يبدو أن مشروع إدارة"مهرجان قرطاج"الجديدة، يحتاج إلى وقت طويل قبل أن يكسب رهان"الثقافة قبل التجارة"الذي أعلنته مع بدء دورة هذا العام. وعلى رغم قرار المهرجان الابتعاد عن المستوى التجاري السهل في محاولة لإيقاف التراجع الذي مني به أخيراً، ووضع برمجة متكاملة تشمل الأوبرا والموسيقى الكلاسيكية والجاز والطرب وتحتضن تجارب غنائية وموسيقية من تونس والعالم العربي وكندا وفرنسا، إلا أن قرطاج ما زال يحاول الصمود في وجه طريق شائكة وعراقيل كثيرة تحول دون نهوضه من جديد. الحقّ على... الفضائيات؟ لم تحقق بعض الأمسيات النجاح المتوقع، خصوصاً على الصعيد الجماهيري. ولعل سبب ذلك يعود إلى أسعار البطاقات المرتفعة مقارنة بالمستوى المعيشي في البلاد، فضلاً عن عدم توفير وسائل نقل من المدن التونسية الأخرى، وغياب الدعاية اللازمة للبرمجة لم يعلن عن أوبرا كارمن مثلاً إلا قبل يوم واحد من الحفلة. كما ان توزيع نشاطات المهرجان على فضاءات عدة من منطقة قرطاج المسرح الروماني للحفلات الكبيرة، قصر العبدلية لأمسيات الطرب، باحة المتحف لعروض الرقص، وساحة النجمة الزرهاء للمسرح أسهم في تشتت الجمهور، خصوصاً أن توقيت بعض العروض جاء متزامناً. إضافة إلى ذلك، شكا بعضهم من اختيار المهرجان عروضاً"نخبوية"لا تتلاقى وكل الأذواق. من هنا، تبدو مفارقة ألا تحظى حفلة لطيفة بإقبال كبير، في المقابل استطاعت أمسيتا نصير شمة ونجاة عطية في قصر العبدلية، وحفلة المطربة المحلية نبيهة كراولي على المدرج الروماني أن تلاقي إعجاب النقاد والجمهور معاً، وتسجل نسبة حضور مرتفعة. تفاوت نسب حضور الحفلات جعل عدداً من المهتمين يطرح سؤالاً أساسياً عن طبيعة العروض المختارة ومدى حضورها في الذاكرة الشعبية، فضلاً عن الدعاية المكثّفة التي يجب أن تبرز أهمية"العرض الحدثي والميزات التي قد تجعل منه هدفاً للجمهور المحلي والأجنبي، إذ لا يمكن أن يحضر الجمهور عرضاً يسمع به للمرة الأولى"، يؤكد أحد الصحافيين. من جهة ثانية، يعزو بعضهم تراجع مكانة المهرجانات التونسية إلى الفضائيات التي لعبت دوراً بارزاً في إضعاف نجومية المغنين، فهي جعلتهم في متناول الجميع صباحاً ومساءً. نتيجة لذلك، يؤكد المتابعون للساحة الفنية أن ذلك أثّر في غياب"الفنان الذي يصنع الحدث"عن المواسم الأخيرة للمهرجانات. غير أنهم، في المقابل، يقرّون أن تلك الفضائيات أسهمت إلى حد بعيد في تعريف الجمهور التونسي عموماً، والشباب منهم خصوصاً، على أصوات عالمية سجلت حضوراً بارزاً في مفكرة"المرحلة الانتقالية لقرطاج". أصيلة بوينيس ايرس في مرحلة الانطلاق الجديدة، عادت الأصوات العالمية إلى مدرجات المسرح الروماني، بينها باربا لونا، ايزابيل بوليه، باتريسيا كاس، وميريام ماكيبا... كان لحفلة بربارا لونا، وقعها الخاص. فعلى رغم أن الجمهور التونسي لا يعرف الكثير عن أصيلة بوينيس ايرس، إلا أن ما لفته كان صوتها القوي وحضورها المتميّز بخصوصيات التانغو الذي تؤديه إضافة إلى موسيقى اللوندو من البيرو وموسيقى مونتنو الكوبية. حضر الحفلة أكثر من 3 آلاف متفرّج، وهو عدد جيد بالنسبة إلى المنظمين، نظراً الى ابتعاد العرض عن المفهوم التجاري الجماهيري. تفاعل الحاضرون مع ايقاعات لونا وتراقصوا على أنغام موسيقاها وصفقوا طويلاً للراقصين الذين رافقوها. بعد لونا، تطل يوم الأحد المقبل الكندية ايزابيل بوليه. سهرة بوليه في قرطاج ستكون بمثابة"اكتشاف جميل"لمغنية خاضت تجارب لافتة قبل أن تذوق طعم الشهرة. عام 1992، اختارها الموسيقي بيغارس لمشاركته في جولة عالمية. وبعد 3 سنوات، اختارها لوك فلامندون لدور ماري جان في رائعته"ستارمانيا". حقق ألبومها الأول"فاليه باش"، نجاحاً كبيراً، حازت بعده لقب"اكتشاف السنة"العام 2000. تفرّغت منذ سنتين للكتابة، وها هي تعود اليوم إلى قرطاج لتغني جديدها"توت ان جور". في الثالث من آب أغسطس، يحتضن المهرجان تجربة شبابية من نوع آخر: المغنية الفرنسية باتريسيا كاس التي حازت منذ بداياتها الكثير من الجوائز وحصلت على الأسطوانة الذهبية. في الأمسية، يتواصل التونسيون مع مغنية عرفت جيداً كيف تجمع بين تقاليد الأغنية الفرنسية وموسيقى البلوز، البوب، والجاز. حققت حضوراً لافتاً في الولاياتالمتحدة، وكانت حفلاتها تقدم دائماً بشبابيك مغلقة. واصلت كاس نجاحاتها حينما شاركت في عرض لمايكل جاكسون وغنّت مع جوني هوليداي"توت لا موزيك كو جيم". حفلة باربرا لونا لاقت استحسان الجمهور، وتونس احتفلت قبل أيام بنجمة الموسيقى السوداء ميريام ماكيبا وغنت معها"ماما افريكا"، فهل تكرّم بقية الأصوات العالمية، خصوصاً أن العروض"الثقافية"ما زالت تواصل التحدي؟