الفقاعة في سوق الأسهم هو توصيف للحال التي تشهد فيها السوق رواجاً كبيراً لفترات زمنية متواصلة ترتفع فيها أسعار الأسهم إلى حد المغالاة من دون أن تكون ربحية الشركات المدرجة قادرة على توليد الدخل من النشاطات التشغيلية على أسس دائمة. غير أن الوصول إلى قناعة بأن هناك فقاعة في سوق الأسهم ليس بالأمر السهل، ومعرفة متى ستنفجر هذه الفقاعة إن وجدت أمر يكاد يكون مستحيلاً عملياً. ومن المؤشرات لوجود ظاهرة الفقاعة قيام المتعاملين بأسواق الأسهم بتقديم كافة أنواع المبررات لتفسير اندفاعهم نحو أسواق الأسهم مع علمهم بأن الأسعار وصلت إلى حد المغالاة. ويتجه صغار المستثمرين إلى بناء أحكامهم على رأي سمعوه من مصادر"مطلعة"، أو إشاعة لم يتم التأكد منها ويحكمون على الشركات بأنها جيدة أو سيئة اعتماداً على حجم الأرباح التي جنوها من جراء المضاربة في أسهم هذه الشركات. وقد يكون الارتفاع الكبير في الإقراض للقطاع الخاص أحد الإنذارات المبكرة على وجود فقاعة في أسعار الأصول. وهناك أدلة كافية في الأدبيات الاقتصادية تربط بين ارتفاع حجم القروض المقدمة إلى القطاع الخاص، خصوصاً إلى الأفراد، والتغيرات المفاجئة في أسعار الأصول من أسهم وعقارات، ومع الوقت ينعكس الارتفاع الكبير في الأصول على أسعار السلع الاستهلاكية ويترك تأثيره على قطاعات الاقتصاد الإنتاجية. ومن الواضح أنه طرأ ارتفاع على التسهيلات الائتمانية المحلية إلى القطاع الخاص من جانب البنوك العاملة في الأردن ودول الخليج، والتي تتضمن السحب على المكشوف، والقروض والسلف إضافة إلى الإقراض على الهامش لشراء الأسهم. وتراوحت نسبة الارتفاع هذه في نهاية الربع الأول من هذا العام بين 20 في المئة إلى 40 في المئة مقارنة مع مستوياتها في نهاية آذار مارس عام 2004، وهذه النسبة أعلى بكثير من معدلاتها التاريخية. كما ارتفع عرض النقد M2 والذي يعرف بالنقد المتداول إضافة إلى ودائع تحت الطلب وودائع التوفير بنسبة تتراوح بين 16 في المئة و 30 في المئة في هذه الدول خلال الفترة نفسها. ولدينا ما يكفي من الأدلة على وجود مغالاة في أسعار الكثير من أسهم الشركات المدرجة في أسواقنا المحلية. فقد انخفضت نسبة الأرباح الموزعة في المعدل إلى ما دون 2 في المئة، أي اقل من المستوى الحالي للفائدة على الودائع الشهرية. كذلك وصل مكرر السعر إلى العائد مقاساً بأسعار الأسهم الحالية، مقارنة بالأرباح المتحققة خلال الأشهر الپ12 الماضية لعدد من أسهم الشركات الرائدة في عدد من أسواق دول المنطقة إلى مستويات مرتفعة جداً تعدت 35 مرة مقارنة مع أقل من نصف هذا المستوى في الدول النامية. وفي شكل عام، يعتبر مكرر سعر السهم إلى العائد مقبولاً إذا تمت مقارنته مع معاكس العائد على السندات الحكومية طويلة الأجل، والتي وصلت أخيراً إلى 6 في المئة على سندات الخزينة لعدد من دول المنطقة ولآجال استحقاق خمس سنوات، مضافاً إليها 2 في المئة علاوة مخاطرة للاستثمار في الأسهم، أي 6/1 في المئة +2 في المئة أو 18، ومستوى 35 هو أعلى من ذلك بكثير. كما أن سعر السهم إلى قيمته الدفترية، وهو أهم مؤشر للبنوك وللمؤسسات المالية والاستثمارية والوساطة المدرجة أسهمها في السوق، تجاوز مستوى 5 للكثير من هذه الشركات، وهذا يفوق في شكل واضح المعدلات المقبولة عالمياً والتي لا تتعدى 2. وهناك حالات قليلة وصل فيها سعر السهم إلى قيمته الدفترية إلى مستويات مرتفعة جداً تعدت 8. صحيح أن الوضع الحالي لاقتصاديات دول المنطقة ما زال قوياً ويتوقع له متابعة تحقيق معدلات نمو مرتفعة هذا العام أيضاً، إلا أن الزيادة في مؤشرات أسواق الأسهم في كل من الأردن والسعودية والإمارات وقطر والتي تراوحت بين 50 في المئة و 85 في المئة حتى الآن هذه السنة هي أعلى بكثير من الزيادة المتوقعة في ربحية الشركات المدرجة بخاصة من نشاطاتها التشغيلية. لقد أصبحت القصة معروفة. فارتفاع أسعار النفط، والسياسات المالية التوسعية، وانخفاض أسعار الفائدة محلياً وعالمياً، والأداء الاقتصادي القوي، والسيولة الفائضة، وارتفاع أسعار العقارات، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال، كلها ساهمت في ارتفاع أسعار الأسهم خلال السنوات الثلاث الماضية بمعدلات مركبة تفوق 300 في المئة. وكلما ارتفعت الأسعار، انجذب إلى سوق الأسهم المزيد من المستثمرين والمضاربين متوقعين استمرار ارتفاع الأسعار، الأمر الذي يزيد من حجم السيولة الفائضة في السوق. ومع الوقت سيبدأ كثيرون حتى المتشككون منهم، إعادة النظر في تقديراتهم ويقررون الانضمام إلى التوجه العام في السوق والاستثمار في الأسهم ما سيشعل فتيل المزيد من المضاربات. غير أنه عندما تصل أسعار الأسهم إلى حد المغالاة، يبدأ عدد من كبار المستثمرين والمحافظ الاستثمارية التي تدار بطريقة احترافية بالخروج التدريجي والمنظم من السوق. وستؤدي هذه العملية إلى ذبذبات قوية في أسعار الأسهم، فيكون هناك تراجع في الأسعار لأيام عدة، تليها أيام أخرى تشهد فيها السوق ارتفاعاً. ومثل هذه التذبذبات هي مؤشر بأن السوق تمر بعملية تصحيح قد تطول أو تقصر ويصعب التنبؤ بنتائجها، فيقرر المستثمر المحترف الخروج المبكر من السوق قبل انفجار الفقاعة، وعندما تكون إمكانية تسييل الأسهم ممكنة، ما يؤدي إلى المزيد من التراجع في الأسعار، وسينخفض تدريجياً حجم التداول وتصبح عملية البيع هي المهيمنة على السوق. وعندما لا يظهر أحد الرغبة في شراء الأسهم، سيندلع الذعر في السوق يغذيه قيام الوسطاء بتصفية مراكز الاقراض على الهامش المقدمة لعملائهم والتي يحتفظون بها في دفاترهم عند أي سعر. وبهذا تكون الفقاعة قد انفجرت وقد يدخل السوق في مرحلة من التصحيح يصعب تحديد مدتها أو حدتها. قد تختلف ظاهرة الفقاعات من سوق إلى آخر، إلا أن معظم الفقاعات يتشارك في سمات عامة. ففي آذار 2000، عندما وصل مؤشر نازداك لشركات التكنولوجيا في الولاياتالمتحدة إلى أعلى مستوى له، ارتفعت القيمة السوقية للشركات المدرجة ثلاثة أضعاف ما كانت عليه في تشرين الثاني نوفمبر 1998، وأصبحت هناك مغالاة واضحة في أسعار الأسهم، وبدأت المحافظ الكبيرة بالخروج التدريجي ما أدى إلى انخفاض الأسعار بنسبة 78 في المئة خلال العامين اللاحقين. وتلقى الضربة صغار المستثمرين الذين يدخلون السوق عادة متأخرين معتقدين أن الرواج سيبقى إلى ما لا نهاية. ويعتبر أداء سوق الأسهم الصيني مثالاً جيداً على إمكان تراجع أسواق الأسهم حتى عندما تكون البيئة الاقتصادية جيدة، ومعدلات النمو والربحية للشركات المدرجة مرتفعة. فخلال الفترة من تموز يوليو 1994 ولغاية حزيران يونيو 2001 ارتفع مؤشر سوق الأسهم الصيني بنسبة 700 في المئة مدفوعاً بمعدلات نمو اقتصادي قوي وزيادة مضطردة في أرباح الشركات، غير أنه في آب أغسطس عام 2000، وبعد أن وصل مكرر سعر السهم إلى العائد إلى 60 أخذت السوق اتجاهاً معاكساً، فتراجع المؤشر خلال السنوات الخمس اللاحقة في شكل كبير لينخفض مكرر سعر السهم إلى العائد إلى مستوى 15، في الوقت الذي حافظ فيه الاقتصاد الصيني على زخم معدلات نمو اقتصادي قوية. ولا بد من التأكيد بأن حركات التصحيح لسوق الأسهم مطلوبة بين فترة وأخرى، إذ لا يمكن للأسهم أن تبقى محلقة إلى ما لا نهاية، وكلما زاد الارتفاع كلما كان انتفاخ الفقاعة أكبر وكلما كانت عملية تصحيح الأسعار أطول وأشد تأثيراً. فالتصحيح ضروري ومطلوب ليرجع بالأسعار إلى قيمها العادلة، حتى تتماشى مع الأداء الاقتصادي وربحية الشركات وتكون بذلك قد متنت مبررات الصعود مستقبلاً. أنا اعرف من خبرتي الشخصية، أنه من الصعب جداً أخذ قرار الخروج من سوق أسهم يتمتع بأداء جيد، خصوصاً عندما يكون جميع من حولك قد حقق عوائد كبيرة على استثماراته في هذه السوق. إلا أن المستثمر الذي يستند في قراره الى أداء الشركات ويختار الأسهم ذات التقويم المناسب سيكون هو الرابح في المطاف الأخير. الرئيس التنفيذي، أموال إنفست.