لا شك في أنّ ضيق مجالات العمل ينعكس سلباً على آمال الشباب وبناء مستقبلهم. بالتالي، كل تغيير يطرأ على حياة الإنسان يؤدي حتماً إلى تغيير في الطموح وتبديل في مستواه. فالطلاب اليوم يتوجهون إلى مختلف الاختصاصات غير مدركين مجالاته وفرص عمله بما يناسب قدراتهم. وهنا تطرح علامات الاستفهام عن المستقبل الذي ينتظرهم بعد عناء الدّراسة لمدة سنوات. ومن أهم العوامل المؤثرة في سلوكهم علاقتهم بالأهل. فالأهل ينتظرون منهم تحقيق شيء ما، فيقحمونهم في دراسة او مهنة معيّنة على رغم عدم ميلهم او استعدادهم لها وبعيداً من حاجات سوق العمل. أما النتيجة فتكون شبّاناً غارقين في دوامة الحيرة والقلق، يبحثون من دون كلل أو ملل عن فرصة يثبتون أنفسهم من خلالها... لذلك، تظهر بوضوح اهمية التوجيه التربوي والمهني في حل هذه الازمات بين الاهل والأولاد لتحقيق طموحات الطفل ضمن اطار التكامل الاجتماعي السليم. لكن ما يحصل اليوم من تطور سريع، يدفع بالشباب الى الصراع والتردد ازاء هذا العالم المتجدد، من دون ان يكون لهم المعين او المساعد. فالتوجه إلى اختصاصات معينة دون سواها ادى الى تقلص عدد من الموظفين من مختلف القطاعات وزيادة بالتالي مسؤوليات آخرين. وفي الحالتين يدفع المواطن الثمن. فالحالة الأولى تؤدي إلى البطالة، فيما تؤدي الثانية إلى شعور العامل بالضغط والغبن المادي والمعنوي. بالتالي يؤثر كل ذلك في سياق العمل ونتيجته. إذاً، يجب أن تكون مسؤولية التوجيه نتيجة تفاهم الجميع ونعني الفرد مع العائلة والمجتمع، في إطار يؤمّن طاقات الفرد في خدمة المجتمع وإمكانات المجتمع في خدمة الفرد. لذلك على الأهل أن يضافروا جهودهم لكي لا يوصلوا طفلهم الى الهاوية وذلك من خلال اتباع توجيهات معينة منها أن يمنحوه الحرية التامة في التعبير عن مشاعره، وأن يتناسوا مشكلاتهم الزوجية التي تجعل حياته ومشاعره مضطربة. عندئذٍ تتوحد طاقاته ويطمئن إلى وجوده، فيستقطب مستقبله كل اهتماماته وتفكيره. كما على الأهل أن يوجّهوا أبناءهم وفقاً لما يتلاءم مع ميولهم ورغباتهم لا مع رغبات الأهل وارادتهم. أما المدرسة فتكمل ما اعدته العائلة وتحاول اصلاح ما افسدته، ومن جهة ثانية تجعل الفرد يتوافق مع متطلبات المجتمع الذي يعيش فيه. ولكي تقوم المدرسة بوظيفتها التربوية، عليها ان تؤمن اختصاصيين في مختلف المجالات النفسية - التربوية: عالم نفس ومساعد اجتماعي ومرشد او موجه دراسي وتربوي. بذلك يشكلون فريقاً تربوياً يضع برنامج عمل يساعد في التعرف الى التلميذ وميوله. ومن اجل ذلك يجب التعاون بين البيت والمدرسة، والتركيز على عملية التوجيه منذ الصّغر والتّعرف عن كثب الى عالم العمل بطريقة واقعية. وأخيراً على الدولة في اطار التخطيط الشامل والمسؤول، ان تُلقي نظرة الاهتمام على هذا الكمّ الهائل من المتخرجين وتحاول جاهدة تطوير مجال الارشاد التربوي. فالشروع في كل اصلاح تربوي يجب ان يبدأ بايجاد خدمات التوجيه والارشاد على يد الجهاز المتخصص الذي سبق وأشرنا اليه.