احتفظ الحزب الوطني الحاكم بغالبية الثلثين في مجلس الشعب المصري، لكن نظام الرئيس حسني مبارك اخفق في اختبار الاصلاح الديموقراطي خلال الانتخابات التشريعية، وبات عليه ان يواجه ضغوطاً متصاعدة للقضاة المصريين الذين شككوا في نزاهة الانتخابات. وحسب نتائج الجولة الاخيرة للانتخابات التي اعلنتها أمس الخميس اللجنة العليا للانتخابات، فاز الحزب الوطني ب 324 مقعداً في مجلس الشعب اي ب 72.9 في المئة من اجمالي عدد النواب المنتخبين البالغ عددهم 444 عضواً، فيما فاز الإخوان المسلمون ب 88 مقعداً اي قرابة 20 في المئة من عدد نواب البرلمان. وفازت أحزاب وقوى المعارضة المصرية الأخرى ب 14 مقعداً في البرلمان بينما حصل المستقلون على ستة مقاعد. وكانت الولاياتالمتحدة التي تعتبر مصر حليفها الرئيسي في العالم العربي، اعتبرت ان الانتهاكات التي شابت الانتخابات المصرية"تثير مخاوف جدية حول مسيرة الاصلاحات السياسية في مصر وتبعث بمؤشر خاطئ حول التزام مصر بالديموقراطية والحرية". وشهدت الانتخابات التي استمرت قرابة شهر وأجريت على ثلاث مراحل انتهاكات واعمال عنف واسعة النطاق خاصة خلال جولتيها الاخيرتين، إذ تدخلت الشرطة على نطاق واسع لمنع الناخبين المؤيدين لجماعة الاخوان المسلمين من الاقتراع ما اسفر عن مواجهات اسفرت عن سقوط 11 قتيلا منذ بدء الانتخابات. واعتبر المرشد العام للإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف في بيان أصدره ان التدخلات الأمنية و"الحشود الامنية المكثفة التي منعت الناخبين من الاقتراع تعد اهداراً لارادة شعب مصر وحقه في اختيار ممثليه ونوابه". ولكن التحدي الأكبر الذي واجهته السلطات المصرية خلال الأسابيع الأخيرة تمثل في احتجاجات القضاة الذين اوكل اليهم الدستور المصري مهمة ادارة العملية الانتخابية وقالوا انهم لم يتمكنوا من اداء واجبهم واعلنوا ابراء ذمتهم من نتائج الانتخابات. وأكد نادي قضاة مصر في بيان أصدره الجمعة الماضي ان السلطات التنفيذية لم تمكن اعضاءه من الاشراف على العملية الانتخابية في شكل كامل، وانهم عجزوا عن تمكين الناخبين من الاقتراع بسبب"قيام الشرطة بحصار العديد من لجان الاقتراع واحيانا القرى لمنع الناخبين من الادلاء بأصواتهم بالقوة الى حد استخدام القنابل المسيلة للدموع او اطلاق الرصاص للارهاب والضرب بالعصي". وقال نادي القضاه انه سيبحث مقاطعة اعضائه لأي"انتخابات مقبلة"خلال اجتماع الجمعية العامة للنادي في 16 كانون الاول ديسمبر الجاري. وقال المستشار احمد مكي نائب رئيس محكمة النقض الذي يعد من ابرز قادة نادي القضاة"نأمل ان يتم اعفاؤنا من الاشراف على الانتخابات مستقبلاً حتى لا نتحمل وزر تزويرها وحتى لا نخدع شعبنا". وكان العديد من القضاة ادلوا بشهادات علنية امام وسائل الاعلام عن وقائع تزوير كانوا شهودا عليها خلال الانتخابات ما شكل حرجا كبيرا للحكومة المصرية. ويعتزم القضاة الذين يطالبون منذ ستة اشهر بتعديل تشريعي يكفل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية، مواصلة ضغوطهم على الحكومة المصرية من اجل اقرار هذا التعديل. وأكد نائب رئيس محكمة النقض هشام بسطويسي ان"استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية هو حجر الزاوية الان لأنه الضمانة لاجراء عملية انتخابية سليمة". واعتبر الباحث في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية في الأهرام نبيل عبدالفتاح ان ضغوط القضاة خلال الشهور الاخيرة تعبير عن"تمسكهم بمبدأ دولة القانون وبالتوازن في العلاقة بين سلطات الدولة". وأضاف ان"الانتخابات اكدت انعدام الرغبة في الاصلاح الديموقراطي الذي يجب ان يقوم اولاً على اصلاح الخلل في البناء الدستوري الذي يحول دون التوازن بين السلطات الثلاث للدولة". وقال الباحث في المركز نفسه ضياء رشوان ان الانتخابات التشريعية لم تكن"في مجملها مؤشرا على اصلاح ديموقراطي". وأكد ان هذا الاصلاح"يتطلب، اضافة الى نزاهة العمليات الانتخابية، وجود تشريعات ديموقراطية ومؤسسات ديموقراطية وهو أمر مفتقد في مصر". وقال رئيس مركز القاهرة لدراسات حقوق الانسان بهي الدين حسن ان"الانتخابات التشريعية اكدت انه ليس لدى النظام ارادة سياسية حقيقية للاصلاح الديموقراطي وقلصت عدد الذين كانت تساورهم اوهام بهذا الشأن".