في 2 حزيران يونيو الماضي، لاح في الأفق أمل فوق سماء المخيمات الفلسطينية في لبنان، عندما أصدر وزير العمل اللبناني طراد حمادة قراراً يُستثنى بموجبه الفلسطينيون المولودون على الأراضي اللبنانية من المادة التي تنص على حصر أكثر من 70 مهنة باللبنانيين من دون سواهم. قرار اعتبره نائب رئيس اتحاد النقابات الفلسطينية علي محمود أبو سامح، فجوة في جدار الحرمان الذي يعيشه اللاجئ الفلسطيني في لبنان منذ سنوات طويلة، مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة في صفوف اللاجئين الفلسطينيين من 12 في المئة عام 1980 إلى نحو 70 في المئة عام 2003، معيداً تفشي هذه الظاهرة أيضاً إلى اندثار مؤسسات منظمة التحرير، إثر الاجتياح الإسرائيلي عام 1982، وبالتالي بقاء نحو ثلثي اليد العاملة الفلسطينية بلا عمل. عدد العمال الفلسطينيين في لبنان يبلغ ما يقارب 75 ألف عامل، 44 في المئة منهم في قطاع البناء، و24 في المئة في الزراعة و32 في المئة موزعين على المهن الأخرى، علماً أن النسبة الأكبر بينهم تراوح أعمارها بين 20 و35 سنة. يأخذ النقابيون الفلسطينيون على الوزراء الذين توالوا على وزارة العمل اللبنانية عدم توقيع قرار السماح لهم بالعمل سائلين:"أي انتماء للقومية العربية يدّعونه؟"في إشارة إلى حزبي البعث والسوري القومي الاجتماعي اللذين ينتمي إليهما وزراء تولوا الوزارة. وهم يعتبرون أن الموقف"البطولي"الذي قام به الوزير حمادة أكبر دليل على أن حرمانهم من العمل كان قراراً سياسياً بحتاً. وفي حين يؤكد الوزير حمادة أن تعديل القرار من منطلق"إنساني بحت"، يرى عدد من اللبنانيين أنه يصب أيضاً في مصلحة لبنان، إذ يشكل ملاذاً لأرباب العمل، في ظل تراجع العمالة السورية، ويحد من سلبيات تقلص هذه الأعداد بعد الانسحاب السوري من لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. وقُدِّر حجم العمالة السورية التي غادرت لبنان بنحو 50 في المئة, أي ما يوازي 200 ألف عامل استناداً إلى دراسة لوزارتي العمل في البلدين التي تقدر متوسط حجم العمالة بين 350 ألف عامل دائم و500 ألف عامل في المواسم السياحية والزراعية. ويعود ظهور العمالة السورية في لبنان إلى العام 1994 عندما وقّع اتفاق العمل المشترك ولم يطبق الجانب اللبناني مضمونه لجهة إنشاء إدارة للعمالة السورية في وزارة العمل اللبنانية, تماشياً مع ما قام به الجانب السوري. فبقيت علاقة العمال السوريين ضمن نشاط مصلحة العمال الأجانب في وزارة العمل اللبنانية من دون أي تنظيم خاص. وتفيد إحصاءات غير رسمية تعود إلى العام 1996 بأن عدد العمال السوريين في لبنان تجاوز 500 ألف عامل, وثمة إجماع كذلك على أن العامل السوري هو الأقل كلفة بين اليد العاملة المستقدمة من آسيا أو افريقيا، وبالتالي، هو الأكثر إنتاجية قياساً إلى اليد العاملة اللبنانية والأجنبية, خصوصاً في قطاع البناء وقطاعي الزراعة والسياحة الموسميين وغيرها من قطاعات التنظيفات والعتالة... وهي في مجملها القطاعات التي كان يشغلها الفلسطيني طوال فترة زمنية طويلة. وعلى سبيل المثال، يعود عمل الفلسطينيين في قطاع الزراعة، وفي الحمضيات بشكل خاص، إلى يوم لجوئهم إلى لبنان، لا سيما الذين لجأوا إلى مخيمات الرشيدية والبص وبرج الشمالي، في صور. إلا أن هؤلاء عانوا الأمرّين مع دخول اليد العاملة الأجنبية الى لبنان، لا سيما السورية منها، إذ دخل الفلسطيني في منافسة حادة ومزاحمة حقيقية في هذا المجال. هذا الامتعاض الذي يأبى أي مسؤول نقابي فلسطيني الإشارة إليه، يظهر جلياً في كلام العمال الفلسطينيين أنفسهم. يقول أبو أحمد، وهو ناطور فلسطيني لأحد البساتين الزراعية:"طلب مني صاحب البستان استبدال الفلسطينيين بالسوريين لأن الأخيرين يتقاضون نصف أجر الفلسطيني. شعرت بمرارة كبيرة لأن العاملين معي هم من أقاربي وأبنائي. لكنني لم أتجرأ على المعارضة وإلاّ لكنت سأجد نفسي عاطلاً من العمل". وتقاطعه أم ماهر وهي واحدة من مئات النساء الفلسطينيات العاملات في هذا المجال:"مضى على عملي في هذه المهنة 17 عاماً وحتى اليوم أنال 10 آلاف ليرة في اليوم". وتضيف:"لا يمكننا الافادة من أي حق في الطبابة حتى ولو أُصبنا خلال العمل... لا وجود لأي رقيب يستطيع الحد من المعاناة التي نعيشها". عدم الافادة من الضمان الاجتماعي والطبابة - على رغم دفع المستحقات كاملة - لا يقتصر على الزراعة، بل يتعداه ليشمل جميع القطاعات التي يعمل فيها الفلسطيني، وحتى مع تعديل قانون العمل لا يوجد ما ينص على إمكان إفادته من التقديمات الاجتماعية. قرار السماح للعمال الفلسطينيين بالعمل لاقى استحساناً واضحاً في الأوساط الشعبية والنقابية الفلسطينية، ولو كان معظمهم يرى بعض الثغرات فيه ويطالب وزارة العمل بإلغاء فرض رخص العمل عليهم، فهم لا يعتبرون أنفسهم أجانب في لبنان بل ضيوف ولدوا وترعرعوا في كنفه. إلا أن الوزير حمادة يؤكد أن استصدار الإجازة ضروري للحفاظ على حقوقهم كعمال مع مراعاة احتياجات السوق وللوقوف في وجه أي استغلال من قبل رب العمل. ورأى الوزير حمادة أن على الفلسطينيين الانتقال إلى المرحلة الثانية وهي الإفادة من هذا القرار والتقدم لاستصدار الإجازات مؤكداً أن كلفة إجازة العمل تتراوح بين 75 و120 ألف ليرة لبنانية وهي نسبة 20 في المئة من كلفتها لأي عامل أجنبي آخر. ويخضع قطاع العمال في المخيمات الفلسطينية إلى تنظيم عبر النقابات ? حتى للمهن الممنوع مزاولتها - التي جرى العمل على إعادة إحيائها ابتداء من العام 1999، بعد توقفها عام 1982. ويرى رؤساء النقابات أن الانتساب إليها ضروري جداً من أجل حماية حقوق العامل الفلسطيني عبر التنسيق مع النقابات والمؤسسات اللبنانية المعنية. أما المهن الحرة - كالهندسة، والطب، والصحافة، والصيدلة، والمحاسبة، والمحاماة وغيرها - فلم يشملها القرار على رغم ورودها في النص، باعتبار أنها تخضع لقوانين نقاباتها التي بدورها تشترط أن يكون أعضاؤها من اللبنانيين. ومن اللافت وجود نقابة فلسطينية خاصة لكل من تلك القطاعات، على رغم حظرها على الفلسطينيين نهائياً. وفي حين يؤكد وزير العمل أن السماح بالعمل في هذه المهن يتطلب قراراً من المشترع، أي من مجلس النواب، يرى الخريجون والمتخصصون في هذه المجالات أن"الظلم"هو الصفة الوحيدة التي يمكن أن تُطلق على هذا الحظر. لقد بلغ عدد الخريجين الفلسطينيين في الاختصاصات التي لا تزال محظورة عليهم من الجامعة العربية حتى العام الماضي 8274 طالباً، وفي الأعوام الخمسة الأخيرة 135 طالباً من الجامعة الأميركية، هذا العدد يضاف إلى 1200 مهندس 380 منتسبين إلى اتحاد المهندسين الفلسطينيين ونحو 500 محام 110 منهم مسجلين في اتحاد الحقوقيين الفلسطينيين و800 طبيب 400 منهم منتسب إلى اتحاد الاطباء الفلسطينيين، عدد قليل منهم تسنّى له الهجرة للعمل في دول الخليج. أما الآخرون فيزاولون مهناً في غير اختصاصاتهم. فتجد، مثلاً، مهندساً يعمل في مجال الرسم على الأبواب والنوافذ، وأستاذ مدرسة في كهرباء السيارات، أو في التعليم. أما الأطباء، وهم في معظمهم خريجون من أوروبا الشرقية، وبعد نجاحهم في امتحان الكولوكيوم المعادلة اللبنانية، تُمهر شهادتهم في الكولوكيوم بالملاحظة التالية"لا تسمح هذه الشهادة له بمزاولة العمل على الأراضي اللبنانية إلا بعد أخذ موافقة وزارة الصحة". فيتحوّل الأطباء إلى مزاولة أي مهنة أخرى لأنه إذا تمّ ضبطهم يحاكمون بتهمة"انتحال صفة طبيب". هذه العقوبات لا تقف في وجه بعض المتخصصين، من مهندسين وأطباء، لأنهم يقومون بالعمل في مقابل أجر، ولو بسيط، في مهنتهم بالاتفاق مع رب العمل اللبناني الذي يختم العملية الجراحية باسمه، إما بالتوقيع عن الطبيب الفلسطيني الذي يجريها أو بالتوقيع على الخريطة الهندسية التي يرسمها المهندس الفلسطيني. وبين"اغتصاب الحق"كما يصفه الفلسطينيون الممنوعون من العمل والامتنان للوزير حمادة، هل تستطيع السوق اللبنانية استيعاب العمالة الفلسطينية، بينما يهاجر معظم الشباب اللبناني بحثاً عن فرص عمل في الخارج؟ يُجمع النقابيون الفلسطينيون واللبنانيون على أن السوق قادرة على ذلك في حال تم تنظيم العمالة الأجنبية في لبنان، خصوصاً بعد انحسار أعداد العاملين السوريين في لبنان. وإلى حينه تبقى العقدة، في توزيع فرص العمل. المرسوم 1/67 أجاز العمل للفلسطينيين مرّ العمّال الفلسطينيون في لبنان بثلاث مراحل أساسية تخللها أكثر من تعديل لقانون العمل اللبناني. وتمتد المرحلة الأولى من عام 1948 إلى عام 1970وكان معظم العمال الفلسطينيين يعملون في الزراعة، على رغم أن قانون العمل الصادر عام 1951 يحظّر العمل على الفلسطينيين في مهن كثيرة. وعُدّل هذا القانون عام 1964، ليساوي العامل الفلسطيني بالعامل الأجنبي من خلال استصدار إجازات العمل. إلا أن التحولات السياسية التي شهدتها الساحة اللبنانية والفلسطينية انعكست على أوضاع اللاجئ الفلسطيني في لبنان، مع تحوّل نحو ثلثي اليد العاملة الفلسطينية بعد 1970 إلى العمل في مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان. واستمر هذا الوضع حتى العام 1982 الاجتياح الإسرائيلي للبنان، وقامت وزارة العمل بحصر المهن بالعمال اللبنانيين، ولم تعطِ الفلسطينيين أي خصوصية. واستتبعته عام 1995 بالقرار الرقم 621/1 تاريخ 15/12/1995 الذي يمنع على الفلسطيني مزاولة أكثر من 70 مهنة من خلال حصرها باللبنانيين دون سواهم. حدد القرار الأعمال والمهن المحصورة باللبنانيين دون سواهم كالآتي: الأجراء: الأعمال الإدارية والمصرفية على اختلاف أنواعها وبصورة خاصة عمل: المدير العام ، المدير، نائب المدير، رئيس الموظفين، أمين الصندوق، المحاسب، السكرتير، الموثق، أمين المحفوظات، الكومبيوتر، المندوب التجاري، مندوب تسويق، مستشار تجاري، مراقب أشغال، أمين مستودع، البائع، الصيرفة، الصاغة، المختبر، الصيدلي، التمديدات الكهربائية، الأعمال الإلكترونية، أعمال الدهان، تركيب الزجاج، الميكانيك والصيانة، الحاجب، الناطور، الحارس، السائق، الطاهي، السفرجي، الحلاق، التدريس في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية باستثناء تدريس اللغات الأجنبية عند الضرورة، الأعمال الهندسية بمختلف الاختصاصات أعمال الكيل والمساحة. وبصورة عامة الأعمال والمهن التي يتوافر لبنانيون لإشغالها. أصحاب العمل: الأعمال التجارية على اختلاف أنواعها, أعمال الصرافة، المحاسبة، القومسيون، الأعمال الهندسية، بمختلف فروعها التعهدات وتجارة البناء، الصياغة، صناعة الأحذية والملبوسات المفروشات على أنواعها والصناعة المتممة لها صناعة الحلويات، الطباعة والنشر والتوزيع، الحلاقة، الكوي، والصباغة، تصليح السيارات - حدادة ميكانيك تركيب زجاج فرش وكهرباء سيارات -. وفي 7 حزيران يونيو 2005 أصدر وزير العمل اللبناني طراد حمادة المذكرة رقم 1/67 التي تنص على الآتي: بناء على المرسوم رقم 17561 تاريخ 18/9/1964 وتعديلاته تنظيم عمل الأجانب. يستثنى من أحكام المادة الأولى من القرار رقم 1/79 التي تنص على حصر بعض المهن باللبنانيين الفلسطينيون المولودون على الأراضي اللبنانية والمسجلون بشكل رسمي في سجلات وزارة الداخلية اللبنانية.