ذكرت جريدة"الحياة"في تاريخ 11 آب أغسطس أن مصادر من داخل الجمعية الوطنية العراقية أفادت أن الاتفاق العراقي ? الايراني البترولي"بحاجة إلى مزيد من الدراسة والتدقيق في جدواه الاقتصادية وأهدافه القريبة والبعيدة المدى". وكانت وردت أخبار في الشهر الماضي تفيد أن رئيس الوزراء العراقي ابراهيم الجعفري وفريقه الوزاري المرافق له قد ناقش مع الجانب الإيراني في طهران مشروع تبادل بين النفط الخام ومنتجاته، وذلك بضخ النفط من حقول البصرة إلى مصفى عبادان بخط أنابيب ذكر انه بطول 40 كيلومتراً وقطر 24 عقدة، ومن ثم إرجاع المنتجات المكررة بخط مواز وأطول إلى الشبكة العراقية. أما الكميات فقد اختلفت بحسب التصريحات. ألا أن وزير النفط العراقي ابراهيم بحر العلوم قال ان العراق سيضخ في بادئ الأمر 150 ألف برميل في اليوم ويستلم 50 مليون ليتر من المنتجات الخفيفة الغازولين والنفط الأبيض وزيت الغاز. وهذه الأرقام، في حال صحتها، تثير الكثير من الشكوك حول الجدوى الاقتصادية من المشروع المقترح واحتمال تحقيقه. إن حماسة الوفد العراقي أدت به إلى إهمال حقائق أساسية في نظام إنتاج واستهلاك المنتجات النفطية في إيران. وبعكس ذلك، نرى حذراً من الجانب الإيراني كما جاء على لسان بيجان زنكنه وزير النفط السابق الذي قال إن تنفيذ المشروع يحتاج إلى مزيد من الاستقرار في العراق. ويبدو أن السيد زنكنه يتحدث عن مشروع لاستلام كامل احتياجات مصفى عبادان البالغة ما يقرب من 400 ألف برميل يومياً، على أن تصدر إيران ما يعادلها من جزيرة خرج لمصلحة العراق. وأضاف السيد زنكنه ان إيران راغبة بمساعدة العراق لمواجهة نقص المنتجات النفطية، على ألا يشمل ذلك الغازولين والنفط الأبيض وزيت الغاز، وهذه المواد هي بالضبط ما يحتاجه العراق ولا تملكه إيران. وبما أنه تم توقيع مذكرة تفاهم فقط، لا يبدو اذاً أن اتفاقاً كاملاً قد حصل وان المباحثات الفنية ستستمر لاحقاً. غير أن على العراقيين أن يتذكروا أن إيران تستورد الغازولين، لأن مصافيها لا تنتج أكثر من 190 ألف برميل يومياً، بينما استهلاكها يتجاوز 300 ألف برميل، كما تذكر نشرة اوبك الإحصائية. أما بالنسبة الى المنتجات الوسطية النفط الأبيض وزيت الغاز، فإن إيران بالكاد تستطيع تلبية احتياجاتها الذاتية أحياناً، ومن ثم الحاجة إلى استيراد بعضها. إذ يبلغ استهلاك هذه المنتجات 550 ألف برميل يومياً فيما يصل الإنتاج إلى 530 ألف برميل يومياً. إن مصافي إيران متطورة فنياً وكمياً نسبة إلى مصافي العراق ولكنها تعمل بطاقة عالية ربما بلغت حدودها القصوى، لذا فإن إيران مقبلة على توسعات كبيرة في مصافيها لمواجهة الطلب المحلي على المنتجات. وعلى هذا الأساس، فإن إيران لا تستطيع التخلي للعراق عن طاقة تكرير هي بأمس الحاجة إليها وذلك بتخصيص هذه الكميات من المنتجات الخفيفة من عبادان، إضافة إلى إثقال كاهلها بفائض زيت الوقود الذي سينجم عن العملية. وربما تستطيع إيران ذلك إذا اختارت استيراد كمية متكافئة من المنتجات التي ستصدرها إلى العراق. وإذا كان هذا هو الأمر، فلماذا لا يستمر العراق باستيراد احتياجاته مباشرة من خلال مؤسسة التسويق"سومو"واستثمار الأموال في تحسين بنيته التحتية في الموانئ ومحطات الخزن وخطوط الأنابيب؟ أما إذا اختارت إيران الاستيراد من آسيا الوسطى، كما هي الحال اليوم، فإن هذا الطريق يعتبر مكلفاً ومحدوداً إذ تصل ايران الآن عبره كميات محدودة عن هذا الطريق من خلال عملية معقدة في النقل والاستلام، ذلك انه لا يسمح للناقلات العراقية العمل في إيران وان عليها استلام المنتجات على الحدود العراقية. وبالتأكيد فإن على المرء أن يشجع ويساعد على التعاون بين بلدين متجاورين بما يضمن المنفعة لكليهما. ولكنني لا اعتقد بأن هذه المباحثات في ضوء ما ورد أعلاه ستؤدي إلى هذه المنفعة، لأن أحد الأطراف لا يملك ما يحتاجه الطرف الآخر، وبالتالي فإن المضي في مشروع كهذا سيجعل الإيرانيين يطالبون بأجور عالية لتعويضهم عما سيتحملونه من نقل المنتجات البديلة المستوردة إلى مراكز الاستهلاك وعند ذلك سيدرك العراقيون أن هذا ليس من مصلحتهم. وبالنسبة الى التبادل المباشر للنفط الخام من خلال مصفى عبادان، فإن هذه الفكرة طرحت للمرة الأولى في 1990، ولكنها استبعدت بعد فترة قصيرة لأنها لم تكن عملية. ولكن بعد أن عاد العراق الى السوق النفطية في نهاية 1996 أرسلت إيران احد كبار موظفي التسويق إلى بغداد لمناقشة إيصال النفط إلى عبادان. ومن خلال المناقشات ظهر للعراقيين أن الإيرانيين يسعون للحصول على حسومات أساسية في الأسعار من خلال هذا المشروع. ونوقش الموضوع أيضاً بين السيد زنكنه ووزير النفط العراقي في ذلك الوقت عامر رشيد أثناء وجود الوزيرين في فيينا في احد مؤتمرات اوبك من دون أن يحصل تقدم في الموضوع، إذ كانت صادرات العراق في ذلك الوقت محدودة في مقابل الأجور العالية أو السماحات التي سيطالب بها الإيرانيون. وبعد احتلال العراق قام ابراهيم بحر العلوم بزيارة إيران مرتين في 2003 و 2004 للترويج لمشروع ضخ النفط إلى عبادان من دون أن يحصل تقدم جديد في الموضوع. وفي الوقت الراهن، فإن مرافئ العراق اكبر من احتياجات صادراته النفطية حتى لو ارتفعت هذه الصادرات في المستقبل القريب. ولذا يبدو أن على العراق التركيز على تصليح وتحديث وتوسيع مرافئه في الخليج العربي ومنافذ التصدير الأخرى، بدلاً من الشروع باستحداث منافذ جديدة ومكلفة وان تبادل النفط من خلال عبادان يجب أن ينتظر وقتاً أفضل في المستقبل قد يجعله أكثر فائدة وقبولاً للطرفين. كما أن على العراق السعي لتوسيع خطوط أنابيب المنتجات بين الجنوب وبغداد، وتحسين منشآت استقبال المنتجات في المرافئ إذا كانت هناك رغبة في حل إشكالات استيراد المنتجات النفطية وتلافي الشح في مراكز الاستهلاك. والأهم من ذلك فإن على العراق تحسين طاقة اشتغال المصافي التي لا تتجاوز حالياً أكثر من 60 - 70 في المئة مما كانت عليه قبل الاحتلال. * خبير سابق في وزارة النفط العراقية ومدير سابق لدائرة دراسات الطاقة في سكرتارية اوبك.