جمع يوم انتخابات الرئاسة المصرية التعددية الاولى في تاريخ البلاد أمس كل التناقضات: إشراف قضائي صارم في لجان أزعج جميع المرشحين، بمن فيهم مرشح الحزب الوطني الرئيس حسني مبارك، ما دعا الحزب الى الاحتجاج لدى اللجنة القضائية المشرفة على الانتخابات لكون اسلوب بعض القضاة "صعّب عملية الاقتراع ودفع بعض الناخبين الى الانصراف"، واحتجاج من جانب مرشحي المعارضة، وعلى رأسهم رئيس حزب "الغد" الدكتور أيمن نور الذي قال إن تزويراً حدث لمصلحة مبارك وعرض بطاقات انتخاب قال إنه حصل عليها خارج اللجان كانت معدة للاقتراع لمرشح الوطني. ونظمت "الحركة المصرية من أجل التغيير" كفاية تظاهرة لم تتعرض لها اجهزة الامن على رغم أن السلطات كانت حظرت التظاهرات في يوم الانتخابات، فيما راقبت منظمات حقوقية ورصدت حال يوم الانتخابات. وكان اليوم بدأ هادئاً ولوحظ اقبال كبير على لجان الاقتراع وأحدث قرار اصدرته "اللجنة المشرفة على الانتخابات" ارتياحاً لدى الجميع اذ اعلنت اللجنة موافقتها على قيام منظمات المجتمع المدني بمراقبة الانتخابات على رغم أن القضاء كان حسم تلك القضية وأقر حق اللجنة في منع أي مراقبة على الانتخابات. وأكدت اللجنة أن قرارها "يأتي تأكيداً للقناعة التامة بشفافية العملية الانتخابية حيث أن المنع لم يكن مقصوداً بذاته". وأكدت أن منع الرقابة "لم يكن تخوفاً من الرقابة وانما لانضباط العمل داخل اللجان". وبدأت عملية الاقتراع في الثامنة صباحاً واستمرت حتى العاشرة مساء. وختم اصبع كل ناخب ادلى بصوته بالحبر الفسفوري وهو غير قابل للإزالة لمدة 24 ساعة، رغم أن مسؤولة حملة نور زوجته السيدة جميلة اسماعيل قالت إن الحبر يمكن أن يزال بواسطة مواد كيماوية. وكان يحق لكل ناخب يحمل البطالة الشخصية الإدلاء بصوته الانتخابي في لجنته الفرعية، طالما أن اسمه مدرج في كشوف الناخبين بتلك اللجنة. لكن مندوبي المرشحين شكوا من اجراءات معقدة أدت إلى تكدس الناخبين خارج لجان الاقتراع. وكان التكدس بسبب اصرار بعض القضاة على اجراءات تكفل سرية الانتخابات، ما ازعج القائمين على حملة مرشح الوطني، فعقد المسؤول الإعلامي فيها الدكتور محمد كمال مؤتمراً ذكر فيه أن مشكلة كبيرة ظهرت في غالبية اللجان وهي ان ادخال الناخبين بالإدلاء بأصواتهم فرداً فرداً وليس مجموعات رغم وجود اكثر من صندوق داخل اللجان نتيجة للقيام بهذا الأمر أدى الى تكدس الناخبين وايجاد طوابير كبيرة تجمعت نتيجة ازدياد التدفق على اللجان ما ادى الى انصراف أعداد كبيرة من الناخبين وعدم تمكنهم من الإدلاء بأصواتهم. وأشار الى أن الوطني قدم مذكرة الى لجنة الانتخابات الرئاسية سلمها المستشار محمد الدكروري المستشار القانوني للرئيس مبارك ووكيله مطالباً اللجنة السماح بإدخال الناخبين كمجموعات وليس كفرادى. وأضافت المذكرة اننا "تقدمنا في هذا الامر الذي لا يقتصر على مرشح الحزب الوطني فقط بل يمتد الى مؤيدي باقي المرشحين". كما شهدت الدوائر ذات الكثافة العالية من الشركات والقطاعات الحكومية اقبالاً كبيراً وخصوصاً في دائرة مدينة نصر، ولاحظ مراسل "الحياة" أن موظفي الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء وموظفي شركات البترول ووزارة القوى العاملة وشركات الثروة السمكية وشرق الدلتا للنقل أدلوا بأصواتهم في لجان الفكرية والنموذجية في مدينة نصر في حضور رؤساء مجالس ادارات الشركات وكبار الموظفين، ودفاتر الحضور والانصراف الخاصة بالموظفين كانت على أحد المقاهي بجوار اللجان. وأكد المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء ابراهيم حماد أن الموقف الامني على مستوى الجمهورية ظل مستقراً تماماً. وقال "إن جميع الاخطارات التي تلقتها غرفة العمليات الرئيسية في وزارة الداخلية من جميع غرف العمليات على مستوى الجمهورية اكدت استقرار الموقف في كل المحافظات وجميع المقار الانتخابية، وانه لم تحدث أي تجاوزات تذكر على الاطلاق". وأضاف حماد أن حركة "كفاية" قامت بمسيرة ظهر امس انطلاقاً من ميدان التحرير، وان هذه المسيرة التي اخترقت شوارع القاهرة خصوصاً شارع 26 يوليو استمرت حتى وصلت الى منطقة العتبة حيث حدث نوع من الاحتكاك بين بعض الباعة الجائلين الموجودين في منطقة العتبة ومجموعة "كفاية"، وأن الشرطة تدخلت على الفور وتمكنت من الفصل التام بين الطرفين واحتواء الموقف بحياد تام، كما أُمنت حركة "كفاية" حتى وصلت مرة اخرى في مواجهة نقابة الصحافيين حيث افترشت الارض امام النقابة"، مؤكداً أن منطقة وسط المدينة مؤمنة تماما، وان الاستقرار الكامل يسود المنطقة وأن الحركة أصبحت سهلة وميسرة لكل المواطنين. لكن رئيس حزب "الغد" الدكتور أيمن نور تحدث عن تجاوزات حدثت لمصلحة مرشح الوطني وأبرز بطاقات اقتراع قال إنه حصل عليها ويؤكد نية التدخل لمصلحة مبارك، وقال انه سيكشف تفاصيل أخرى لاحقاً وأنه لن يعترف بنتائج الانتخابات إذا ما استمرت التجاوزات. ولم يخرج موقف "الوفد" عن "الغد" إذ أصدر بياناً قال فيه انه "تلقى العديد من الاتصالات للإبلاغ عن مخالفات انتخابية مختلفة في انحاء الجمهورية، توالت الاتصالات من محافظاتسوهاجوالقاهرة والجيزة والشرقية ودمنهور والسويس وغيرها، أكدت العديد من الشكاوى عدم جدوى الحبر السري المستخدم في بعض اللجان، وعدم وجوده في لجان اخرى، كما شهدت العديد من اللجان دعاية انتخابية لمرشح الحزب الوطني داخل المدارس وتعليق ميكروفونات الدعاية على أبواب اللجان، وشهدت مدينة السويس تجمعاً غريباً وضخماً للأمن المركزي بالزي المدني أمام إحدى اللجان ما أثار العديد من المواطنين". وقال البيان "شهدت لجان عدة تدخلاً صريحاً من مندوبي الحزب الوطني للتأثير على إرادة الناخبين، وتقدم العديد من المواطنين ببلاغات وشكاوى حول حالة اللجان الانتخابية التي لم يتوفر بها تصويت الناخب". ولم يكن ذلك رأي "الغد" و"الوفد" فقط، إذ رصدت مجموعة من المنظمات الحقوقية المصرية أمس انتهاكات وتجاوزات في اللجان الانتخابية. وقالت "الحملة الوطنية لمراقبة الانتخابات" في تقرير مبدئي أصدرته امس إن مراقبيها لاحظوا التأخر في فتح ثماني لجان اقتراع في محافظات مختلفة، كما رصد آخرون محاولتين في الاسكندرية وأخرى في القاهرة لحشد مؤيدين للرئيس مبارك للتصويت بشكل جماعي كوافدين، لكنها قالت إن رئيسي اللجنتين رفضا السماح لهم بالتصويت. ولاحظت الحملة أن إحدى دوائر محافظة كفر الشيخ لم يتسلم المشرف عليها الحبر الفوسفوري الذي يغمس فيه الناخبون أصابعهم لضمان عدم قيامهم بالتصويت اكثر من مرة. وحصل "مركز سواسية لحقوق الانسان ومناهضة التمييز" على عدد كبير من بطاقات ابداء الرأي الفارغة التي كان انصار الحزب الحاكم يوزعونها عشية اجراء الانتخابات في شوارع كفر الشيخ. ورصد كذلك عدم توافر الحبر الفسفوري في لجان انتخابية في محافظات كفر الشيخ والغربية والقاهرةوالاسكندرية، بالاضافة الى لجان اخرى يزول الحبر الفسفوري فيها بالماء والصابون في القليوبيةوالقاهرة، وكشف المركز عن حالات تصويت جماعي لمصلحة مرشح الحزب الوطني من دون تأكد اللجنة الفرعية المشرفة على الانتخابات من وجود بطاقة انتخابية أو بطاقة شخصية في القاهرة والجيزة والشرقية والأسكندرية. وفي كفر الشيخ أيضاً أكد "سواسية" وجود لجنة بلا اشراف قضائي، تتولى تسيير اعمالها مجموعة من الموظفين، كما قال إن صندوقاً اختفى من احدى لجان محافظة الشرقية، وتكرر منع الناخبين من غير اعضاء الحزب الوطني من دخول اللجان في احدى لجان حي مدينة نصر القاهري. من جهة أخرى قال رئيس المجلس القومي لحقوق الانسان الدكتور بطرس بطرس غالي عقب مروره على لجان الاقتراع إن "التجربة ناجحة تماماً"، معرباً عن أمله في أن يصلح تطبيقها في الانتخابات النيابية المقبلة، وهنأ الشعب المصري على "هذه الخطوة الجديدة الناجحة"، معرباً عن أمله في ان تستفيد دول المنطقة من هذه التجربة الفريدة. وأكد أن تجربة الانختابات الرئاسية في مصر مهمة جداً بالنسبة لحقوق الانسان، إذ "لا حقوق بلا ديموقراطية"، واشار الى أن هذه الانتخابات هي "أقوى مساعدة اعطيت للمجلس وانها دعم لكل شعب مصر". ووصف التجربة بأنها "انفتاح سياسي سيساعد على القيام بانفتاح اقتصادي ناجح يواكب عصر العولمة".