميد محمد وقتل ولده وكان في المنزل شقيقه وزوجته ولم يفطن إليهما الجناة. الحادث غير مسبوق في مصر والسلطات اعتقدت اولاً انها جريمة شرف لكن ما تم مع النساء حيث تم تمزيق ملابسهن وتعريتهن وتشويه اعضائهن التناسلية، ابعد الاحتمال، فالانتقام يكون من الرجال فقط في الصعيد ومن المعيب على المنتقم أن يفرغ عينيه في الانتقام في انثى مهما حصل. ولفتت التقارير الأولية الى أن دخول المنازل الثلاثة جاء من الأسطح والخروج من الباب الرئيسي للمنزل، وبسؤال من بقي حياً في المنازل اكدوا أنهم لم يشعروا أو يسمعوا أي شيء، وأن اكتشاف الجرائم الثلاث تم بعد ابلاغ شقيق طه الذي اكتشف الحادث اثناء ذهابه لأداء صلاة الفجر. وعلى ذلك ظل السؤال يدور: كيف قتل العشرة في ثلاثة بيوت من دون أن يصرخ أحد الضحايا قبل قتله أو يستغيث أو يقاوم أحدهم؟. وحل اللغز جاء من طريق معلومات مفاجئة وصلت إلى أجهزة الأمن عن اختفاء أحد ابناء القرية منذ يوم الحادث وهو مصاب بمرض نفسي، واسترعى الانتباه عدم وجود دوافع مقبولة لارتكاب الجريمة واستئصال الاعضاء الذكرية ما رجح أن مرتكب الحادث مريض نفسياً ويعاني من شذوذ في الطباع. هذا الكلام هو ما اعلنته السلطات أما الناس فيتحدثون بطريقة أخرى. وفي عودة الى تاريخ الجاني:"فهو يقيم مع والده ووالدته في القرية ذاتها، وكان تسلل خلال شباط فبراير الماضي وحاول الاعتداء على إحدى السيدات واستغاثت الا انه تمكن من الفرار وتم التعرف اليه قبل الفرار إلا أنه لم يتم ابلاغ الشرطة خوفاً على سمعة السيدة. وكرر الجاني تلك المحاولة مع احدى السيدات التي تقيم مع ابنتيها ولهما شقيق موجود في القاهرة وبعد تسلل المتهم اصطدم بقدم الأم فقامت من نومها قبل وصوله الى ابنتيها وحاول الفرار إلا أنه اعتدى على احدى الفتاتين بسكين في حوزته وفر هارباً وتم إبلاغ والده. وعقدت جلسة عرفية وحضرها ثلاثة من الذين قتلوا في الجريمة الاخيرة وحكم المجلس بغرامة 2500 جنيه على الاب الا ان الطرف الثاني رفض تسلم المبلغ وأخذ شيكاً من الاب حتى يحتفظ بحقه في الجلسة العرفية. وهنا ازداد اللغز غموضاً بعد دخول عقدة الجنس حيز التفكير في الجريمة واعتقد البعض أن عبد اللطيف مجرد مواطن مكبوت مصاب بهوس جنسي، لكن اهالي القرية يتحدثون عن خرافات تسيطر على العقول وقناعات لدى البسطاء من الناس بأن قبور الفراعنة تحوي كنوزاً وأن في كل قبر خبيئة ذهبية هي عبارة عن ممتلكات الملك القديم اخذت معه في تابوته وان الوصول اليها يحتاج الى معجزات أو تحقيق ما يأمر به جني أو عفريت، ويا"بخت"من يظهر له هذا الجني أو يزوره ذلك العفريت ويحدد له مكان الكنز حتى ولو التضحية بأرواح الابرياء. غالبية الناس في المنيا تعتقد بأن عبد اللطيف زاره الجني وامره بقتل الضحايا العشرة والتمثيل بجثثهم واستئصال اعضاء بعينها وهي الثمن الذي حدده الجن كي يفرج عن الكنز ويحقق الثراء لعبد اللطيف، هذا ايضاً ما يعتقده خبير الاثار الكبير رئيس هيئة الآثار المصرية الدكتور زاهي حواس فهو يعلم أن الخرافات تسيطر على المناطق المحيطة بالآثار الفرعونية ويعتقد بأن عبد اللطيف وقع فريسة جهله وجهل المجتمع المحيط به. وأشار الى حوادث سابقة ارتكبها البعض للوصول الى كنوز الفراعنة في المقابر القديمة، لكنها كلها لم تصل الى هذا المستوى من البشاعة، ويقول حواس:"الناس لا يعلمون أن مقابر الفراعنة لا تحوي كنوزاً إلا إذا كانت المقبرة كاملة، ومنذ اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون لم تكتشف أي مقبرة كاملة في مصر، لكن أهالي القرى المحيطة بالآثار غرقوا في أوهامهم وعاشوا أحلاماً بالثراء عبر الاعتقاد باحتمال الاستفادة من كنوز اجدادهم". رفض حواس الدخول في تفاصيل حول تنفيذ الجريمة، معتبراً أن أمر كهذا يخص أجهزة الامن وحدها في ظل غياب معلومات كاملة عن ظروف الجريمة وملابساتها، لكنه أعرب عن ثقته في أن الجاني أو الجناة كانوا على وعي بما خططوا له ونفذوه، وأشار الى طقوس اتبعها بعض من سبقوهم في تنفيذ جرائم أخرى سعى مرتكبوها الى الحصول على كنوز الفراعنة تشبه ما قام به عبد اللطيف حتى وإن اختلفت في بعض التفاصيل.