انتهت رسمياً الانتخابات البرلمانية المصرية أمس بمزيد من القتلى والجرحى والعنف والتجاوزات والاحكام القضائية التي تبطل نتائج بعض دوائرها واحتجاجات وشكاوى من جانب اطراف اخرى غير الحزب الوطني الحاكم الذي بدا مطمئناً الى حصوله على ما يزيد على ثلثي مقاعد البرلمان المقبل. وسقط سبعة قتلى في هذا اليوم الانتخابي الدامي. وكان العنف سيد الموقف منذ الصباح، وظل يتصاعد مع منع الناخبين من دخول لجان الاقتراع في الدوائر التي خاض فيها نحو 35 من مرشحي جماعة"الإخوان المسلمين"المنافسة. مع اصرار الناخبين في تلك الدوائر على تخطي الحواجز الأمنية أمام لجان الاقتراع، تحوّلت شوارع الى ساحات مواجهة بين الشرطة والناخبين، كما سُجّلت اعمال بلطجة بين مؤيدي مرشحي"الوطني"من جهة ومناصري مرشحي"الاخوان"من جهة ثانية. وسُجّل أيضاً اعتداء على رئيس الحزب الناصري السيد ضياء الدين داود المرشح في دمياط. وبدا التناقض واضحاً ما بين رؤى المسؤولين الرسميين الذين اكدوا نزاهة الانتخابات وشفافيتها ونفيهم اي تدخلات لمصلحة مرشحي الوطني، وبين ما صدر عن قوى المعارضة والمنظمات الحقوقية والمشاهد التي رآها مراسلو الصحف وعرضتها الفضائيات لوقائع اليوم الأخير من الانتخابات. وبدأ هذا اليوم الانتخابي الطويل بمشكلة قضائية عندما ابطل القضاء نتائج الجولة الأولى في ثلاث دوائر هي بندر كفر الشيخ في محافظة كفر الشيخ وأجا ودسوق في محافظة الدقهلية، ما زاد من الارتباك. واعتقد الناس في تلك الدوائر أن الشرطة تتخذ تعليمات بمنعهم من الاقتراب من لجان الاقتراع، لكن ما خفف من ذلك الاعتقاد أن جماعة"الاخوان"لم يكن لها سوى مرشح وحيد في واحدة من الدوائر الثلاث. وسيتعين اجراء الانتخابات لاحقاً في ست دوائر انتخابية بعدما الغى القضاء نتائج الانتخابات في دوائر المنشية في محافظة الاسكندرية واطسا في الفيوم والقناطر الخيرية في القليوبية. ول"الإخوان"في الدوائر الثلاث أربعة مرشحين. واللافت أن الدوائر التي اقتصر فيها الصراع بين مرشحي الوطني فقط لم تكن ساخنة بل جرت فيها الانتخابات في هدوء، وأبرز التلفزيون الرسمي مشاهد منها، في حين كانت المشاجرات والكر والفر ما بين الشرطة والناخبين والقنابل المسيلة للدموع والرصاص المطاطي وأعمال البلطجة تتم في الدوائر الأخرى التي يتنافس فيها الوطني مع الإخوان. وعلى رغم ذلك، لم يمثل ما جرى أمس مصدر قلق للوطني، إذ صرح الأمين العام للحزب السيد صفوت الشريف بأن الحزب"يقترب من حسم الفوز بغالبية مقاعد البرلمان"، مشيراً إلى توقعات بفوز الحزب الوطني بنحو مئة مقعد في جولة الاعادة للمرحلة الثالثة. وقال الشريف إنه"إذا فاز الحزب بهذه المقاعد طبقاً للتوقعات سيكون الحزب حصل على نسبة 75 في المئة من مقاعد البرلمان المقبل، ما يتيح له تنفيذ برنامجه الاصلاحي الشامل والطموح الذي يسعى إلى تحقيق آمال وطموحات كل مواطن مصري على أرض مصر"، معتبراً أن التنظيم الحزبي في جولة الاعادة"كان أكثر ترابطاً وأكثر وقوفاً خلف مرشحي الحزب"، مؤكداً"ان ذلك يأتي استشعاراً وايماناً كاملاً من كوادر الحزب واعضائه بأهمية الحسم والحصول على الغالبية لمصلحة الحزب". أما الداخلية المصرية فنفت في شدة وقوع أي تجاوزات أو منع الناخبين من دخول لجان الاقتراع، واعتبر الناطق باسم الوزارة اللواء ابراهيم حماد أن الانتخابات"جرت في ظل وضع أمني تحت السيطرة"وأن الشرطة"قامت بواجباتها الامنية في حماية اللجان الانتخابية وحماية القضاة من أي تهديد أو اخلال بالامن". وقال إن"أجهزة الامن رصدت منذ وقت مبكر وبناء على معلومات رصدتها قيام بعض مؤيدي وأنصار المرشحين باستهداف عشر لجان انتخابية كان يتم التجهيز لها للقيام بعلميات بلطجة"، معربا عن أسفه الشديد بعدما"تبيّن ان جماعة"الاخوان"المحظورة والقائمة على تلك المقار تورطت في التخطيط للقيام بأعمال شغب وبلطجة". وتحدث عن قيام الشرطة بحفظ النظام و"مواجهة بعض عناصر البلطجة التي كانت تستعد للاخلال بالعملية الانتخابية في سوهاج". وانتقد المسؤول الأمني قناة"الجزيرة"الفضائية، وقال إن ما تردده عن سير الانتخابات"غير صحيح ولا يتسم بالدقة"، ونفى منع أطقم القناة من متابعة الانتخابات. أما وزير العدل المستشار محمود أبو الليل وهو أيضاً رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات فتحدث عن تجاوزات، وأكد أن العمل انتظم في مختلف اللجان الانتخابية على مستوى المحافظات التسع التي جرت فيها انتخابات الاعادة. الوضع في اللجان الانتخابية وبالقرب منها كان مختلفاً، وسُجّلت شكاوى لمرشحي"الإخوان"والمعارضة ومراقبي الانتخابات من تصاعد"التدخلات الأمنية والانتهاكات"مع كل جولة من جولات الاستحقاق البرلماني. وقُتل ثلاثة مواطنين في دمياط في الصباح هم: السعيد حسن الدغيدي وعاطف محمد احمد وشعبان ابو أربعة وبعد الظهر قتل ثلاثة آخرون في الشرقية وقتل سابع في الدقهلية وأصيب العشرات في مختلف المحافظات، فيما تواترت الشكاوى من اعتقالات جماعية في صفوف"الإخوان"في ست محافظات من تسع اقترعت أمس، إضافة إلى قيام قوات الأمن بمنع الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع والاعتداء على المراقبين وطردهم من اللجان. وأصدر الحزب الناصري بياناً قال فيه إن"قوات كثيفة من الأمن حاصرت منذ الصباح قرية الروضة وعدداً من القرى التي تتضمن الكتلة التصويتية الاساسية لرئيس الحزب المرشح في دائرة فارسكور في محافظة دمياط، وحتى المساء لم يتم السماح لأي مواطن بالدخول إلى لجان الاقتراع". وقال الحزب إن"اعتداء وقع على ضياء الدين داوود نفسه ومعه الامين العام للحزب احمد حسن اثناء مطالبتهما قوات الامن بالسماح للناخبين بدخول لجنة الروضة". ورصدت"اللجنة المستقلة لمراقبة الانتخابات"اعتقال عشرة من مندوبي نائب رئيس حزب"الوفد"مرشحه في دائرة تلين الدكتور محمود أباظة الذي ينافس شقيق رئيس ديوان الرئاسة الدكتور زكريا عزمي، كما اعتقل أنصار مرشحين مستقلين آخرين ينافسون مرشحين للحزب الحاكم في سوهاج. وشددت الولاياتالمتحدة رويترز موقفها تجاه مصر أول من أمس منتقدة احتجاز سياسي ليبرالي ومثيرة تساؤلات في شأن مدى التزام القاهرة بالاصلاح بعد الأحداث التي شهدتها الانتخابات البرلمانية. وقال ادم ايرلي نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية ان احتجاز مرشح انتخابات الرئاسة السابق أيمن نور وساسة اخرين من المعارضة وتجاوزات افراد الامن ومنع مراقبين محليين وناخبين من دخول مراكز اقتراع امور مثيرة للانزعاج. وقال:"شهدنا عدداً من التطورات خلال الانتخابات البرلمانية على مدى الاسبوعين الماضيين المثيرة لبالغ القلق في شأن مسار الاصلاح الليبرالي في مصر". واضاف:"من البديهي ان هذه الأمور بعثت اشارة خاطئة في شأن التزام مصر بالديموقراطية والحرية. نرى انها غير متسقة مع التزام حكومة مصر المعلن بزيادة الانفتاح والحوار السياسي داخل المجتمع المصري". وهذا اقوى انتقاد علني حتى الآن لأسلوب تعامل الحكومة المصرية مع العملية الانتخابية، ويأتي بعد شكاوى جماعات حقوقية تقول ان الولاياتالمتحدة تجاهلت تجاوزات انتخابية منذ بدء الانتخابات في 9 تشرين الثاني نوفمبر. وأمرت محكمة مصرية الاثنين بحبس رئيس حزب الغد مرشح الرئاسة السابق أيمن نور الى السبت على ذمة قضية التزوير المتهم فيها في تحرك قال ديبلوماسيون اميركيون ان واشنطن حذرت السلطات المصرية منه. وقدم السفير الاميركي لدى مصر شكوى رسمية الى حكومة القاهرة وحض ايرلي السلطات على بذل كل ما في وسعها لضمان اتفاق محاكمة نور مع المعايير الدولية. وقال ايرلي:"اوضحنا ايضاً اننا سنتابع هذه المحاكمة عن كثب. يجب ان يكون للشعب المصري حرية الحديث والتجمع واختيار زعمائه في مناخ خال من الترويع".