تجاوزت اسعار الاسهم والعقارات في معظم دول الخليج العربي المقاييس المحاسبية للتقويم وحققت مستويات غير منطقية من الصعب استمرارها. وتشهد منطقة الخليج العربي طفرة في توظيف الاموال في اربعة مجالات: - التوظيف العقاري، خصوصاً منه الاستثمار في مباني الاسواق ذات المواصفات المتطورة والاسعار المرتفعة. - التوظيف المالي في اسهم المصارف وأخيراً في"الصكوك"الاسلامية المصدرة من المصارف الاسلامية. ومعلوم ان موارد هذه المؤسسات اصبحت كبيرة وتقرب من 500 بليون دولار. - الاستثمار في اسهم شركات تحظى بامتيازات او مواقع متقدمة في مجال عملها، مثل شركة سابك التي اصبحت بين كبريات شركات العالم، أو شركة دولفين التي ستؤمن الغاز الطبيعي من قطر الى الامارات العربية المتحدة، او شركات اسواق المال في الدول الخليجية، أو شركات المقاولات، أو شركات الاتصالات، الخ. ويجب القول ان عدد الشركات ذات النشاطات الواسعة في الخليج وخارجه ضئيل، وبالتالي فإن فرص الاستثمار ضئيلة ايضاً، وان كانت ملحوظة، ولا تستهلك قسطاً كبيراً من المال المتوافر. - الاستثمار في تطوير أو انشاء مدن سياحية تضم الفنادق وأبنية المكاتب والشقق السكنية، وفي حالات عدة، المرافئ السياحية، اضافة الى الفسحات الرياضية كملاعب الغولف او النوادي الرياضية الخاصة. وليس من شك في ان هذه المشاريع تعددت كثيراً ومنها عدد يشتمل على الصفات ذاتها والخدمات المنوعة الكثيرة، انما في بلدان عدة تمتد من البحرين الى قطر ودبي والشارقة وأبو ظبي وسلطنة عمان. هذه التوجهات المعملقة والمتشابهة تبدو وكأنها ستجعل من شواطئ بلدان الخليج العربي ورش بناء مستمر، وكل مراقب يعرف ان مشاريع البناء والمجمعات الكبرى لا تحقق النجاح ما لم يكن هناك عدد سكان كبير ممن يتمتعون بقدرات مالية كبيرة ومستقرة. المواطنون في بلدان الخليج العربي هم قلة، والشاطئ الشرقي للخليج العربي، في حال استثناء العراق، لا يقطنه سوى عدد من المواطنين لا يفوق في أحسن الاحوال 5 ملايين مواطن. وبالتالي، ليس المشاريع المعملقة سوقها بين هؤلاء. وان كان لها ان تنجح، يجب ان تستقطب آلاف الاجانب للتملك والاقامة ولو موقتاً من اجل تحريك خدماتها وتحقيق اكتمالها. اننا نخشى من تزامن المشاريع الكبرى وتنافسها مع بعضها بعضاً، وفي حال تعثر احدها، وهذا أمر مرجح في وقت قريب، ستنتقل العدوى الى المشاريع الاخرى وستشهد المشاريع العقارية في منطقة الخليج العربي ازمة مستحكمة. وبما ان اسواق الخليج منتعشة بسبب ارتفاع مداخيل النفط بنسب كبيرة، وان غالبية البلدان الخليجية انجزت منشآتها الاساسية، توافر قسم من اموال زيادة اسعار النفط للايداع في المصارف والاستثمار في الفرص المتاحة. ومعلوم ان اهل الخليج العربي، منذ 11 ايلول سبتمبر 2001، اصبحوا يمارسون الاحتراز بالنسبة الى مواقع اموالهم. فهم يخشون التضييق عليها، وعن حق، ولهذا السبب تدفقت اموال كانت مودعة في الخارج الى منطقة الخليج. وهذا التدفق، اضافة الى زيادة الاموال نتيجة ارتفاع اسعار النفط، ادى الى توافر سيولة كبيرة تتجاوز طاقات الاسواق المالية الخليجية على الاستيعاب. وهنا بدأت تظهر افكار المشاريع العملاقة، خصوصاً من الشركات العقارية الاختصاصية. ان اهل الخليج العربي وبعض المستثمرين من الخارج مدعوون الى التروي قبل الاقدام على توظيف الاموال خصوصاً في المشاريع العقارية الضخمة التي تستهدف توفير خدمات متنوعة في آن، وذلك للاسباب الآتية: - السيولة والتسهيلات المصرفية قد تنخفض في حال انخفاض اسعار النفط. ومع ان غالبية المراقبين يتوقعون زيادة في الاسعار، هناك امكان حقيقي لانخفاضها بنسبة 20 في المئة. واذا حدث هذا الانخفاض لن تتوافر السيولة الموجودة اليوم. - المشاريع العقارية ذات الخدمات المتنوعة التي تشمل المرافئ السياحية وملاعب الغولف والفنادق والشقق الخ. تستوجب انقضاء سنوات، بما ان غالبية هذه المشاريع تمول بقروض او سندات مصرفية، سيكون هناك، في حال انحسار السيولة، خطر على انجازها في الاوقات المحددة لها. - الاسواق المالية الخليجية على تطور، بعضها بسبب الخبرة الطويلة كسوق الكويت مثلاً، لكنها تشكو من ندرة المعلومات الدقيقة والتحليلية عن اوضاع الشركات التي يتم تداول اسهمها او صكوكها، وبالتالي وفي حال تعرض شركة او اكثر لأزمة سنجد انها تتوسع بسرعة لأن عملية الانسحاب من السوق ستكون اسرع من عملية المشاركة في المضاربات. وقد شهدت الاسواق المالية في دول الخليج العربي تراجعاً محدوداً في الاسابيع المنصرمة ونحن نخشى ان يكون هذا التراجع بداية الازمة المتوقعة عند انحسار السيولة او تعثر بعض المشاريع الكبرى. * خبير اقتصادي