تتوالى مشكلة بدو منطقة النقب من الفلسطينيين ربع سكان المنطقة فصولاً مأسوية، مع توالي مخططات الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة من اجل طردهم من اراضيهم بشتى الطرق والاساليب، وليس آخرها مشاريع لنقل بعض سكان المستعمرات المنوي اخلاؤها من قطاع غزة، واسكانهم في منطقة النقب، عدا عن مشاريع اخرى لانشاء عشرات المستعمرات واستجلاب مئات المستوطنين من خارج اسرائيل ومن داخلها، خصوصاً بعد تأمين واستجرار المياه العذبة الى المنطقة من مشروع جر مياه نهر الاردن التي تتجمع في بحيرة طبريا وتم توجيهها الى الساحل الفلسطيني غرباً، ثم الى المستعمرات الاسرائيلية القائمة في منطقة النقب جنوباً بعد ان كانت تتجه الى الجنوب الشرقي لتصب في البحر الميت بعد ان تتلاقى مع مياه نهر اليرموك، كما يتم التخطيط للاستفادة من المياه المحلاة التي ستنتج من تنفيذ مشروع القناة التي ستقام بين البحرين الاحمر والميت. ومن بين الممارسات التي تقوم بها حكومات اسرائيل المتعاقبة للسيطرة على اراضي البدو الفلسطينيين في النقب. يمكن ذكر عشرات الامثلة، من بينها هذه الامثلة : "قامت جرافات تابعة"لدائرة اراضي اسرائيل"يوم 17 نيسان /ابريل من هذا العام بتجريف مئات الدونمات المزروعة بالحبوب في منطقة سعوة القريبة من قرية حورة في النقب. وتعود ملكية هذه الاراضي لعائلات الاطرش والقصاصي وابو سبيت والخواطرة، بعد ان جرفت الدائرة نفسها من قبل اراضي قبيلة العراقيب في النصف الثاني من شهر كانون الثاني/ يناير الماضي". ومن بين الممارسات لتهجير السكان عدا عن تجريف الاراضي وهدم المنازل واستعمال العنف والملاحقات، يمكن ذكر التالي:"في آذار مارس من عام 2003 تجاهل الطيارون الزراعيون انذاراً بوجود مزارعين من البدو وسط حقولهم واستمروا في رش المبيدات على محاصيل قرية الغريد. ونتج من هذه الواقعة نقل 11 شخصاً الى المستشفيات وهم يعانون من حالات تقيؤ وصعوبة تنفس ودوخة وزوغان لنظر وآلام معوية شديدة". غزاة! فلماذا هذه الممارسات، وما المراحل التي مرت بها هذه القضية، وما الذي يقوم به الاهالي، وما المعلومات المتوافرة عن المنطقة؟ تارة يتم تقديم مشاريع قوانين في الكنيست الاسرائيلي تصف سكان صحراء النقب من الفلسطينيين بأنهم"غزاة"للمكان! وطوراً يطلق عليهم"غائبون حاضرون"، او انهم من جنس"الاشباح". وفي احيان اخرى يحملونهم الجنسية الاسرائيلية، ويفرضون عليهم الالتحاق بالجيش، تحت اسم الكتيبة البدوية. لكنهم في الوقت نفسه يرفضون تقديم خدمات بلدية لقراهم وتجمعاتهم، كما يرفضون تقديم موازنات واجبة على الدولة لانشاء الطرق ومد خطوط الكهرباء والماء والهاتف. وتوفير الاستشفاء والتعليم لهم ولابنائهم، وغيرها من خدمات. تسكن غالبية البدو في 45 قرية، هي من ارض الاباء والاجداد وقبل قيام دولة اسرائيل في عام 1948. مع ذلك فان الدولة الاسرائيلية لا تعترف بذلك وتريد تهجيرهم وتجميعهم في معازل ضيقة ثلاث بلدات فقط ومصادرة اراضيهم ومنعهم من التنقل في مراعيهم، تماماً كما حصل من قبل مع قرى اخرى وسكان آخرين من فلسطينيي النقب! والنقب كاقليم او منطقة جغرافية، يقع في جنوبفلسطين - التاريخية - ويشغل مساحة تقل قليلاً عن نصف مساحتها قرابة 12 الف كلم مربع ابتداءً بخط عرض منطقة بئر السبع في الشمال، وانتهاء بام رشرش ? ايلات وخليج العقبة في الجنوب، ولهذه المنطقة شكل مثلث كبير قاعدته في الشمال ورأسه في الجنوب، وضلعه الغربي حدود فلسطين مع مصر سيناء، وضلعه الشرقي الحدود مع المملكة الاردنية الهاشمية على طول وادي عربة. والنقب هضبة كبرى مكونة من هضاب اصغر تعلوها في بعض المناطق كتل جبلية بارزة فوق مستويات الهضات شبه المنبسطة، ولا يرتفع اعلى جزء في النقب، وهو قمة رأس الرمان في اقصى جنوب غرب منخفض الرمان اكثر من 1.035 متر. اما المناخ السائد في النقب فهو مناخ الصحارى واشباهها، لذا فان الاوضاع المائية يتراوح هطول الامطار بين 50 و250 مم في السنة سيئة لا تسمح بقيام نشاط اقتصادي وبشري يتجاوز الرعي وزراعة الواحات المعتمدة في قيامها واستمرارها على المياه الجوفية القليلة، او على مياه مجرورة بأنابيب أو اقنية غير مكشوفة من بقاع فلسطين الشمالية. ويعتبر النقب مرتعاً لعدد من القبائل العربية المتجولة في انحائه، سعياً وراء الكلأ والماء لقطعان اغنامها وابلها. واهمها قبائل: الاحيوات اللحيوات والسعيديين والعزازمة والتياهة والصبحيين والظلام وغيرهم، ويلقى افراد هذه القبائل العنت من جانب السلطات الاسرائيلية التي تحاول طردهم واخراجهم من ديارهم منذ عام 1948. واقام الاسرائيليون في النقب بعض المستعمرات الصغيرة اقام اول رئيس وزراء اسرائيلي ديفيد بن غوريون مزرعة له في النقب، كما يمتلك رئيس الوزراء الحالي ارييل شارون مزرعة فيه ايضاً. كما ان بلدة ديمونة التي انشيء فيها مفاعل نووي قائمة في النقب ايضاً. وارتفع عدد افراد القبائل العربية الفلسطينية في النقب الى نحو 150 الفاً بعد ان كان عددهم يتراوح بين 15 و20 ألفاً في أوائل خمسينات القرن الماضي، مع العلم أن بعضهم جرى تهجيره الى مصر أو الأردن بعد تلك المرحلة. ولا يملك من تبقى منهم سوى 180 ألف دونم من الأراضي، في حين أن مساحة النقب تصل الى حوالى 13 مليون دونم، مع العلم انهم يمثلون ربع سكان المنطقة في المرحلة الحالية. استغلال وتجنيد تستغل الحكومة الاسرائيلية مُعطيات تاريخية تتعلق بملكية الاراضي في النقب - كما طبقت في مناطق أخرى - من أجل تطبيق سياسات تناسبها في الاستحواذ على تلك الأراضي، اذ تعتمد اسرائيل في تنفيذ سياستها على حقيقة أن أصحاب الأرض - ربما غالبيتهم - لا يمتلكون مستندات كواشين طابو تثبت ملكيتهم، علماً أنهم لم يسجلوا أراضيهم إبان العهد العثماني وذلك للتهرب من دفع الضرائب والخدمة العسكرية. وعندما قامت اسرائيل منحت البدو فترة شهرين لتسجيل أراضيهم، لكن غالبيتهم لم تعلم بالأمر، لتعلن اسرائيل في ختام الشهرين أن الأراضي التي لم تسجل تابعة لما يُعرف"بدائرة أراضي اسرائيل"وأصبحت بقدرة قادر أراضي دولة! واعتباراً من عام 1955، اقرت الحكومة الاسرائيلية قانون التجنيد الالزامي"للأقليات"في اسرائيل، وشمل الدروز والشركس والبدو، وأصبح بعدها من حق وزير الدفاع استدعاء أبناء الأقليات الذين بلغوا 18 عاماً للخدمة، وكل من يرفض الالتحاق، يتعرض الى الملاحقة ودفع الغرامات والسجن، وقد أنشأ الجيش الاسرائيلي لهذا الغرض كتيبة"الأقليات"وزج أفرادها في كل الحروب التي قامت بها اسرائيل ضد أبناء قومهم من العرب الآخرين. مع ذلك فإن التمييز لحقهم أثناء خدمتهم. اذ نقلت صحيفة هآرتس الاسرائيلية في 9/1/2002 عن بعض الجنود البدو"تذمرهم من التمييز اللاحق بهم، سواء في بلداتهم، حيث ينظر اليهم كمتعاونين مع السلطة، أو في الحصول على عمل بعد انهاء خدمتهم العسكرية، كما اشتكى بعضهم من التمييز في التعامل حتى أثناء تأدية خدمته العسكرية". وذكر ضابط بدوي من النقب"تتعامل الدولة معنا كأننا كلاب، وترمينا بعد أن تأخذ ما تريد من خدمة، وتجعلنا نقف في مواجهة أبناء شعبنا الفلسطيني الذين يسعون من أجل استقلالهم وحريتهم، ونكافأ بعد سنوات الخدمة بترحيلنا من أرضنا وحرماننا من أبسط حقوقنا الانسانية". وقد استفز الوضع السابق، وبعد مقتل أربعة من جنود الكتيبة البدوية، في الشهر الأول من عام 2002 الكاتب ميخال اهروني، فكتب في صحيفة"معاريف"الاسرائيلية:"الحقيقة البسيطة والمرة هي أنه لا يهمنا البدو، مثلما لا يهمنا كامل المواطنين غير اليهود في دولة اسرائيل. أضاف: اننا نفضلهم مقاتلين دفاعاً عن حياتنا أكثر منه دفاعاً عن حقوقهم". والجدير ذكره أن أهالي النقب من الفلسطينين ما زالوا يواصلون تحركاتهم واتصالاتهم ورفع الشكاوى والعرائض، من بينها شكوى الى المحكمة العليا الاسرائيلية، ضد من هدم بيوتهم وقراهم وشرّدهم واستولى على أراضيهم من جانب الحكومة الاسرائيلية - صرح رئيس الوزراء الاسرائيلي متوعداً أنه سيحشد أمهر المحامين لاحباط خطة بدو النقب - وقد تولى المجلس الاقليمي للقرى العربية البدوية في النقب - غير المعترف به رسمياً - شرح ومتابعة قضية نحو 75 ألف شخص من سكان تلك القرى، وكشف الأخطار التي تحيق بهم، من تلك المتابعات وصول وفد من المجلس الى لندن في بداية الأسبوع الثاني من شهر تشرين الثاني نوفمبر عام 2003، لشرح قضيتهم للنواب البريطانيين، علهم يمارسون ضغوطاً على حكومتهم كي تراجع الحكومة الاسرائيلية من أجل وقف ممارستها ومخططاتها في منطقة النقب.