لماذا يخصّص التلفزيون الفرنسي لمصر- وتحديداً مصر الفرعونية - كل هذا الاهتمام؟ سؤال لا بدّ من أن يطرحه المرء على نفسه إن هو جلس وراقب هذه القنوات، التي لا يكاد يمر أسبوع إلا وتعرض شرائط تسجيلية وروائية عن مصر وفراعنتها... أسرارهم الخفية، أو اكتشافات جديدة من تلك الحقبة. ولا نغالي إذا قلنا انه منذ ما يزيد على مئتي سنة، وهناك هوس فرنسي - ثم أوروبي عام - بكل ما يتعلق بتاريخ مصر، وحضارتها الفرعونية خصوصًا. فعشرات الكتب الغربية تصدر سنوياً عن مصر بكل أبعادها. ويقدّر بالعشرات وربما بالمئات عدد الباحثين الفرنسيين في الشؤون المصرية، منذ كتاب"وصف مصر"الشهير الذي وضعه علماء نابوليون. وقبل سنوات سجلت أجزاء عدة عن رواية عن الفرعون رمسيس كتبها كريستيان جاك، أرقاماً قياسية في المبيعات، والأمثلة لا تحصى... وبعد.. هل لا يزال السؤال عن أسباب هذا الاهتمام ضرورياً؟ الأكيد أننا لن نتطرق الى تشريح هذه الأسباب على هذه السطور. ما يهمنا هنا هو فيلم الليلة الذي تعرضه قناة"فرنسا 3"عن أهرام سقارة. وهو يعرض هذا المساء بين أعمال عدة عن مصر قدّمت قبل فترة على الشاشات الفرنسية، نذكر منها الأسبوع الذي خصصته قناة"بلانيت"لمصر وعرضت فيه أكثر من عمل عن مصر القديمة، من بينها السلسلة الطويلة ذات الحلقات الأربع بعنوان"زمن الفراعنة"، وهي سلسلة تجمع بين الخيال والتسجيل، وتعيد تشكيل الحياة اليومية في مصر القديمة، التنظيم الاجتماعي، الأديان، من خلال سرد أحداث وقعت بالفعل على الأرض. والأهم انه يعطينا فرصة سماع اللغة المصرية المحكية القديمة. وإضافة الى هذا العمل نذكر فيلم"السر التوراتي للفراعنة"، وهو وثائقي يصور كيف يمكن ان تكون الديانتاين اليهودية والمسيحية متجذرتين في تعاليم أخناتون، كبير فراعنة مصر العتيقة، وفيلم"ملكات النيل"وهو سلسلة اخرى من حلقتين يتابع خطوات الملكة"حتشيبسوت"التي حكمت مصر طوال 20 سنة وتميز عهدها بالسلم والازدهار. وعلى عكس الأعمال السابقة الذكر، يمكن اعتبار فيلم هذا المساء الذي يعرض في السابعة الا خمس دقائق بتوقيت غرينتش"كنز مخبوء في سقارة"جديداً من نوعه، لأنه يتجول في أعماق ذلك الهرم المظلوم، ومن حوله. هرم سقارة، وذلك انطلاقاً من حملة جديدة لاستكشافه بدأت في ربيع العام الفائت، برئاسة كريستيان زيغلر، مديرة قسم العتائق المصرية في متحف اللوفر، بعد حملة العام 2003"التي توصلت الى نتائج مهمة، لا بد من التثبت من حقيقتها". وهكذا تنقلنا عين الكاميرا في هذا الفيلم، في رحلة للإبحار صوب مملكة الشمس والرموز، رحلة مملوءة بالتشويق والاكتشافات الجديدة التي تتوالى شيئاً فشيئاً، لتظهر أهرامات سقارة المبنية بأقدم الحجارة التي يعتقد علماء الآثار انها تعود الى 2600 سنة قبل المسيح، في غنى أثري وتاريخي لا مثيل له... من العقد الصدري الرائع الذي يعود الى حقبة كليوباترا، ووقعت عليه يد المرممة ماري فرانسواز دي روزيار، الى ضريح الفرعون دجوزر الذي يرمز الى السلالم التي تقود الى عالم الآلهة، وغيرها من المفاجآت اللافتة التي لا تتوقف.. من القبور المملوءة بالتحف والأشياء الثمينة الى المومياوات والنواويس غير الملموسة، وصولاً الى قطع لم يصادف علماء الآثار مثلها من قبل. إذاً، ها هي الشاشات الصغيرة ترث الحملة النابوليونية وجيوش المستشرقين الرومانسيين في اهتمامهم بمصر القديمة وتقدم زاداً لمتفرجيها، يدفعهم اكثر واكثر الى زيارة مصر وآثارها على خطى رئيسهم السابق الراحل فرانسوا ميتران، الذي كان يصر على قضاء إجازاته في مصر، بين آثارها الفرعونية... حتى وإن كان يعرف انه يخاطر إزاء اعمال إرهابية تتصاعد، وهمّها ضرب السياحة و... جزءاً أساسي من تاريخ مصر القديمة.