فوزية خانجي اسم جديد في عالم الفن والمعارض بدأ يتردد في العاصمة اللبنانية من خلال المعرض الذي نظمته لها أمل طرابلس في غاليري الايبروف دارتيست القرية الفنية. والفنانة عصامية من البحرين، جاءت من مختبر طب الأسنان إلى محترف صناعة الخزف، بدافع الشغف والرغبة في التعلّم والقدرة على توظيف الخيال في آن واحد. ثلاث واربعون قطعة خزفية، جلّها من القدور والأواني والقصعات والجرار والأباريق، تحمل سطوحها مراحل متعاقبة من الصناعة اليدوية، هي بمثابة رحلة اكتشاف وغوص في عجائن الطين اللازب وطلاوة الألوان وبريق المعادن وانواع الخامات والملامس. فهي تعكس المفهوم الجديد الذي طرأ على فن الخزف في اعقاب التمرد على عجلة الخزاف التقليدية وما تقدمه من أشكال جاهزة، واستنباط علاقات جديدة بين الشكل والخامة وأدوات التنفيذ. فالعودة إلى دراسة الطرق القديمة للتشكيل اليدوي الحر، أخرجت الاشكال من ضرورة الالتزام بالتماثل من طريق بنائها بقطع صغيرة مستطيلة الشكل أوأسطوانية. وأفادت الطرق المتعددة للتشكيل اليدوي النحاتون، فتحولوا بنحتهم إلى تشكيلات خزفية مفرغة يتمكنون من حرقها بعد جفافها وتلوينها، وقد ساعدهم ذلك على اكتشاف خواص الطين وصلاحيته للتشكيل وحرقه على درجات حرارة عالية، مما أفسح بظهور ملامس جديدة زاد الحريق العالي من قيمتها الفنية، وصاحب هذا التحول تغييراً في نوعية الطلاء الزجاجي واستخداماته. أما خزفيات فوزية خانجي، فهي تضع المتفرجين أمام فن حديث يستعيد جمالية الفنون البدائية، إذ تذكّر بمخلفات الحضارات القديمة والعصور السحيقة السابقة لاستخدام الدولاب. ولعل ميزة هذه الأواني تكمن في القيمة الابتكارية لأشكال القدور"الأمفور"والأباريق ذات الخطوط المتقوسة والمنحرفة على اعوجاج بفتحاتها المزوّاة، فضلاً عن ملامسها المصقولة الشبيهة بتعريقات الرخام وشفافية الزجاج. غير أن التقنيات الحديثة في التلوين والحرق والصقل، لا تمنع من الاحتفاظ بالمظاهر الأكثر قدماً لهذا الفن، الذي هو فن الأشياء الثمينة في محتويات المتاحف، ويحلم بها كل خزّاف وكأنها تدخل، عمداً أو من دون أن يدري، في صلب ايحاءاته وتصميماته. ولئن كانت فوزية خانجي تتوسّل يديها في تحقيق الاستدارات الكبيرة لبطون الأواني، بما تملكه من معرفة ناتجة عن ملاحظات العين، فإن شكل الفوهات ينم عن سبل هذه المعالجة التي تنأى عن إنجازات الخزافين التقليديين، لا سيما في تفننها بأشكال الأغطية والمقابض التي كثيراً ما تنتهي بعقدٍ من زهور وأغصان، واحياناً تبدو مستوحاة من مفردات حيوانية أو زخارف طوطمية قبلية. علاوة على اوانٍ تستوحي هيئات الطيور وطرق تموضعها. ويأتي كل ذلك في خروج عن الطبيعة النفعية للآنية، نظير وظائفها التزيينية وأغراضها الجمالية. فالطين هو مادة الانسان وتكوينه البدئي ونبضه الأول، وما الآنية إلا وعاء من ظلمة ونور وإن كان ثمة شكل من مادة ولون، فهو ايضاً من قاع وفوهة. وإن كان لا بد للإناء من دلالة، فإن الخزّافة تركت بصمات أصابعها على حقول من الصلصال لونتها كي تتسع لأحلامها في التعبير عن القاع الأزرق للبحار حيث اللؤلؤ والمرجان. فالمساحة تكاد تكون سفراً في سراب الأمكنة، بغية استعادة خصائص البيئة العربية وخصوصاً ألوان الصحراء ورمالها الصفر في مغيب الشمس. البادية حاضرة في أعمال هذه الفنانة التي تتمتع بصفاء متقشف في استخدام اللون الآحادي أو المندمج، إذ ينطلي اللون الأسود على قدورها الصغيرة المزينة عند حلقات مقابضها بجدائل من الليف الأبيض. وثمة أوانٍ يندمج فيها الأسود والمرجاني والبرتقالي، في تمازج وتماوج متنوع التدرجات. وعلى نقيض الملمس المصقول البراق، تتميز بعض الأواني بسطوحها ذات الملامس الخشنة التي تحاكي جمالية أشكال الترسبات من رمال واتربة وفق تناغم لوني يعتمد على الأبيض المكسور بالوردي والرمادي الأسود. معرض فوزية خانجي ينم عن شخصية صاحبته واسلوبها. فالأواني تتفرد بمزايا أصيلة وان كانت معدة لتزين ركناً في المحيط الحديث لأمكنة العيش، فهي تبوح بأسرار الأزمنة الغابرة التي تخرجها عن صمتها. انه الفن عندما يلتقي بخلفيته الشعبية متكئاً على المراس الحرفي.