بدا أن مرشح الحزب الوطني الحاكم لانتخابات الرئاسة في مصر الرئيس حسني مبارك سيتجاوز الثمانين في المئة ليحقق فوزاً كاسحاً على تسعة مرشحين نافسوه في أول انتخابات تعددية مباشرة جرت أول من أمس. وأظهرت مؤشرات النتائج النهائية أن رئيس حزب"الغد"الدكتور أيمن نور سيحل ثانياً وسيأتي رئيس حزب"الوفد"الدكتور نعمان جمعة ثالثاً، ما مثل مفاجأة الانتخابات. إذ أن فوز مبارك كان متوقعاً وكان السباق الحقيقي بين نور وجمعة على المركز الثاني، أما المرشحون التسعة الاخرون فإن مشاركتهم كانت رمزية. وستخرج النتائج نور كمنافس حقيقي في أي انتخابات رئاسية مقبلة، كما ستثير تساؤلات عن مستقبل حزب"الوفد"بعد تراجع ثقله في المشهد السياسي المصري الى هذه الدرجة، خصوصاً أن نور نفسه كان عضواً في الحزب وتركه بعد خلافات مع جمعة ليشكل"الغد". وفي حين انشغل المرشحون ومناصروهم امس بمتابعة فرز الأصوات ورصد النتائج أولاً بأول من اللجان الفرعية والعامة، لم تغب اتهامات بحدوث تجاوزات وانتهاكات أثرت على النتائج. فطالب نور بإعادة الانتخابات وأعلن عدم اعترافه بنتائجها، فيما تحدثت تقارير منظمات حقوقية ولجان شكلت لمراقبة الانتخابات عن مثل هذه الانتهاكات. لكن مصادر في الحزب الوطني رأت أن التشكيك في النتائج من منافسي مبارك أمر متوقع، ورأت أن الصعوبات التي واجهت الناخبين في بعض اللجان اثرت ايضاً على نسبة الاصوات التي حصل عليها زعيم الحزب. وتوقع أمين السياسات في الحزب السيد جمال مبارك"تفوقاً كاسحاً"لوالده، وقال إن"كل الارقام والتقديرات الاولية الموجودة بين ايدينا حتى الآن تشير الى تفوق كاسح للهلال"، في اشارة الى رمز الحملة الانتخابية التي خاضها والده، وأن ذلك يشير الى أن الرئيس"سيفوز وبنسبة عالية". وكان مبارك الابن يتحدث في المقر الرئيسي للحملة الانتخابية في ضاحية مصر الجديدة شرق القاهرة، بعدما وجه الشكر الى ناشطي الحزب الذين عملوا طوال الليل من أجل احصاء النتائج الأولية. وكانوا تابعوا تنفيذ خطة"هلال المستقبل"التي قامت على حشد الناخبين وحثهم على الاقتراع لمصلحة مبارك. ووجه جمال مبارك تحية الى"كل من ساهموا في إحداث نقلة كبيرة في تاريخ مصر المعاصر"، وقال إن"موعدنا المقبل الاثنين ظهراً حيث سيكون الرئيس مبارك بيننا كي نحتفل بالانجاز الكبير الذي تحقق". وقالت مصادر في حملة مبارك إن هواتف نقالة ومشغلات اقراص مدمجة وعلاوات بقيمة 35 دولاراً وزعت على الناشطين في الحزب. وفي المقابل قال رئيس حزب"الغد"الدكتور أيمن نور في مؤتمر صحافي عقده أمس"إنه سيطالب بإعادة الانتخابات"، واضاف:"نحن نتحدث عن مخالفات جسيمة تتصل بحق الناخب بالإدلاء بصوته". وعرض نور بطاقات انتخابية وأغلفة على أساس انها ادلة حدوث تزوير. ورد المسؤول الإعلامي لحملة مبارك الدكتور محمد كمال على نور قائلاً"إن قرار اعادة الانتخابات ليس قرار أيمن نور ولا قرار مرشح الوطني، هذا قرار لجنة الانتخابات الرئاسية وهي لجنة مستقلة يرأسها رئيس المحكمة الدستورية العليا في البلاد وهي المنوطة بالاشراف ومتابعة كل جوانب العملية الانتخابية". وأضاف:"اذا حدثت مخالفات فهي كانت مخالفات محدودة جداً ولن تؤثر بأي شكل من الاشكال على النتيجة النهائية للانتخابات". لكن نور أكد أن تجاوزات واسعة النطاق حدثت في لجان الاقتراع قوضت مصداقية الانتخابات. ورصدت جماعات المراقبة تجاوزات مختلفة منها ملء صناديق ببطاقات اقتراع لم يدل أصحابها بأصواتهم وشراء أصوات واكراه على الاقتراع واستخدام سيارات حكومية لنقل ناخبين مؤيدين لمبارك ومحاباة لانصار الرئيس. وتتكون لجنة الانتخابات الرئاسية من قضاة حددهم قانون الانتخابات الرئاسية على أساس مناصبهم و"شخصيات عامة"اختارهم مجلسا الشعب والشورى اللذان يهيمن عليهما الحزب الحاكم. وقال الامين العام للمنظمة المصرية لحقوق الانسان حافظ أبو سعدة ان الاقتراع شابته تجاوزات كثيرة مثل استخدام الحافلات العامة في نقل ناخبين الى اللجان وهو عمل محظور بحكم القواعد الانتخابية. لكنه اضاف ان هناك مخالفات حدثت في انتخابات سابقة لم تحدث هذه المرة مثل قيام الشرطة باغلاق أبواب اللجان من أجل ملء الصناديق ببطاقات اقتراع مزورة. كما قالت صحيفة"الوفد"إن مؤيدين للحزب الوطني قادوا أعداداً كبيرة الى لجان اقتراع وأدلوا أصواتهم من دون أن يكونوا مقيدين في تلك اللجان أو لديهم بطاقات انتخابية، ما يعتبر حشواً للصناديق. وأعلن مدير تحرير الصحيفة مجدي سرحان ان الفرز تم في معظم اللجان من دون حضور مندوبي حزبه أو مندوبي الاحزاب الاخرى. وأضاف:"لم يسمح لمندوبي الوفد أو مندوبين اخرين بحضور الفرز ولم يتم تسليم صور من محاضر الفرز."، موضحاً ان حزب الوفد سيعد تقريراً بما يرى أنه تجاوزات وسيرفعه الى لجنة الانتخابات الرئاسية. واعتبر مرشد"الإخوان المسلمين"السيد محمد مهدي عاكف أن الانتخابات"خطوة إيجابية نحو توعية الشعب بواجباته وحقوقه". ومهما كانت نتيجة الانتخابات محسومة سلفاً لمصلحة مرشح بعينه بعد التعديلات التي أُدخلت على المادة 76 من الدستور، إلا أن انتخاب رئيس الجمهورية من بين أكثر من مرشح يُعد خطوة إيجابية. وحول ما إذا كانت الديموقراطية والحرية يمكن تحقيقهما في مصر قال:"مصر أمُّ الديموقراطية والحرية، ومصر التي استطاعت أن تطرد الاحتلال البريطاني جديرةٌ بأن تعيش في مناخٍ من الحرية والديموقراطية، خاصةً وأن شعبَها يؤمن بدينٍ الحريةُ فيه فريضةٌ من فرائضه". وعن إمكان تقدم الإخوان بمرشحٍ للرئاسة في المستقبل أكد عاكف أن الإخوان"لا يريدون هذا المنصبَ إلا إذا جاءوا عبر صناديق الاقتراع، وحينما تسود الديموقراطية ويَعرفُ الشعبُ حقوقَه وواجباتِه ويطمئن لمنهج الإسلام، من الممكن أن يتقدم الإخوان لهذا المنصب". وأقر"المجلس القومي لحقوق الإنسان"الذي أمر مبارك بتشكيله العام الماضي ضمن إجراءات إصلاحية أخرى بتجاوزات وقعت في عملية الاقتراع، لكنه اعتبر أن العملية الانتخابية في مصر في مجملها"سارت سيراً طبيعياً وأنه لم ترصد أية تدخلات من جانب الجهات الأمنية في العملية الانتخابية بما يمس حرية الناخب أو سرية التصويت". وقال المجلس الذي يرأسه الدكتور بطرس غالي في بيان أصدره امس في ضوء تقارير لجان المجلس وما توافر لديه من بيانات في غرفة العمليات وفي تصور مبدئي يمكن الإشارة إلى أن العملية الانتخابية منذ بدء حملة الدعاية للمرشحين وحتى إغلاق صناديق الانتخاب تعتبر في مجملها تجربة إيجابية. والعملية تعتبر أولى التجارب العملية في مرحلة جديدة من مراحل الحياة السياسية المصرية والتي تسعى إلى زيادة المشاركة الشعبية الحقيقية في الحياة العامة، مشيراً إلى أن لجان المجلس لاحظت عددا من الصعوبات التي واجهها بعض الناخبين في العثور على مقار لجانهم أو اسمائهم في الجداول الانتخابية فضلاً عما ترتب على ضم عدد من اللجان من تغيير للمقار التي يُدلي فيها الناخب بصوته. واوضح أن عددا غير قليل من اللجان الانتخابية لم يصلها قرار اللجنة العليا للانتخابات بتمكين منظمات المجتمع المدني من دخول لجان الانتخاب لمتابعة ورصد سير العملية الانتخابية، وذلك بسبب تأخر استجابة اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بطلب المجلس ومنظمات المجتع المدني أداء دورها في متابعة الانتخابات الرئاسية. لكن عقدت لجنة"مراقبة الانتخابات"المنبثقة عن"التجمع الوطني للتحول الديموقراطي"اجتماعاً لإقرار تقرير حول ما جرى في الانتخابات، وقال بيان صدر عن اللجنة إن هناك تجاوزات حدثت تتعلق بعدم تنقية جداول الناخبين، وعدم عثور بعض الناخبين على اسمائهم ضمن لجانهم الانتخابية،"وهو أمر أصاب الكثيرين بالإحباط والارتباك"، وأكد أن الحزب"الوطني""حشد عشرات الآلاف من الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية وقام بنقلهم من خلال باصات مؤجرة وسعى إلى التأثير عليهم لانتخاب مرشح الحزب الحاكم"، ويسجل التقرير"عدم حدوث تدخلات فجة من أجهزة الأمن الذين كانوا محايدين إلى حد كبير في الانتخابات الرئاسية"، وأكد أن تدني نسبة الاقبال على المشاركة في الانتخابات يرجع إلى الميراث القديم تجاه الانتخابات وعدم ثقة الجماهير في إمكان إجراء انتخابات حرة. وسجل التقرير بالإشراف القضائي على العملية الانتخابية وطالب بالتحقيق في بعض التجاوزات التي حدثت داخل اللجان"خصوصاً ما تردد عن تصويت البعض في عدد من اللجان من دون أن تكون اسماؤهم مقيدة في اللجان ومن دون أن تكون لهم بطاقات انتخابية من الأساس"، وسجل التقرير أيضاً أن كوادر التجمع وعددا من مراقبي الانتخابات من منظمات المجتمع المدني جرى تمكينهم من متابعة سير العملية الانتخابية.