يتدفق الآلاف من الطلاب في لبنان، في فصل الصيف الى سوق العمل بحثاً عن وظيفة موقتة تغطي نفقات الاجازة الطويلة نسبياً وجزءاً من نفقات ما بعد الاجازة! ولأن المؤسسات الصناعية والتجارية تعاني من ازمات متلاحقة إسوة بالقطاع الزراعي فإن المؤسسات السياحية الاكثر نشاطاً في فصل الصيف تفتح ذراعيها لمعظم هؤلاء الوافدين الجدد. والمؤسسات السياحية تعني في قاموس الصيف الفنادق والمطاعم والمسابح والمرابع الليلية والمقاهي وهي تشهد عادة في هذه الفترة من السنة حركة استثنائية تفرض عليها الاستعانة بعاملين موقتين حتى نهاية موسم الاصطياف. وتحظى مهنة النادل بالعدد الاكبر من طالبي العمل لأنها الاكثر توافراً وتتلاءم الى حد بعيد مع ظروف الطلاب، انها لا تتطلب خبرة مهنية خاصة بل يكفي النادل أن يكون لبقاً، مهذباً، يحسن التعامل مع الزبائن ويلبي طلباتهم بسرعة ويتقن على الاقل لغة اجنبية واحدة. ويرغب بعض الطلاب بمهنة النادل لأنها، إضافة الى المعاش الثابت الذي تؤمنه، تحقق مداخيل اضافية من البقشيش"وهي مبالغ لا بأس بها"كما يقول فارس الذي يعتبرها الرصيد الذي سيدّخره لتغطية النفقات الخاصة للسنة الدراسية المقبلة. أما سامر فيرى في وظيفة النادل فرصة للتعرف الى نماذج مختلفة من الناس من جنسيات متعددة، ينتمون الى طبقات اجتماعية وثقافية مختلفة. ويتحدث عصام عن الصداقة التي عقدها مع سائح الماني كان يمضي الصيف الماضي في ربوع لبنان"وقد امتدت صداقتنا الى ما بعد عودة الاخير الى بلده ونحن لا نزال على اتصال دائم". ويرى فادي ان هذه المهنة تحوّله الى خبير نفساني يستطيع من خلال طلبات الزبائن وتصرفاتهم ومزاجيتهم، التعرّف الى هموم الناس ومشكلاتهم"وإن كلمة لطيفة مرفقة بلقمة لذيذة تتحول احياناً الى مفتاح لقلوبهم!". غر ان هذه المهنة ليست كلها ورود وتجارب شيقة كما يصفها بلال:"أنا بصراحة مجبر على ممارستها لأن لا خيار لدي. فإما هذه المهنة أو لا عمل في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة وهذا يعني لا مدخول! لذلك أمارس هذه المهنة الشاقة نفسياً وجسدياً. اضطر الى الوقوف طوال ساعات العمل التي تطول احياناً الى ما يزيد العشر ساعات". وما يجعل هذه المهنة اكثر تعباً ان الزبون اللبناني بخاصة والزبون العربي بشكل عام لا يبدي احتراماً للنادل."وهذا ما يزعجني نفسياً ويشعرني بالغضب وأنا أمارس عملي. صحيح انه كريم ويعطي بقشيشاً محترماً لكنه بالمقابل ينظر الى النادل بتعالٍ ولا يبدي تقديراً له كإنسان بل يتعامل معه كخادم. في حين ان هذا النادل يكون احياناً طالب طب أو هندسة أو على وشك التخرج في جامعته!". ويؤكد زميله مازن هذا الكلام فيرى"أن خدمة الزبون الاجنبي تمنحه راحة أكبر اذ يتلقى منه الاحترام لأنه يمارس عمله بجدية على رغم ان"بقشيشه"ليس بذي قيمة!". أما عادل فيرى ان شعوره بأن هذه المهنة هي مجرد عمل موقت يخفف عنه الاحساس بالسوء الذي يلازمه في تعامله مع بعض الزبائن الذين لا يقدرون الجهد الذي يبذله. لكن لفارس رأياً آخر:"أنا أتعرّف إلى أصول المهنة بحسناتها وسلبياتها لأنني آمل بعد تخرجي الوشيك ان تكون لي مؤسستي السياحية الخاصة!". تتعدد الآراء لكن المهنة واحدة! نادل في مقهى أو مطعم أو فندق هي المهنة الاكثر توافراً لشباب يبحث عن تجربة مهنية جديدة تكسبه الخبرة والفائدة المادية وتضيء له بالتالي على بعض جوانب الحياة الوعرة !.