في سبيل إشراك وسائل الاعلام العراقية الجديدة في العملية السياسية الجارية في العراق، واستجابة للظروف الموضوعية السائدة فيه حالياً... بادرت مؤسسة المنبر المدني بالتعاون مع احدى وكالات الأممالمتحدة، الى إقامة مهرجان للشرائط الوثائقية السياسية باسم"مهرجان الديموقراطيات الجديدة"، على شاشات المحطات التلفزيونية العراقية الجديدة، الأرضية منها والفضائية، بدأ في منتصف أيلول سبتمبر الجاري ويستمر حتى منتصف تشرين الأول اكتوبر المقبل، موعد الاستفتاء الشعبي العام على الدستور العراقي الجديد. والمنبر المدني، هي مؤسسة عراقية مستقلة، تُعنى بدعم منظمات المجتمع المدني الناشئة في العراق، مع التركيز على قطاع الاعلام المستقل خصوصاً، أسسها كل من الزميل اسماعيل زاير وآنا فان أميلروي زاير. وأسهم فرع آمستردام لمنظمة المنبر المدني بشكل مباشر في توفير أكثر من 20 شريطاً وثائقياً سياسياً من انحاء العالم، لتعرض في هذا المهرجان، تتحدث عن التغييرات السياسية من الديكتاتورية الى الديموقراطية في أقطار مختلفة، على مدى الاعوام العشرة الاخيرة. وتقول آنا زاير، مديرة المشروع:"خلال أعوام الحصار الطويلة لم يتسن لمعظم العراقيين الاطلاع على نضالات الشعوب ومعاناة الناس العاديين من أجل الخلاص من الأنظمة الديكتاتورية والشمولية، بسبب الرقابة التي كانت تخضع لها المؤسسات الاعلامية المختلفة في عهد النظام السابق. كما ان الناس في العراق يحملون الكثير من الأوهام، ولا يدركون حتى الآن ان الانتخابات وتشكيل الحكومات الديموقراطية وكتابة الدستور وغيرها من التغييرات السياسية، ما هي إلا بدايات للحلّ، لكنها ليست الحلّ بحد ذاته، انها خطوات على الطريق ليس إلا... وهذا المهرجان يتضمن شرائط تسجيلية عن أناس عاشوا أحداثاً مشابهة - من بعيد أو قريب - لما يعيشه العراقيون حالياً من صعوبات وصراعات وآمال وطموحات وتطورات". وتضيف زاير:"ان المهرجانات السينمائية في الغرب تحوّلت الى مناسبات تجارية واستعراضية في الدرجة الأولى للنجوم الكبار وشركات الانتاج الكبرى. كما ان إدارات هذه المهرجانات والهيئات المشرفة عليها لم تعد تقدّم الخدمات اللازمة للاتصال بصنّاع الأفلام المستقلّين من أنحاء العالم. لذا قام اصدقاؤنا في هولندا بتأمين الاتصالات والموافقات اللازمة كلها للحصول على الشرائط للمهرجان. كما أبدى صنّاعها تعاوناً كبيراً مع المنبر المدني لتحقيق فكرة هذا المشروع، ايماناً منهم بأهميته وفائدته على مختلف المستويات ودعماً للمسيرة السياسية للشعب العراقي السياسية. وقد تمثّلت الخطوة الحاسمة في إقناع منظمة الپUNDP بتمويل فعالية "غير تقليدية"من هذا النوع، فعالية تصبّ عملياً في برنامج تثقيف المواطن العراقي وتوعيته سياسياً من خلال وسائل الاعلام المحلية الناشئة. ونتيجة هذه الجهود المشتركة كلها، وتفهّم ادارات القنوات التلفزيونية المعنية وتعاونها الكبير، أصبح المشروع حقيقة". الأشرطة المشاركة وفيما يلي تعريف بسيط بأهم الأشرطة المشاركة في عروض هذا المهرجان، غير التقليدي، الذي لا يسعى الى جوائز او صفقات تجارية او دعاية او شهرة لصنّاع الأفلام منها سنوات الجزائر الدامية"الجزائر،"شافيز ? في داخل الانقلاب"فنزويلا، "عين النهار"اندونيسيا،"رحلة ليل طويل نحو النهار"جنوب افريقيا،"الاطاحة بالديكتاتور"صربيا،"الديموقراطية المحلية"المكسيك،"الحل النهائي"الهند،"اقتراع سري"ايران، اضافة الى أشرطة وثائقية عربية أخرى منها:"أيام الديموقراطية"مصر،"أين العراق؟"العراق،"نساء في الشمس"فلسطين،"حفظ ماء الوجه"لبنان، و"حول بغداد" العراق. والملاحظة هنا، ان هذه الشرائط تغطي ثقافات وحضارات وتجارب انسانية عالمية وعربية مختلفة، ومعظمها يقترب احياناً الى حدٍ كبير من الوضع العراقي المعقّد الراهن عموماً. إلا ان هذا لا يمكن ان يغطي على حقيقة ضآلة - ان لم نقل هزالة - المشاركة العراقية في المهرجان، وكان يمكن تلافيها من خلال الاتصال المباشر والمسبق بالسينمائيين العراقيين، المقيمين في العراق خصوصاً، من أجل عرض أعمالهم. إذ اننا نعاني هنا من عدم قدرتنا على مواكبة النتاجات المحلية السينمائية على رغم ندرتها. ان إقامة مثل هذا المهرجان بعيداً من وزارة الثقافة ومؤسسة السينما الرسمية، لا يعني بأي حال من الأحوال موقفاً معيناً تجاه هذه الحلقات الرسمية. لكن ضرورات الوضع العراقي الراهن، والمتمثلة في غياب الصالات الصالحة او المناسبة لمثل هذه العروض، والظروف الأمنية والخدماتية السيئة جداً، وضيق الفترة المتاحة لتحضير المهرجان... كلها دفعت الجهات المنظمة للمهرجان - ونقصد المنبر المدني والأممالمتحدة - الى اللجوء الى هذه الفكرة الجريئة، غير المعتادة، أي عرض الأفلام من خلال الشاشات التلفزيونية المحلية خلال شهر من الزمان، ليستمتع بها المشاهدون في منتهى الراحة و"الأمان"داخل بيوتهم. اما المحطات التلفزيونية المشاركة في عروض المهرجان حتى الآن، فهي: العراقية، السومرية، الفرات، آشور، الفيحاء، كوردسات، وربما غيرها أيضاً. ان هذه المحطات الرئيسة - بسبب عائدياتها الاثنية والسياسية والطائفية والمالية - تغطي قطاعات مختلفة وشرائح متنوعة من الطيف العراقي المتعدد مثل قوس قزح، ما يتيح أكبر فرصة للعراقيين من مختلف المشارب والأذواق والميول السياسية للاطلاع على تجارب غيرهم من الشعوب، من خلال تظاهرة فنية وحضارية، بعيدة من الدعاية الديماغوجية المباشرة والاعلام الموجه. وفي حسابات الكلفة والامكانات، فإن أي جهة كانت ستعجز عن إقامة مثل هذا المهرجان بمفردها. لكن التعاون والتضافر بين الجهات المختلفة، والتضحيات والتنازلات، والنيات الطيبة، سهّلت الأمور وأزالت العراقيل. وهكذا يعتبر عرض هذه الأفلام مكسباً فنياً لمحطات التلفزة العراقية الناشئة، القليلة الخبرة، لأنه يعطيها قدراً من الجدية والمستوى والالتزام بقضايا الجماهير والتثقيف العام. ويثبت هذا المهرجان ان من الممكن لمؤسسات المجتمع المدني والمنظمات المستقلة، السينمائية خصوصاً، ان يكون لها دور"سينمائي"فعّال في الدول التي تعاني فيها صناعة"الفن السابع"من أزمات حقيقية. وأخيراً، نأمل بأن يكون عرض هذه الشرائط حافزاً للسينمائيين العراقيين لصنع سينما عراقية أصيلة تقترب من الواقع المحلي المتغيّر بسرعة، ومن هموم الناس ومعاناتهم وتطلّعاتهم الى مستقبل أفضل فعلاً لا قولاً!