صوّت البرلمان الألماني أمس، بحجب الثقة عن حكومة المستشار الالماني غيرهارد شرودر، مطلقاً بذلك عملية تؤدي الى انتخابات عامة الخريف المقبل، قد تصبّ نتيجتها في مصلحة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير بوصول زعيمة المعارضة الالمانية انجيلا ميركل الى الحكم، باعتبار ان الاثنين يتشاركان النظرة المتشككة ازاء باريس الحليف الوثيق لبرلين في عهد شرودر. راجع ص 8 ويأتي حجب الثقة عن المستشار الالماني بناء على رغبته في الاحتكام الى الشارع بعد سلسلة هزائم انتخابية مني بها، في حين لا يزال حليفه الوثيق الرئيس الفرنسي جاك شيراك يلملم ذيول الهزيمة التي ألحقها به مواطنوه برفضهم الدستور الاوروبي قبل اسابيع. وبدا المستفيد الاكبر من تلك التطورات، بلير الذي تسلمت بلاده امس رئاسة الاتحاد الأوروبي، واعدة بوضع لمساتها الخاصة على الحلول المقترحة لاخراج الاتحاد من ازماته، خصوصاً أزمتي الدستور والموازنة. وكان مشروع الموازنة الاوروبية محور جدل حاد بين باريسولندن في القمة الاوروبية الاخيرة. ويؤدي وصول التحالف المسيحي الديموقراطي المحافظ الذي الحق بحزب شرودر هزيمة كبيرة في ولاية شمال الراين - ويستفاليا في أيار مايو الماضي، وصاحب أكبر عدد مقاعد في مجلس الولايات البوندستاغ، إلى فك التحالف الفرنسي - الألماني الذي وقف حجر عثرة في طريق الخطط البريطانية، الامر الذي لمح اليه رئيس الوزراء البريطاني اخيراً، حين قال إن رفض الدستور الأوروبي في فرنسا وعدد كبير من دول الاتحاد"ليس ناجماً عن أزمة في المؤسسات الاوروبية، بل في القيادة السياسية"للاتحاد. وفي وقت لا تزال بريطانيا متمسكة برفضها التنازل عن قسط من المبالغ التي تستردها من الخزانة المشتركة في الاتحاد منذ عام 1984، تعتبر ميركل مرشحة التحالف المسيحي الديموقراطي لمنصب المستشار الالماني، صوتاً يميل إلى مصلحة بلير، ذلك أن نسبة 10 في المئة من التمويل الزراعي الذي يطالب به بلير يمكن أن تشكل كسباً لبرلين عبر خفض مساهمتها الضخمة في الفاتورة الفرنسية. ولا يخفى ان حكومة بلير لم تكن متحمسة لمشروع الدستور الاوروبي الذي وضعه الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان، لكنها لم تكن ترغب في الظهور بمظهر من يعارض هذا المشروع، الى ان التقطت لندن رفض الفرنسيين والهولنديين الدستور، لتعلن الغاء خطة الاستفتاء في هذا الشأن في بريطانيا أسوة بدول أخرى في الاتحاد. ويأتي ذلك في ظل عدم ميل الرأي العام في الدول الاوروبية الى تكبد تكاليف باهظة لتوسعة الاتحاد، على صعيد دعم الدول الشرقية وتحمل هجرة اليد العاملة منها الى الغرب. وفي وقت يعتبر انطلاق مفاوضات العضوية الاوروبية مع تركيا في الثالث من تشرين الأول أكتوبر المقبل، أهم اختراق قد ينجزه بلير خلال رئاسته الاتحاد في النصف الثاني من هذا العام، لا تبدو الحكومة البريطانية مستعدة لفتح حدودها امام دول الشرق ولا لتقديم تنازلات سيادية يقتضيها الدستور الموحد. ويتوافق ذلك مع سياسة زعيمة المعارضة الالمانية التي تبدي برودة ازاء ضم تركيا الى الاتحاد في الوقت الحالي.