بلدية القطيف تدشن سارية "ميدان القلعة" بارتفاع 30 متراً تزامنا مع يوم العلم السعودي    «التجارة» تُشهر بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر    توزيع أكثر من 15.8 مليون م3 من المياه للحرمين في أوائل رمضان    ضبط مواطنين بمنطقة الجوف لترويجهما أقراص خاضعة لتنظيم التداول الطبي    شركة مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة تستحوذ على لعبة بوكيمون غو ب3.5 مليار دولار    نائب أمير حائل يشارك رجال الأمن إفطارهم الرمضاني في الميدان    صم بصحة في ظهران الجنوب    المملكة تستقبل «نخبة آسيا» الشهر المقبل في جدة    توزيع أكثر من 1.5 مليون حبة تمر على سفر إفطار الصائمين في المسجد النبوي يوميًا    خيسوس: هدفنا ثنائية الدوري السعودي و«نخبة آسيا»    ترمب: أميركا لن تسمح بعد اليوم بإساءة معاملتها تجارياً    المفتي العام ونائبه يتسلّمان تقرير فرع الإفتاء بالمنطقة الشرقية للعام 2024    أمير منطقة جازان يتسلم التقرير السنوي لفرع الإدارة العامة للمجاهدين بالمنطقة    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : القطيبة    أمير جازان يتسلم التقرير السنوي لقيادة حرس الحدود بالمنطقة للعام 2024    قائد القوات المشتركة يستقبل نائب قائد العمليات المشتركة الإماراتية    هيئة الصحافيين تعزز الإعلام السياحي بالطائف بورشة متخصصة    ضبط وإتلاف 850 كيلوغرام من الأغذية مجهولة المصدر في محافظة البيضاء بالدمام    نجاح عملية تثبيت كسور العمود الفقري والحوض بتقنية الروبوت    16 حاضنة وأكثر من 234 بسطة وعربة طعام متنقلة بتبوك    تعليم البكيرية يحتفي بيوم العلم السعودي    البرلمان العربي يشيد باستضافة المملكة محادثات أمريكية-أوكرانية    رابطةُ العالم الإسلامي تُثمِّن لمجلس الوزراء شُكرَهُ لعلماء مؤتمر "بناء الجسور بين المذاهب الإسلامية"    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية..الجزائر    أشادتا في بيان مشترك بمتانة الروابط وأهمية تنمية التبادل التجاري.. السعودية وأوكرانيا تستعرضان جهود تحقيق السلام الشامل    «الداخلية» تزين «طريق مكة» بالجائزة المرموقة    هل يوجد تلازم بين الأدب والفقر؟    في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا.. صراع مدريد يتجدد.. وأرسنال في مهمة سهلة    اليمن.. الحوثيون يتوسعون بفرض الإتاوات    السودان.. قائد الجيش يضع شروطاً صارمة للتفاوض    دلالات عظيمة ليوم العلم    سوريا.. توقيف متورطين بانتهاكات "الساحل"    نظام الفصول الدراسية الثلاثة.. الإيجابيات والسلبيات على المجتمع والاقتصاد    6 إستراتيجيات أمريكية ضد عصابات المخدرات في المكسيك    محرز يسجل ثنائية في فوز الأهلي على الريان    جامعة أم القرى تنظم مأدبة إفطار رمضانية للطلاب الدوليين بالتزامن مع يوم العلم    شارع الأعشى والسير على خطى محفوظ    وزير الدفاع يستقبل وزير الدفاع التركي    وكيل محافظة الطائف يشارك أبناء جمعية اليقظة الخيرية الإفطار الرمضاني    مؤسسة الأميرة العنود تنظم ندوة "الأمير محمد بن فهد – المآثر والإرث" برعاية و حضور الأمير تركي بن محمد بن فهد    بناء الجسور بين المذاهب من الحوار إلى التطبيق    إفطار جماعي ومد لجسور التواصل    أبوالغيط يثُمن دور المملكة في استضافة المحادثات الأمريكية الأوكرانية    السلمي والدباغ يزوران غرفة عمليات أجاويد ٣ بخميس مشيط    العالمي أغرق الاستقلال بالضغط العالي    2100 طالب في خدمة المحسن الصغير    «كفو».. خارطة طريق لتسويق الأفلام الدرامية    انطلاق المنتدى الثقافي بأدبي حائل    صِدّ عنه وكأنك ماشفته!!    الفعاليات الرمضانية تشعل التنافس بين حواري بيش    7 أهداف تدخل العميد دوامة العثرات    النواخذة لقلب الطاولة أمام دهوك    وجبات للإفطار بمسجد القبلتين بإشراف هيئة تطوير    شوارع وميادين مناطق المملكة تتزين بالأعلام احتفاء بيوم العلم    «صم بصحة» واحصل على جودة حياة    أمير تبوك يستقبل رئيس مجلس بلدية معان بالمملكة الأردنية الهاشمية    قطاع ومستشفى سراة عبيدة يُفعّل حملة "صُم بصحة" وحملة "جود"    رئيس جمهورية أوكرانيا يغادر جدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا "يسرقون" جثث الموتى اللبنانيين في الفيلم الكندي ؟ . "الشاطئ" : شريط عن لبنان الجديد يتنفس كتابة وفانتازيا
نشر في الحياة يوم 30 - 09 - 2005

في حوار يجمع بطل الشريط"وهاب"بالشابة اللبنانية"جوزيفين"وهما معتقلان في أحد السجون السورية، تصل فنتازية"الشاطئ"الى الذروة. ففيه تقدم"جوزيفين"تفسيراً غريباً، لم نسمع به من قبل، تتهم فيه القوات السورية، المرابطة وقتها في لبنان، بسرقة ونقل جثامين الموتى اللبنانيين بعد استخراجها من قبورها لإعادة دفنها بالأراضي السورية كاختيار كولونيالي استعماري يحاول من خلاله السوريون تأكيد سيطرتهم واحتلالهم للبنان، في انتظار ضمه النهائي اليها، حين تصبح مجرد زيارة ضريح فقيد تستدعي السفر الى حلب ودمشق واللاذقية. ضرورة إنسانية تجعل من فتح الحدود وإلغائها مطلباً شعبياً لن يجد معه الساسة المحليون المعارضون للوجود السوري غير القبول والانصياع بما يضفي على ذلك الوجود الشرعية المتوخاة من دون الحاجة الى استخدام السلاح أو التدخل المباشر في ترتيب البيت السياسي اللبناني وما يصاحبه من احتجاجات محلية ودولية متربصة ضاقت بها سورية ذرعاً.
تحليل أو تفسير بمقدار فقدانه الصدقية والحجة التاريخية، يبرز في المقابل مدى استعداد جانبي الصراع السوريون والرافضون لاستمرار تواجدهم في لبنان لتكريس الوجود والتمسك به من جهة، ولرفض الخنوع والخضوع للأمر الواقع من جهة أخرى حد رمي الاتهامات جزافاً. كما أنه تحليل يظهر أيضاً مدى إحساس اللبنانيين بوقع التواجد السوري على أراضيهم مهما حمل من مسوغات اقليمية أو قومية، وتدخله في كل مناحي الحياة إجتماعية كانت أو سياسية أو ثقافية من الولادة الى الموت والدفن.
نظرة"برانية"
"الشاطئ"شريط كندي - فرنسي، بإخراج لبناني مغترب، عن الحياة والموت وعن الاغتراب والوطن أيضاً. إنه نظرة"برانية"تحاول تحليل واقع لبناني مغرق في القتامة والتعقيد. شريط استعار كل شيء من الآخر لتقديم رؤية عن الذات. فالتمويل والتقنية فرنكوفونيان، وفضاء الأحداث تحول من لبنان الى ألبانيا، والممثلون إما كنديون يتحدثون بفرنسية"غير لبنانية"أو بعربية أقرب ما تكون الى اللغة السلافية ما خلق نوعاً من التباعد بين الواقع المحلي وما تم تصويره وابرازه تخييلياً. فليس هناك ما يمنح السينما واقعيتها أكثر من بناء الفضاء والشخصيات الدرامية وفق آلية تسمها بأكبر قدر من الصدقية والتطابق مع الواقع كأولية فنية لا محيد عنها. وفي"الشاطئ"افتقدنا هذه الرغبة لدى مخرج الشريط اللبناني الموزع في غربته وانتمائه بين فرنسا وكندا: وجدي معوض.
وجدي معوض خريج المدرسة الوطنية للمسرح بمونريال وحائز مجموعة من الجوائز والأوسمة التقديرية، عن مجمل أعماله المسرحية، التي فاقت العشرة، أهمها جائزة الدولة الفرنسية للفنون والآداب من درجة فارس، وجائزة الفرنكوفونية لسنة 2004، ثم جائزة جمعية نقاد الكيبيك وجائزة الحاكم العام لمنطقة الكيبيك سنة 2000 عن مسرحية" الشاطئ".
"الشاطئ"إذاً انتقال من المسرح الى السينما حاول من خلاله وجدي معوض اقتباس نص مسرحي اشتغل عليه سنة 1997 الى شريط سينمائي بمقومات فنية جديدة أنتجه سنة 2004. وبين المسرح والسينما خطوط تماس إبداعية لا تحجب، في المقابل، الاختلافات الجوهرية في الاشتغال التي تجعل من ذلك الانتقال عملية قيصرية تحتاج الى كثير من التطويع والملاءمة واعادة تشكيل الزمان والمكان لمنحه السلاسة والعمق الكفيلين باعطائه لمسة سينمائية بعيدة من الطابع المسرحي لفضاءاته وأحداثه الأصلية. تحد إبداعي لم يستطع وجدي معوض التميز فيه باعتبار غلبة الأسلوب المسرحي على عدد كبير من مشاهد شريطه تأثراً بالنص الأصلي على رغم نجاحه في كثير من اللحظات في تقديم مشاهد تنم عن حرفية سائرة في التكون والتشكل. فپ"الشاطئ"من هذا المنطلق شكل تجربة فنية جديدة، في المسار الإبداعي لمعوض، أشرت على ولادة مخرج يحمل مشروعاً فنياً جنينياً بميسم خاص ينهل من سينما المؤلف كمرجعية سينمائية لا تسعى الى الفرجة بقدر سعيها للتجريب والإبداع الخارجين عن السائد والمألوف.
برد في مونريال
يبدأ شريط"الشاطئ"بمشهد صادم يتوفى خلاله والد وهاب مجمداً من فرط البرودة في شوارع مونريال الموحشة والخالية من السكان. وفاة شكلت بداية انكشاف كذبة كبرى خيمت على حياة وهاب منذ ولادته. فقد ظل طوال سنوات عمره معتقداً بوفاة والدته في حادث سير وهجرة والده للعيش في البرازيل، وهو الذي لم يبرح في حقيقة الأمر غرفة بائسة في احد فنادق مونريال. ولأن الموت ظل دوماً مرادفاً وملازماً للحياة فقد شكلت وفاة الوالد انبعاثاً للحقيقة التي ظلت مخفية عن الابن من خلال رفض الأخوال دفن الأب في مدافن العائلة، قرب الأم، حيث تبدت الدوافع الحقيقية الممثلة في رفض العائلة لعلاقة الأبوين من بدايتها ثم تحول الأمر الى نقمة حادة على الوالد بدعوى مسؤوليته عن وفاة الأم التي غادرت الحياة مباشرة بعد وضعها للابن وهاب.
شكل الإحساس بالذنب نقطة الفصل في علاقة الأب بابنه حد الاختفاء كلياً من حياته مع الاستمرار في التواجد رمزياً من خلال رسائل صوتية كان الأب يسجل عبرها مشاعره تجاه ابنه من دون هذه التسجيلات الصوتية التي شكلت بداية مغامرة غير محسوبة بدأها وهاب باتخاذ قرار تكريم والده بدفنه بمسقط رأسه في لبنان. ومن هناك كانت الانطلاقة الفعلية لپ"الشاطئ".
يصل وهاب الى لبنان حاملاً نعش أبيه المتوفى مدججاً بالتسجيلات وبصورة والديه سلاحاً لمواجهة المجهول واكتشاف خبايا العلاقة التي جمعتهما على شاطئ بحر اختزل حياتهما الآنية والمستقبلية، متحرراً بذلك من عقده الداخلية الى فضاء أرحب يبقى مفتوحاً على كل الاحتمالات. فلبنان أرض ملغمة لا تزال تلملم جراح حرب أهلية أتت على الأخضر واليابس. تنطلق مغامرة وهاب مع أول لحظة تطأ فيها قدماه أرض الأجداد حيث ترك وحيداً في المطار إلى جانب النعش المسجى في انتظار قدوم سائق سيارة الإسعاف وقت شاء. إذ لا شيء في هذا البلد ينم عن احترام للزمان ولا المكان ولا المشاعر والأحاسيس. فهذا سائق سيارة الإسعاف"ماسي"لا يجد غضاضة في المرح والضحك والاستمتاع بموسيقى راقصة في وجود كفن بسيارته حيث لا فارق بين الحياة والموت في قاموسه. بل استطاع"ماسي"، عكس ما هو منتظر، التآلف مع مخلفات الحرب وتكييفها مع متطلباته اليومية حيث لا تزال آثار الدمار بادية على الغرفة حيث يعيش بلا أدنى تأثير على عاداته الحياتية.
يرفض أهالي مسقط رأس والد وهاب دفنه في مقابرهم بداعي هروبه من البلاد أيام الحرب الأهلية متخلياً عن واجب الدفاع عن أهله وعشيرته، لينطلق باحثاً عن قبر يأويه بلا نتيجة. وطوال رحلته تلك تبدأ استيهاماته التي تصور له والده حياً مصاحباً له في سفره الاستعادي للبلد الأم باحثاً عن أصله وهويته المفتقدة. بدا وهاب طوال الشريط ضائعاً وتائهاً لا يعرف للبنان معنى في جغرافيته وتاريخه وحضارته. وكان لقاؤه مع"ماسي"وپ"ليال"وپ"سابي"وپ"إيمي"وپ"جوزيفين"دليله الوحيد لسبر أغوار تعقيدات البلد. فقد توحد الجميع معه في رغبته الدفينة في إكرام والده المتوفى ربما انتقاماً لذواتهم من ذكريات حرب فرقتهم عن أعز أهاليهم وثقل حاضر يمنعهم من الاستمتاع بحريتهم المكبوتة بسبب الوجود السوري.
نهاية حلم
ولأن الموت ظل مخيماً على أجواء الشريط من بدايته الى نهايته، فكان لا بد لهذا الفريق من مصادفته سواء في مراكز تفتيش الجيش السوري، الذي سعى الى تهريب جثة الوالد الى سورية، كما حال المقابر التي تستخرج منها الجثث تباعاً لإعادة دفنها هناك، أو في مختلف المناطق اللبنانية الملغمة حيث انتهت حياة"ماسي"على إحداها كنهاية لحلمه في الهجرة الى كندا. ولم تتبق من ذكراه إلا رسالة كان يود إرسالها الى المغنية سامانتا فوكس، التي كان يقاوم بها قساوة العيش ووحدته القاتلة بأحلام صغيرة لا تتحقق لمواطنين عاديين لا يدخلون أبداً في اهتمام السلطات على مختلف تلاوينها وتداخل خطاباتها السياسية الواعدة بغد أفضل. الموت حاضر أيضاً في الفيلات الفخمة التي يبيع بعض من مالكيها قطعاً أرضية صغيرة في حدائقها لدفن الموتى وفق طقوس جنائزية مخملية بعيداً من أيدي الأغراب والعابثين. ولسخرية القدر فمالكو الفيلات كانوا في معظمهم تجار سلاح اغتنوا من الموت أيام الحرب وهم يسعون اليوم للاغتناء من الموت ذاته لكن في أيام السلم الأهلي على رغم هشاشته.
لفظت الأرض اللبنانية والد وهاب في حياته وأبعدته عنها مرغماً الى غربته الكندية، وها هي تلفظه مجدداً في موته بسب مخلفات الحرب ذاتها. اعتباراً لكل ذلك لم يكن أمام وهاب وأصدقائه غير البحر بشساعته ورحابة أفقه ملجأ يقبل بوالده ضيفاً لتنتهي قصته حيث بدأت من الأول: الشاطئ الذي شهد لقاءاته الأولى مع زوجته قبل أن تثمر في الأخير وهاباً ولداً متمرداً، باحثاً عن الحقيقة مقبلاً على الحياة في عز انغماسه في واقع الموت المرير. وعلى أرضية شاطئه يتطهر جميع أبطال الشريط أملاً في الانطلاق في حياة جديدة بأسس واقعية وحالمة في الآن ذاته. ألم تتبدى الأم المتوفاة لوهاب محتضنة إياه وهو الفاقد لصدرها وحنانها منذ ولادته؟ والأم في البدء والانتهاء وطن بأبواب مشرعة على الأبناء من دون تمييز أو انتظار لمقابل أو رد جميل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.