يتحدث بعض المتابعين في الوسط الفني عن تغيير تأثير المهرجانات في الناس وخفوت بريقها بسبب تعاظم جاذبية وسائل ترفيه أخرى من جهة، وبينها الحفلات التي تنظمها النوادي الصاخبة، والفضائيات ودورها من جهة ثانية. إلا أن عدداً من القيميّن على تلك الفعاليات ما زالوا يرون في المهرجانات صورة أساسية تختصر تاريخ البلاد وتشكّل فرصة نادرة لاكتشاف تجارب محلية وعالمية ترفع المستوى الفكري العام وتغني الذائقة الفنية. من هذا المنطلق، ووسط كل التحديات التي يعيشها مهرجان"قرطاج"، يرى مديره الجديد رؤوف بن عمر أن إحد الحلول الأساسية لمشكلة المهرجانات العربية تكمن في التوأمة بينها وتطبيقها في شكل فعّال وتبادل الخبرات وتقديم إنتاجات ضخمة مشتركة. لذا قرر أن يدعو القيميّن على المهرجانات العربية الكبيرة "بيت الدين"،"جرش"،"الرباط"،"فاس" إلى اجتماع يقام في شهر أيلول سبتمبر المقبل في تونس، من أجل البحث في مشروع التوأمة وترجمتها في أعمال مشتركة،"سنعرض عليهم فكرة نترجمها سنوياً، لعلّ أبرزها مشروع المطربة سنية مبارك التي اختارت موسيقيين من بلدان عربية عدة مصر، ليبيا، الأردن، لبنان، المغرب، فضلاً عن اختيارها لأصوات تؤدي أمسيات متوسطية عربية جيّدة. ويرى بن عمر أن"الإنتاجات المشتركة والتواصل بين الموسيقيين يسهم في تقديم فن مختلف، خصوصاً أن هؤلاء ينتظرون مناسبات مماثلة لترسيخ تجربتهم". ويشير الممثل التونسي إلى أن المغرب أبدى موافقته على الدعوة، وهو ينتظر ردّ نورا جنبلاط، مديرة مهرجانات"بيت الدين"،"وإذا تعذّر عليها القدوم، سأقوم بزيارتها في لبنان، وسأطرح ليها المشروع الجديد". ويعلّق بن عمر آمالاً على هذه الخطة، فهي قد تفيد جميع المهرجانات، بحسب رأيه،"حينما نزور اندريا بوتشيللي مثلاً يشارك في فعاليات الدورة المقبلة في قرطاج، نستطيع أن نتفاوض معه على أكثر من مهرجان، وبالتالي نخفّض قيمة التكاليف". بعدها، نستطيع أن نصل إلى إنتاج عمل مشترك، يتفاعل من خلاله الفنانون العرب، ويقدمون منتوجهم في أكثر من بلد". والمشكلات التي يعاني منها"قرطاج"، لا تنحصر فقط في وسائل الترفيه الجديدة والفضائيات العربية. فإدارة المهرجان تقرّ بأن غياب الجمهور عن بعض الفاعليات يعود إلى نقص التنظيم وقلّة الدعاية، خصوصاً أن الجمهور ملّ مشاهدة مطرب يغني طوال ساعتين وراء مسرح واقفاً". إلا أن الإدارة الجديدة للمهرجان تصرّ على أن البرمجة التي غلب عليها الطابع الثقافي هذا العام كانت مناسبة، ولا مجال للتراجع عنها، مهما كان عدد الحضور قليلاً ... الرقص ممنوع في"قرطاج". من أراد أن يرقص عليه التوجه إلى أمكنة أخرى... جيلنا تعرّف الى الأوبرا والجاز والمسرح من خلال المهرجان، وهذا حقّ شباب اليوم علينا". ويضيف بن عمر:"على المسرح الروماني، أن يبقى صرحاً مفتوحاً على العالم وليس منبراً للأغنية الشبابية السائدة. ثم من قال إن الجمهور هو فقط من الشباب، هناك جيل لا ينتمي إلى الفضائيات...". من هنا، يركز"المدافعون عن الثقافة"، في وجهة نظرهم على الحضور الكبير الذي سجلته حفلات نصير شمّة، ونبيهة كراولي، ونجاة عطية العائدة بعد غياب دام 15 عاماً،"عند الناس حنين إلى سهرات تونس القديمة، يوم كان الطرب يغنى في المقاهي". كما تجدر الإشارة إلى أنها السنة الأولى التي يقدم فيها المهرجان نسبة 85 في المئة من العروض إلى تونس، وأن معظمها حقق النجاح الأكبر ليلة الافتتاح التي خصصت لتكريم"الرشيدية"، وحفلات الطرب التي تقام في قصر العبدلية". في النهاية، يشير بن عمر إلى أن دور قرطاج، وكأي مهرجان آخر، هو الذاكرة والاكتشاف والتطلّع إلى المستقبل، وليس فقط تنظيم الحفلات،"حينما يحضر 3 آلاف شخص عرض أوبرا كارمن، فإن النتيجة مرضية... جمهور اليوم تغير، لكننا سنعمل دوماً على إيجاد الحلول. هذه السنة كانت انتقالية ومسألة توزيع فعاليات المهرجان على فضاءات متنوعة سيتم تعديلها، وهي حال أسعار البطاقات... لذا أؤكد أنه ما من شيء عندنا ضد نانسي عجرم، فصوتها جميل لكنها لن تغني في"قرطاج"إلا يوم تقدم وصلة طربية تشبه صوتها وتليق به.