حولت تفجيرات لندن الأنظار عن حوادث داغستان، إحدى الجمهوريات القوقازية الروسية، على رغم ان الجمهورية تتعرض لهجمات إرهابية تفوق خطورة وفظاعة هجمات لندن. وغدا الإرهاب في داغستان الشغل الشاغل لسكان منطقة شمال القوقاز كلها. ومع ان الضربات الارهابية امتدت، اخيراً، لتشمل المنطقة كلها بعدما كانت الى وقت قريب مقتصرة على الشيشان، اللافت ان الهجمات الإرهابية التي تتعرض لها جمهورية داغستان أرقى، إن جاز التعبير، من الهجمات الإرهابية التي تقع في المناطق المجاورة، وخصوصاً في الشيشان نفسها. وأول ما يميز الإرهاب"الداغستاني"هو ان الاعتداءات الإرهابية لا تقيد ضد مجهول، كناية عن عدم معرفة الفاعل، كما هي الحال في جمهورية الشيشان حيث تسعى المجموعات الانفصالية إلى إبقاء الجمهورية في منطقة الحرب، فلا تستطيع أي سلطة ملاحقتها والقبض عليها. ففي داغستان، تبنت العمليات الإرهابية مجموعة واحدة هي "جماعة الشريعة". وأعلنت هذه الجماعة في آذار مارس من العام الجاري حرباً شاملة على رجال الأمن المتهمين"بقتل المسلمين". واوضحت أهدافها، وهي إقامة دولة إسلامية في داغستان وإنهاء الوجود العسكري والسياسي الروسي في القوقاز. وذهبت هذه الجماعة ابعد من ذلك عندما اعلنت، اخيراً، في بيان نشر الإنترنت عزمها على إرسال"مجاهدين داغستانيين"إلى موسكو لتنفيذ"سلسلة اعمال تفجير". وترتيب داغستان الأولى بين المناطق الروسية ذات الغالبية الاسلامية، وما يزيد على 90 في المئة من سكانها مسلمون.... ولكن التجانس الديني لم يؤدِّ الى استقرار داغستان فاستغل المتطرفون أجواء الانفتاح الديني لتسييس الإسلام. وبرزت تناقضات جوهرية بين جماعتين تمثلان تيارين أساسيين من الإسلام الداغستاني: الجماعة الصوفية والجماعة السلفية . وركزت الجماعة الأخيرة على نقد نظام الحكم في الجمهورية. ويسر مهمة السلفيين الفساد الإداري الذي استشرى في مؤسسة الحكم، واشتداد الاستقطاب في المجتمع الداغستاني وارتفاع نسبة البطالة. وطرح السلفيون حل اًهو التخلي عن الشيوعية، وعن الديموقراطية، وعن"إسلام كاذب"في اشارة الى الجماعة الصوفية الغالبة في داغستان لمصلحة"نظام إسلامي حنيف"ينبذ الطائفية، وقد يحظى بالقبول الاجتماعي في داغستان نفسها. وهناك شطط في الفكر والعمل الديني هو نتيجة انزواء أهل الحكم في داغستان على انفسهم. ولم تجدد النخبة السياسية في داغستان، منذ بداية التسعينات من القرن الماضي. وبدت هذه النخبة بارعة في التصدي للتطرف الاثني والعرقي، في الوقت الذي اجتاحت فيه"نزعات الاستقلال والسيادة"روسيا، واشتعلت"الثورة الشيشانية"، وغزت المجموعات الإرهابية داغستان انطلاقاً من الشيشان. ولكن هذه النخبة عاجزة أمام التطرف الديني اليوم. وهل هناك مخرج من"المأزق"الداغستاني"؟ في رأيي ان الحكومة المركزية الروسية تستطيع اجتياز هذا المأزق من خلال مشروع سياسي. فالداغستانيون لا يؤيدون في معظمهم فكرة الانفصال عن روسيا. وعلى الحكومة المركزية الروسية ألا تحصر جهودها لمعالجة القضية الداغستانية في مكافحة الإرهاب، بل عليها ان تنظم الهجرة الداخلية في داغستان وتشجيع الداغستانيين على النزوح إلى مناطق روسية أخرى لتخفيف الكثافة السكانية في هذه الجمهورية. وفي الوقت نفسه، على الحكومة المركزية العمل على إعادة مواطنين من أصول روسية إلى داغستان التي تحتاج إلى الجماعة الروسية، كونها غير منحازة الى جماعة اثنية من الجماعات المتنازعة في داغستان. فيمكن لسياسة سكانية كهذه ان تعمل على تهدئة الأمور في داغستان، وقطع الطريق على النزعة الانفصالية في المنطقة. عن سيرغي ماركيدونوف، الباحث في معهد التحليل السياسي والعسكري، وكالة نوفوستي الروسية، 23/7/2005 .