لم يسبق للاعلام اللبناني المرئي والمسموع في تاريخه، أن قدّم لجمهور المشاهدين"مناظرة"بين زعيمين سياسيين كبيرين من حجم الأمين العام لپ"حزب الله"السيد حسن نصر الله، ورئيس اللجنة التنفيذية لپ"القوات اللبنانية"الدكتور سمير جعجع. فالفكرة بحد ذاتها، التي اقترحها جعجع في لقاء أجرته معه"ال بي سي"أخيراً، يبدو انها لم تراود أياً من القائمين على المحطات التلفزيونية، ويبدو أنها مرّت مرور الكرام أو غمرها الثلج الذي كان يتساقط في خلفية الصورة التي نقلت جعجع من الأرز الى الشاشة الصغيرة. لا يمكن أحداً أن ينتقص من قدرة المؤسسات الاعلامية اللبنانية، وعملها الدؤوب على تقديم ما هو جديد على غير صعيد، وبخاصة في ما يتعلق بالحوارات والبرامج السياسية التي تحظى بنسبة عالية من المشاهدين، إلا أن الحوارات من هذا الحجم لطالما كانت مع الرجل الواحد، وهذا ما يجعل فكرة جعجع"جديرة"بالاهتمام من منظار اعلامي. واذا كان طرح جعجع الفكرة منطلقاً من الأسباب الأمنية التي يعيشها معظم القادة اللبنانيين"المأسور"معظمهم في المقرات خوفاً من الاغتيالات، فإنها جديرة باهتمام المحطات التلفزيونية ومتابعتها وصولاً الى تطبيقها وافساح المجال أمام الجمهورين"المحلي"وپ"الفضائي"لمشاهدة"القائدين"المؤثرين حالياً في السياسة اللبنانية، والمتباعدين"فكراً"وپ"نهجاً"تاريخياً، في مساريهما السياسي والقتالي. ولا شك في أن التلفزيون أسهم حتى الآن والى حد كبير في صناعة صورة هذين الزعيمين في لبنان وخارجه، لكن بالطبع لا تخلو صناعة تلك الصورة من دور أساس لصاحبها. فالسيد نصر الله الذي قلما رآه أحد خارج اطار الصورة التلفزيونية، يعرف كيف يخترق بپ"كاريزماه"الشاشة الى قلوب مؤيديه ومحبيه، بما يظهره من حالات"غضب"وپ"شدة"وپ"صدق"وپ"ابتسام"بحسب المناسبة والموقع، ولطالما وصلت صورته الثابتة، صورة"البطل"وپ"المنتصر"على"العدو الاسرائيلي"حتى خارج حدود مؤيديه ومناصريه الى جمهور وجد نفسه مضطراً الى ان يكن له"الاحترام". أما جعجع فكانت له صورتان: واحدة قديمة لبست سنوات طويلة بقدر سنوات سجنه، تظهره في شكلين الأول"بطل"لدى مؤيديه، والثاني"عدو"لدى الذين لم يكونوا في منطقته أثناء الحرب التي أصبح يقول عنها"يلعنها ويلعن ساعتها". وهو لم يعط أكثر من 12 سنة مجالاً"اعلامياً"ليصنع لنفسه صورة تتكلم الى اللبنانيين جميعاً كما فعل سواه من السياسيين. إلا أنه بعد خروجه من السجن، يبدو انه يسعى الى اخراج صورة جديدة لنفسه يبدد فيها الصورة القديمة الراسخة في أذهان نصف اللبنانيين، ويرسخ فيها صورة"المخلّص"لدى نصفهم الآخر. فإذا ما طبقت فكرة جعجع وأقيمت المناظرة التلفزيونية بينه وبين نصر الله، كيف ستكون صورتهما أو كيف سيسهم التلفزيون في اعادة تظهيرها؟ والى أي مدى ستسهم الشاشة في تقريبهما من جمهوريهما، والى أي مدى سيتمكن الأثير من نقل أفكارهما ورؤاهما المتعلقة بالوضع اللبناني؟ وهل يستطيع الاعلام أن يسجل انجازاً حالت التهديدات دون حصوله، بجمعهما في مكان واحد هو شاشة صغيرة في كل منزل؟